استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سـيدتي.. فـلنـقرأ التاريـخ كامـلا

الخميس 2 فبراير 2017 01:02 ص

يعجب الإنسان للطريقة التي يتعامل بها الخطاب السياسي الغربي مع القضايا التي لا تمس مصالحه مباشرة. فالغرب يدعي أنه يتعامل مع الأمور بموضوعية وشمولية عقلانية، لا تنسى أن تأخذ بعين الاعتبار حقوق الآخرين الإنسانية ولا تنسى أيضا أسباب القضايا ونتائجها.

لكن الادعاء شيء والواقع شيء آخر مناقض لوهم الادعاء. لنأخذ مثالا واحدا شارحا لطريقة تعامل الخطاب السياسي الغربي الظالم مع العرب. المثال يتضح في كلمة المديرة العامة لليونسكو بمناسبة إحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، الذي مارسته ألمانيا النازية في جزئين من عقدي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

إن المديرة العامة، التي تقول بأن المعرفة بالتاريخ تساعد على إقامة مجتمع إنساني عادل ومسالم، تتعامل مع تاريخ الهولوكوست ذاك بصورة انتقائية وتجزيئية، فتظهر بعض ذلك التاريخ وتخفي بعضه الآخر.

فمن المؤكد أن الهولوكوست الألماني النازي، حتى لو اختلفت الروايات حول العديد من تفاصيله وعدد ضحاياه ومدى استعماله كأداة ابتزاز، كان ظاهرة همجية وغير إنسانية. وهي جريمة شملت الاستيلاء على الأملاك والترحيل إلى المنافي وسد منافذ لقمة العيش وقتل الأبرياء.

لكن لتلك القصة نتائج وتتمة يسكت عنها الخطاب الغربي، إما بقصد عند البعض، وإما بممارسة ناقصة لقراءة التاريخ الذي تدعونا المديرة العامة لقراءته. فالتاريخ يذكر لنا أن بعض المنظمات اليهودية الصهيونية استغلت بانتهازية شريرة تلك المأساة وقدمت خدمات مالية وسياسية للنازيين في مقابل الوعد بنقل أعداد من اليهود الأوروبيين إلى فلسطين.

وكانت النتيجة أن الهولوكوست الأوروبي قاد إلى الهولوكوست الفلسطيني، الذي قامت بتنفيذه عصابات صهيونية إجرامية من مثل الهاجانا وغيرها. ولقد تمَ تنفيذ الهولوكوست الفلسطيني بالبراعة نفسها والخسة الشريرة نفسها اللتين استعملهما النازيون.

لقد جرى ترويع الأبرياء وذبح بعضهم، والاستيلاء على الممتلكات، وتهجير مئات الألوف من وطنهم ليهيموا على وجوههم في المنافي إلى يومنا هذا، ومن دون أمل العودة إلى مرابع عيشهم التاريخية، ضدا من كل الشرائع والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية.

وإذا كانت دول الغرب قد هبت لنجدة ضحايا الهولوكوست الأوروبي، فإنها إلى يومنا هذا تقف متفرجة على ضحايا الهولوكوست الفلسطيني، بل وتتواطأ بشتى الحيل والتبريرات الانتهازية مع الصهيونية النازية.

هنا نأتي إلى الملاحظة الأساسية: إذا كانت مديرة اليونسكو، وكان المدير العام لهيئة الأمم، وكانت جحافل المسؤولين في بلدان الغرب، إذا كانوا يريدون إعادة تذكر تاريخ الهولوكوست النازي، فلماذا يتجاهلون كليا نتيجة ذلك الهولوكوست البشعة اللاإنسانية المستمرة في الزمن عبر العقود من السنين، ونعني بها قيام الصهيونية العالمية بارتكاب هولوكوست مماثل بحق شعب فلسطين العربي؟

قراءة التاريخ، يا سيدتي المديرة، إما أن تكون كاملة، وإما أن تكون مزيفة بسبب نقصانها؛ وهذا ما تفعلينه وما يفعله غيرك من ذرف الدموع المدرارة عندما يتعلق الأمر بضحايا الهولوكوست الأوروبي من اليهود، وذرف دموع التماسيح عندما يتعلق الأمر بأكثر من عشرة ملايين من ضحايا الهولوكوست العرب.

نذكر بأنه حتى عندما دخل الضمير الإنساني في صحوة مؤقتة واعتبر الصهيونية مساوية للفكر العنصري وممارسة للجرائم غير الإنسانية، انبرى الغرب الاستعماري، بتنسيق تام مع الصهيونية العالمية ومجرميها في فلسطين المحتلة، ليبطل ذلك القرار الدولي، وليمنح من يدهم ملطَخة بدماء الأبرياء صك البراءة.

وها هو الآن لا يزال يجتر تجريم حاملي الفكر النازي ويحاكمهم، ولكنه يتعايش بخبث وتلاعبات بالألفاظ مع الفكر الصهيوني وممارساته في فلسطين المحتلة. فالغرب الذي جرّم أفكار «افتداء الأرض» و»المجال الحيوي» و»الهيمنة العسكرية المطلقة» «والفصل الحيزي» النازية يتعايش اليوم مع الأفكار نفسها تلك التي ينادي بها الفكر الصهيوني، وعلى الأخص الفكر الصهيوني التقليدي اليميني الاستئصالي المتطرف، الذي يحمله أمثال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان.

من هنا فإننا لا نفهم ما وراء قول المديرة العامة، عندما تتكلم عن ظاهرة أشكال البغضاء في العالم، وفي الحال تردفها بقولها «ومنها الأشكال التي يحاول أصحابها إخفاءها في طيات نقدهم المتواصل (لإسرائيل) بطريقة تنم عن الحقد والبغضاء».

لكن ألا تستحق الممارسة اليومية للحقد والبغضاء ضد من تسميهم الصهيونية «بالأغراب»، أي الفلسطينيين العرب، وذلك من خلال القتل والاغتيال، والسجن بلا محاكمات ولا إفراج، وهدم المنازل واقتلاع شجر الزيتون والتهجير والحصار، وحواجز الطرق المذلة المعرقلة لأبسط التنقل اليومي، والاستيلاء على الأراضي لبناء المستوطنات ليسكن فيها الأغراب الحقيقيون القادمون من كل بقاع الدنيا، والتمييز العنصري والديني الذي لا يتوقف عن التفنن في أشكاله وقباحاته، ألا تستحق تلك الممارسات أن يشار إليها سنويا للعالم كافة، ويكون لها يومها السنوي الخاص بذكرها والتنديد بها وتسميتها باسمها الحقيقي: الهولوكوست الفلسطيني؟

معذرة سيدتي المديرة، وبكل احترام نقول لك: إذا كان يهود العالم يودون أن يذكروا العالم بمأساتهم سنويا، فإن من حق العرب الفلسطينيين أيضا، مسلمين ومسيحيين ويهودا، أن يكون لهم هم الآخر يومهم السنوي لتذكير العالم، لا بمأساة قديمة طوى الزمن آثارها وأحزانها ومات ضحاياها، ولكن بمأساة لايزال ضحاياها يعيشونها إلى يومنا هذا، بل تصر القوى الصهيونية، بمؤازرة من بعض الدول، وعلى رأسها أمريكا وبصمت عالمي مخجل تحت الابتزاز الصهيوني، تصر على أن تبقيهم في جحيم تلك المأساة إلى أن تقوم الساعة.

إذا كانت اليونسكو تريد أن تعيش مبادئها ولا تخضع للابتزاز فعليها إما أن تتذكر تاريخ مآسي الجميع، وإما أن تنسى تاريخ مآسي الجميع، بشرط أن تكون قراءة صحيحة للتاريخ.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني.

  كلمات مفتاحية

اليونسكو ذكرى الهولوكوست الأوروبي أيوين بوكوفا الهولوكوست الفلسطيني تبرير الاستيطان الصهيوني الخطاب السياسي الغربي