كيف قتل قانون «جيهان السادات» للأحوال الشخصية الشيخ «محمد أبو زهرة»؟

السبت 11 فبراير 2017 07:02 ص

واحد من علماء الدين المُحدثين المجاهرين بكلمة الحق في وجه الحاكم، مهما كلفهم الأمر، لو أدى إلى انتقالهم إلى رحمة الله، إنه الشيخ «محمد أبو زهرة» الذي يأتي على قمة رموز الدين الإسلامي، في العصر الحديث، الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على الشريعة.

توافينا عقب أسابيع قليلة الذكرى الـ43 لوفاة الشيخ «أبو زهرة»، أو «محمد أحمد مصطفى»، كما الاسم الحقيقي له، والمُولود في المحلة الكبرى في عام 1898م، والمُتوفى في يوم الجمعة 12 من أبريل/أذار 1974م، ليعد زهرة من عطر رجال صدحوا بالحق في مواجهة أدعياء العلم الديني المناصرين الحكام اليوم على حساب الدين والشريعة والدماء.

كره مبكر للظلم

الدماء الحرة المتدفقة في شرايين الرجال لا تُشترى بمال، ولا تُوجد من فراغ، فكان الشيخ عقب تعلمه في الجامع الأحمدي في طنطا، وبعد حفظه «القرآن الكريم»، وهو بعد في سن الـ18 عاماً، يقول عن نفسه: «ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سنِّ المراهقة كنت أفكِّر: لماذا يوجد الملوك؟ وبأيِّ حق يستعبدُ الملوك الناس؟ فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خُضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت».

من هنا من سن الـ18 عاماً، وحتى نهاية عمره، وقد تُوفي، رحمه الله، في عام 1974 عن 76 عاماً، والشيخ دائم الصدح بالحق، ما استطاع إليه سبيلاً، ومهما كلفه الأمر.

كان الشيخ يَدرس القضاء الشرعي آنذاك في مدرسة القضاء الشرعي، ولم يكتف بالعالمية منها في عام 1924م، بل سعى حتى نال شهادة عليا من مدرسة دار العلوم عام 1927م

وفي بداية حياته العملية عمل معلماً في المدارس الثانوية لكن لنبوغه تم اختياره ليدرس في كلية أصول الدين ثم في كلية الشريعة، وهناك ألتقى أساطين عصره في القانون، وارتقى من مدرس إلى مدرس مساعد إلى رئيس قسم، حتى رئيس قسم الشريعة، ووكيل لكلية الحقوق في جامعة القاهرة حتى سن التقاعد في عام 1958م، وإن ظل محاضراً بالأخيرة حتى وفاته.

مع «عبد الناصر»

عام 1962م ومع بدايات تطوير الأزهر أختير عضواً بمجمع البحوث الإسلامية، وفي فترة زمنية مقاربة طلب الرئيس «جمال عبد الناصر» لقاء أبرز علماء الدين، ليفاجئهم بأنه يريد دعمهم في شرح وتقريب الاشتراكية الإسلامية للناس، وتروي «كريمة» نجلة الشيخ في لقاء في «رابطة الأدب الإسلامي» في القاهرة في عام 1997م إن الشيخ هو الوحيد الذي رد على «عبد الناصر» آنذاك إذ وقف ليقول: «لكل مجاله الذي يُبرع فيه فإذا أراد رئيس الدولة أن يحدد موقف الدين من الاشتراكية، فإنه كان من الواجب أن يسأل العلماء ثم ينتظر النتيجة لا أن يطلب منهم ما يريد وعليهم الموافقة».

ضجت القاعة عقبها بالصمت لثوان..قبل أن ينسحب رئيس الدولة منها اعتراضاً على كلمات الشيخ.

وكان من رأي الشيخ آنذاك أن الحاكم ينبغي أن يتم اختياره وفق الشورى، مع وجوب تطبيق الشريعة، ومنع الربا، وكان من المواقف التي أنبرى لها الرد على الادعاء بأن أمير المؤمنين أبطل حد السرقة في عام الرماده، فأوضح أن المصلحة تدور مع النص، وأن «عمر بن الخطاب»، فهم جوهر النص وطبقه، وهو أن الحد لا يطبق على الذي لا يجد طعاماً ليقيم جوعه، كما تصدى الشيخ لمفت ادعى أن للخاطب حق رؤية خطيبته بلا ملابس، في واحدة من غرائب الفتاوى في عهد «عبد الناصر».

وكان من نتيجة كل هذا أن حارب الإعلام الشيخ بكل قوة، رغم عشرات المؤلفات، وتوجه الشيخ الرائق إلى إعمال الفكر في الفقه الإسلامي لكن بما لا يخالف أصوله.

وفاة «أبو زهرة»

كانت أبرز مواقف الشيخ «أبو زهرة» مع الرئيس الراحل «محمد أنور السادات»، فبوجه عام كانت لـ«أبو زهرة» في نهاية عام 1973، وبداية العام التالي له عدد من الندوات والاجتماعات في جامعتيّ القاهرة والإسكندرية وجمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، بخاصة في تحديد النسل، وتقييد تعدد الزوجات والطلاق.

وكانت السيدة «جيهان السادات»، زوجة رئيس الجمهورية آنذاك، تعمل جاهدة لتغيير قانون الأحوال الشخصية المصري، بما يوافق رغبتها في زيادة تمكين المصريات، ولو جاء الأمر على حساب الشريعة، وقيل أن القانون جاء في مواجهة مشكلة أسرية خاصة أرادت السيدة «جيهان» حلها على حساب مصر كلها.

ولكن الشيخ لم يرضه الأمر، وقرر عقد مؤتمر شعبي للرد عليه من صحيح الشريعة والدين، وكان المكان سرادق كبير في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أمام بيت الشيخ في ضاحية الزيتون في القاهرة، في يوم الجمعة 12 من أبريل/نيسان 1974م، وعاين الشيخ السرادق صباحاً، وكان على نفقته الخاصة، ثم عاد إلى غرفته بالفيلا ليكمل تفسير سورة النمل، لكن الحرارة أخذته من تعدي قانون الأحوال المعروف بقانون «جيهان» على صادق الشريعة، فنزل متعجلاً لينادي بالهمة في إنهاء السرادق ومتطلباته، وكان عمره آنذاك يناهز الـ76 عاماً، وتحت إبطه أوراق التفسير، فتعثر على السلم ليسقط ساجداً فوقها ويلقى ربه.

وصدر القانون بعدها بسنوات عام 1979م لكن ليتم إلغاؤوه عبر المحكمة الدستورية في مايو/أيار 1985م لصدوره دون عرض على مجلس الشعب.

ترك الشيخ أكثر من 30 كتاباً على رأسها «زهرة» التفاسير حتى الآية 73 من سورة النمل التي توفي دون إتمامها، واشتهر رغم مواقفه الشدية في الحق بروح الدعابة، وتروي ابنته أن أحد طلبته دخل المحاضرة متأخراً وفي يده ورده فقال الشيخ له مداعباً:

ـ أهلاً يا «أبو وردة»!

فقال الطالب على الفور دون تفكير:

ـ أهلاً يا «أبو زهرة»!

فضحك الشيخ ولم يقبل اعتذاراً من الطالب متقبلاً روح الدعابة منه بصدر رحب. 

  كلمات مفتاحية

قانون جيهان السادات الأحوال الشخصية محمد أبو زهرة