«سيد النقشبندي» بذكرى رحيله الـ41: مبتهل لحن له «بليغ حمدي» بإشراف رئيس الجمهورية (فيديوهات)

الأربعاء 15 فبراير 2017 11:02 ص

بدأت دولة الابتهال الديني في مصر مع التسجيلات الإذاعية في القرن الماضي، كما يحلو لعشاق الابتهالات أن يسموها، بدأت مع قُراء «القرآن الكريم»، إذ لا يعرف الكثيرون أن الشيخين «محمد رفعت»، و«عبد الباسط عبد الصمد»، على سبيل المثال كانت لهما ابتهالات دينية، وإن كانت نادرة التسجيل، لأن شهرتهما كقارئين لـ«القرآن الكريم طغت عليهما، رحمهما الله.

لكن دولة الابتهالات شملت الذين غلب عليهم الإنشاد الديني مع قرائتهم لـ«القرآن الكريم» من مثل الشيوخ: «محمد عبد الرحيم المسلوب»، «نصر الدين طوبار»، «محمد الفيومي»، «طه الفشني»، و«محمد عمران»، رحمهم الله، وقد كان الشيخ «سيد النقشبندي» في منزلة رئيس جمهورية دولة الابتهال والإنشاد الديني، إن جاز اللقب.

تميز الشيخ «سيد النقشبندي» بالجمع بين الابتهال والإنشاد الديني، وهو أمر نادر من قبله، إذ إن الابتهال يساوي المناجاة مع رب العزة، والسباحة اللطيفة في الدعاء، وطلب الستر في الدنيا والآخرة، وعدم المؤاخذة على الأخطاء والذنوب والآثام، مع ذكر سير حياة الصالحين والأنبياء، عليهم السلام، وأحياناً طلب الرحمة والنجاة من العذاب بمحاولة المبتهل بيان أنه يقتدي أثرهم رغم الخطايا والذنوب التي تُصيب ثوب نفسه.

أما الإنشاد فهو الابتهال في مضمونه لكن بالإضافة إلى الموسيقى المعروفة، كما فعلت الراحلة «أم كلثوم» مع أغاني فيلم «رابعة العدوية» وهلم جراً.

وكان الإنشاد الديني قليلاً، بصوت الشيوخ المُبتهلين، قبل الشيخ «النقشبندي»، فلما جاء ضم إلى دولة الابتهال ..دولة الإنشاد ليرأسهما معاً، ومن الإنشاد الديني المعروف، على سبيل المثال، «ماشي في نور الله» التي كتبها «نبيل الفكهاني» للراحل الشيخ «محمد الفيومي»، وذاع صيتها على أنها للشيخ «النقشبندي» (شاهد الفيديو)، ولكن قصة جمع «النقشبندي» للإنشاد مع الابتهال طريفة تستحق التوقف أمامها.

«السادات» على الخط..في القناطر

كان الراحل الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» مشغولاً بالاشتراكية، بشكل رسمي، ونسبتها إلى الإسلام، وفي سبيل ذلك اهتم بالغناء الطربي، في خط متوازٍ، كأحد أبجديات شغل المصريين والأمة العربية عن واقعهم، والمواجهة المحتدمة مع العدو (الإسرائيلي)، مما أوقع الأمة كلها من بعد في هزيمة 1967.

وكان من آليات الرئيس «عبد الناصر» تجويد الغناء والطرب، لذلك طلب من قطبيهما في عصره الراحلين «محمد عبد الوهاب» و«أم كلثوم» الانضواء معاً تحت لواء أغانٍ جديدة، تحقق تجديداً في روح الأغنية المصرية بخاصة اللحن.

وتأخر «عبد الوهاب» في التنفيذ حتى عام 1964م فيما أطلق عليه لقاء السحاب في «أنت عمري»، وأغان أخرى كان آخرها «ليلة حب» في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

أراد «السادات» كسر التيمة، وتعديل الاتجاه عقب توليه الرئاسة في عام 1970م، فأبقى على غلبة الطرب، لكنه لم يدن «أم كلثوم» منه، وقصة الشجار الأشهر لما ذهبت تهنئه بتولي الرئاسة، كعادتها في استقطاب كل رئيس جديد بعد الملك «فاروق»، معروفه، إلا أنها اصطدمت بالسيدة «جيهان السادات»، على نحو لم تكن تتوقعه، فأعجزها الرد، وهي صاحبة القفشات الشهيرة، والردود العجيبة، بخاصة مع الملوك والرؤوساء داخل وخارج مصر.

لم يُرد «السادات» الاعتماد على طرب أم كلثوم، بشكل أصيل في التدارك على غلبة الاشتراكية على الدولة، بل رأى الأمر إرثاً ثقيلاً ورثه من سابقه، وأتبع سياسات معروفة في سبيل التغلب عليه، ولكن كان منها ما لا يعرفه الكثيرون في العام الثالث فحسب من توليه السلطة، وقبل حرب 6 من أكتوبر/تشرين الأول 1973م بقرابة عام، ويدل على توجه الرئيس آنذاك المُغاير لما هو معروف من سياسات سابقه «عبد الناصر».

يروي «وجدي الحكيم»، رئيس الإذاعة المصرية آنذاك، أنه في عام 1972م كانت (خطوبة) إحدى بنات الرئيس «السادات»، فدعا إليها جمهرة من السياسيين والإعلاميين، وكان من بينهم الشيخ «النقشبندي (وكان الدكتور محمود جامع عرّف السادات بالنقشبندي إبان رئاسة الأول لمجلس الأمة في عهد عبد الناصر)، وهناك استوقف «السادات» الراحل الموسيقار الشاب، آنذاك، «بليغ حمدي»، وقد ذاع صيته بعد غناء «عبد الحليم حافظ»، و«أم كلثوم» وغيرهما من ألحانه، ثم استوقف «السادات» الشيخ «النقشبندي»، وقد كان الأخير يخطو إلى الخمسين من عمره الخطوة الثانية، ليقول له:

ـ يا شيخ «سيد» عاوز أسمعك مع «بليغ»!

كانت الكلمات تساوي خلاصة التوجه الجديد الذي حرص «السادات» على الانتقال إليه، وهو بعث روح الإيمان في نفس الجيش قبل الشعب للاستعداد لمعركة جديدة مع العدو الصهيوني، وكان من مفردات المعركة لديه الإنشاد الديني..لكن الشيخ «النقشبندي» ذُهل ولم يحر جواباً ..ليكمل «السادات» ما بدأه، ويوجه كلماته إلى «وجدي الحكيم» قائلاً:

ـ افتح لهما استديو في الإذاعة يا «وجدي»..ليعملا معاً فيه.

وبما إن الأمر الرئاسي صدر فلابد لـ«وجدي الحكيم» أن يُنفذ!

«النقشبندي» يخلع العمامة والجبة

واتصل «وجدي الحكيم» بـ«النقشبندي» بعد أيام ليقول له إن الموسيقار «بليغ حمدي» مستعد لتعاون معه، وبقي تحديد الموعد، ففوجىء به يصيح:

ـ موعد إيه..؟!

ده ألحانه راقصة ..هو أنا على آخر الزمن هاغني يا «وجدي» ولا إيه ..أنا مبتهل وشيخ مش مغني؟!

وأسقط في يد «وجدي الحكيم»، فلابد من التصرف، فالأمر صادر من رئيس الجمهورية.

واحتال «وجدي الحكيم» للأمر بروح الدعابة التي عُرفت عن «النقشبندي»، المبتهل ذائع الصيت آنذاك في مصر والشام وغيرهما، فذهب إليه قائلاً:

ـ حددتُ لك موعداً مع «بليغ» فلا تحرجني معه..

فلما ظهر الرفض بل الامتعاض على وجه الشيخ أضاف رئيس الإذاعة:

ـ الموضوع سهل .. التقه في الاستديو، فإن أعجبك كلامه ولحنه، فاعمل لي إشارة بعد نصف الساعة، وإن لم يعجبانك اعمل لي إشارة أخرى لأدعي أن الاستديو عطلان، وأُحلك من الأمر كله، وأنهي التعاون بينكما.

وافق «النقشبندي» مُكرهاً، وكانت العلامة ما بينه وبين «وجدي الحكيم» أن يبقى بالعمامة بعد نصف ساعة من بداية اللقاء، وهي علامة أن كلمات «بليغ حمدي» والحانه لم تعجبانه، أما إذا خلعها فهي علامة العكس تماماً.

وبعد نصف الساعة دخل «وجدي الحكيم» ليجد الشيخ «النقشبندي» خالعاً العمامة والجبة (ما بشبه البدلة لكن مع الطول وهو رداء مميز لعلماء الدين)، ويصيح به:

ـ «بليغ» ده يجنن إحنا اتفقنا على كل حاجة وخلصنا لحن «مولاي» كمان..

وكانت أنشودة «مولاي» (شاهد الفيديو)، إحدى كنوز الإذاعة المصرية، والحان أخرى اشترك فيها «بليغ» مع «النقشبندي» بالإضافة إلى أشهر تواشيح رمصان على الإطلاق «الله ..يا الله» (شاهد الفيديو) التي فاجأ بها «بليغ» و«النقشبندي» العالم الإسلامي كله قبل وفاته.

حياة قصيرة وإنجازات كبيرة

ولد «النقشبندي» في قرية دميرة إحدى قرى محافظة الدقهلية، في مصر عام 1920، ولم يمكث في (ميرة) طويلاً، حيث انتقلت أسرته إلى مدينة (طهطا) في جنوب الصعيد ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره آنذاك.

وفي (طهطا) حفظ القرآن الكريم وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية، وكان والده الشيخ «محمد النقشبندى» هو شيخ الطريقة، وإليها ينسب اسمه واسم نجله، وهناك ذاع صيت الشيخ «سيد النقشبندي» لما اشتهر بصوته الجميل وإحياؤوه الليالي الدينية، وليرى بعدها في المنام أن الشيخ «سيد البدوي (أحد أصحاب المقامات المدفونين المعروفين ويُقام له مولد سنوي في طنطا) يدعوه إلى الانتقال بها في محافظة الغربية ففعل.

دخل الشيخ الإذاعة العام 1967م، وترك للإذاعة ثروة من الأناشيد والإبتهالات، إلى جانب بعض التلاوات القرآنية.

كرم «السادات» الشيخ بعد رحيله عام 1979م بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى.
كما كرمه الرئيس المخلوع «حسني مبارك» بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى.
قيل عن صوته إنه من أقوى الأصوات المصرية، وتردد أنه كان أكثر قوة من «عبد الوهاب» و«أم كلثوم و«عبد الحليم» مجتمعين، غنى لـ«أم كلثوم» قائلاً في لقاء مع الإذاعي «طاهر أبوزيد»:

ـ أيام ما كنت بادندن ولا حرج علي..!

وله صورة شهيرة معها في استراحة السيد البدوي في طنطا، كما تغنى بترجمة الراحل «أحمد رامي لـ«ابتهالات الخيام» في حلب، (شاهد الفيديو).

توفي، رحمه الله، عن عمر يناهز 56 عاماً، ي مثل هذا اليوم من 41 عاماً إثر أزمة قلبية لم يتم إسعافه منها.

  كلمات مفتاحية

الشيخ سيد النقشبندي السادات الابتهال الإنشاد بليغ حمدي ذكرى وفاة

مقارنة تركي آل الشيخ لرابح صقر ببليغ حمدي تثير جدلا

بلاغ عاجل ضد مصري وفلسطيني لاستهانتهما بابتهال مولاي