استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بل هناك حاجة ملحة للإيديولوجيات

الخميس 16 فبراير 2017 09:02 ص

منذ أن بدأت الأطروحات السياسية القومية العربية والإسلامية العربية بالتراجع، وأحيانا بالفشل الذريع، بسبب أخطاء وعدم كفاءة المنادين بها في بعض الأحيان، أو بسبب عدم تهيئة وإنضاج الظروف المطلوبة لإنجاحها، انبرت أفواه وأقلام حاملي رايات الإحباط واليأس والفذلكات الفكرية بطرح المقولة التالية: انتهى عصر الإيديولوجيات.

ولكن، هل حقا أن الحاجة لطرح الإيديولوجيات في المجتمعات العربية لم تعد له مبرراته الذاتية؟ الجواب هو العكس تماماَ. دعنا أولا نستحضر مكونات الإيديولوجية الثلاثة: إجراء تحليل ونقد موضوعي علمي للمجتمع، ووضع أهداف عليا وتصورات شاملة لما يجب أن يكون عليه ذلك المجتمع في المستقبل، وتحديد الأدوات والوسائل اللازمة للقيام بالمهمتين السابقتين. وتهدف تلك المكونات للإيديولوجية إجراء تغييرات وتحوُلات اجتماعية وسياسية كبرى في المجتمع، من خلال استعمال العقل والمنطق والاستعانة بمنجزات العلوم والثقة الكاملة في قدرة الإنسان على تغيير محيطه وتحسين مستوى معيشته وتصحيح مسارات حياته.

دعنا نستذكر ثانياَ أن الإيديولوجيات الشهيرة في الغرب الأوروبي، مثل الليبرالية والاشتراكية والمحافظة، كانت حصيلة دخول الغرب في حداثته. فأفكار الحداثة، مثل الحرية والمساواة والمواطنة والتقدم وحقوق الإنسان، كانت بحاجة لتنظيمها وإدماجها في مشروعات سياسية واجتماعية كبرى شاملة. من هنا ولد مفهوم الإيديولوجية.

والأمر نفسه ينطبق على بلاد وأمة العرب: فاذا كنا نتحدث عن بناء حداثتنا الذاتية، المستفيدة بالطبع من حداثات الآخرين ولكن الآخذة بعين الاعتبار لخصوصيتنا، فهل ندخل حداثتنا بمشاريع سياسية اجتماعية صغيرة ومجزأة وغير مترابطة ومتعاضدة، أم ندخلها بأفكار إيديولوجية كبرى، الناقدة للمجتمع والمحددة للأهداف والبانية للأدوات والوسائل في آن؟

نحن هنا نتحدث عن إيديولوجيات متعايشة ومتفاعلة مع بعضها بعضا في أجواء من الحرية والديمقراطية والتنافسية الشريفة، وليس عن إيديولوجيات متزمتة واستئصالية للآخر، وفارضة نفسها بالقوة والبطش، كما شهدها العالم الغربي طيلة القرن الماضي وكما شهدناها نحن العرب منذ الاستقلال.

دعنا نستذكر ثالثاَ بأن الشكوك التي تحيط بجدوى ايديولوجيات في المجتمعات الغربية، هي حصيلة للأزمات الكثيرة التي حلت بالحداثة الغربية، مثل الحروب العالمية الكبرى وممارسة الاستعمار وتفسخ الديمقراطية وممارسة الرأسمالية المتوحشة الظالمة وغيرها كثير.

أما بالنسبة لأمة ووطن العرب فالأمر يختلف. فنحن أمة مجزأة، مسلوبة الإرادة السياسية، منهوبة الثروات، لم تخرج بعد من صراعات الولاءات الطائفية والقبلية والعرقية البدائية، ولم تصل بعد إلى شواطئ الأمان في أوضاعها السياسية والاقتصادية. وعليه فإن حاجتها لتصورات سياسية واجتماعية شاملة ومترابطة هي حاجة ملحة، من أجل أن تواجه أهوال مشاكلها بإيديولوجيات نقدية وعقلانية متكاملة وبالشروط التي ذكرناها.

نحن على علم بالأطروحات السياسية والاجتماعية، التي طرحها مفكرون غربيون من أمثال فوكو الفرنسي، والقائلة بأفضلية تبني المشاريع السياسية والاجتماعية الهادفة لحل إشكاليات محددة خاصة بفئة من المواطنين، مثل مساواة المرأة في الأجور، أو معالجة موضوع الأقليات، أو تحديث هذا الحقل أو ذاك، وذلك بسبب الويلات التي واجهتها المجتمعات الغربية من جراء الإيديولوجيات الشمولية العنيفة التي طرحت في الغرب.

إنها اطروحات قد تصلح لمجتمعات تنعم باستقلالها الوطني ووحدتها الوطنية وبنظامها السياسي المستقر وباندماجها في مسيرة الحضارة الإنسانية. لكن ذلك لا ينطبق على مجتمعاتنا العربية التي تصارع من أجل الخروج من تخلُفها التاريخي، ومن أجل وحدة أوطانها واستقلالها الوطني ومن أجل الانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي معقول ونظام اقتصادي انتاجي غير ريعي.

والواقع أن هناك أصوات قوية وكثيرة في الغرب تعتقد بأن أخطاء الماضي يجب أن تؤدُي إلى تصحيح أخطاء الإيديولوجيات السابقة وليس إلى رفض أهمية تواجد الإيديولوجيات في مجتمعاتهم. إن هؤلاء لا يتصورون غياب الإيديولوجية الليبرالية أو الاشتراكية أو المحافظة، وإنما ينادون بتعديل بعض ممارساتها الخاطئة.

في بلاد العرب، ونحن نعيش جحيم الحاضر المليء بالأخطار الكبرى، التي ليس لها مثيل في تاريخنا كله، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى طرح الإيديولوجيات، سواء الرافعة لألوية القومية أو الليبرالية أو الاشتراكية أو الإسلامية.

من حق البعض أن يطالبوا بتصحيح بعض جوانب أطروحات وممارسات الماضي، فهذا واجب وضرورة، ولكن ستكون كارثة لو اقتصرت الحياة السياسية والاجتماعية العربية على الانشغال بحل مسائل جزئية متناثرة، بدلا من محاولة النضال السلمي الديمقراطي المستمر لإجراء تحولات وتغييرات كبرى في حياة الإنسان العربي.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني.

  كلمات مفتاحية

العرب الأيديولوجيات القومية العربية الإسلامية العربية الحداثة