«إيكونوميست»: كيف تم طمس التراث الإسلامي في الأماكن المقدسة بالسعودية؟

الأحد 5 مارس 2017 09:03 ص

تمكّن أمير منطقة مكّة، الأمير «خالد بن فيصل آل سعود»، من تعويض الإخفاقات السابقة. وقد جاء لشغل منصب محافظ عسير عام 2007 بخططٍ لإنشاء أبراج عالية في مدينة أبها والتي لم تتحقق إلى حدٍ كبير. لقد محا بنجاح مدينة أبها القديمة بأكواخها المبنية من الأغصان، فقط ليستبدلها بمباني صغيرة مبنية من الطوب من دورٍ واحد، وليست تلك المباني الشاهقة التي كان يتطلّع إليها.

الآن، بينما يقبع على رأس مدينة مكّة القديمة التي كانت مدينة النوافذ الشبكية والأروقة، أشرف الأمير على أكبر مشروعٍ للتنمية في الشرق الأوسط. ترتفع ناطحات السحاب في أقدس الأماكن الإسلامية على الإطلاق، الأمر الذي جعل الكعبة الجرانيتية تبدو أصغر بكثير.

تعمل الحفّارات على تسطيح التلال التي كانت يومًا ما بيوتًا لزوجات النبي وصحابته وخلفائه الراشدين الأوائل. وتتألق الطرق السريعة من وإلى المقام الجديد. وتستثمر شركة جبل عمر للتطوير، وهي شركة مساهمة بين الأسر المكية القديمة، مئات الملايين من الدولارات لإقامة برجين من 50 طابقًا في موقع منزل الخليفة الثالث. كما لو أنّ شعار المدينة المقدّسة سيصبح في وقت ما على شكل جرّافة.

ويقول المسؤولون أنّ الهدم هو الثمن الحتمي للتوسّع. وفي عام 1950، قبل أن يبدأ كل هذا، كان 50 ألف حاج يطوفون حول الكعبة، في أمّ الشعائر بموسم الحج. العام الماضي، حوالي 7.5 مليون حاج فعلوا ذلك. وخلال ثلاث سنوات، تخطّط السلطات لمضاعفة هذا الرقم الضخم. ويقول «أنس الصيرفي»، وهو مهندس معماري وعضو مجلس إدارة جبل عمر للتطوير: «لا يوجد حلّ آخر. كيف يمكننا استيعاب الملايين والملايين من الحجاج؟». لكنّ الإصابات المؤسفة كانت عائقًا، ففي سبتمبر/أيلول عام 2015 سقطت أكبر رافعة في العالم على أرضية الحرم، الأمر الذي تسبّب في مقتل 170 حاجًا. لكن بعد هذه الحادثة بأسبوعين فقط، قتل 2000 حاج في حادث تدافع، الأمر الذي يلقي الضوء على مخاطر نقص المساحة.

ويرى الملك «سلمان بن عبد العزيز»، كونه خادم الحرمين الشريفين، أنّ زيادة الحركة تزيد من هيبته وتعود عليه بالمنافع المادية. وفي إطار برنامج التحوّل الحكومي، ستنمو عائدات الحج لتنافس عائدات النفط. وينفق مليارات الدولارات في السكك الحديدية ومواقف الانتظار لـ 18 ألف أتوبيس تقلّ الحجاج، والفنادق التي يقيمون بها. وتتم الأقواس الذهبية لماكدونالدز خارج أبواب الحرم.

ووصف المنتقدون ذلك بـ«الماوية الإسلامية». حيث خرج خليط غير متجانس من مذاهب المالكية والشافعية والزيدية، ثمّ تم جمعها في تجانس تحت ما يسمّى بالوهابية. قام الحكّام الجدد باستبدال المنابر الأربعة حول الكعبة المشرفة والتي تدرّس مذاهب السنّة الأربعة، ولم يسمحوا سوى بالوهابية كمذهبٍ وحيد. وقد طهّروا المكان من مظاهر تقديس الأولياء، وهدموا الأضرحة التي كانت يقدسها الشيعة والمسلمين السنّة التقليديون على حدٍّ سواء. ومن بين عشرات الأماكن المقدّسة في المدينة، لم تبقَ إلّا الكعبة فقط.

الآن بعد مرور الأعوام، يملك بعضَ المكّيين أفكارًا أخرى. ويبدي أحد المحلّيين تذمّره قائلًا: «لقد حوّلنا تاريخنا وماضينا الذي يعود إلى العصور الإبراهيمية إلى محطّة بنزين». ويقوم السيد «الصرفي»، المطوّر، بتصميم يستند إلى تراث ظاهري، مع خرائط تتبع طرق المدينة القديمة التي لم تعد قائمة، ملقيًا الضوء على منازل الخلفاء الأوائل.

ربما تقوم الحكومة، في ظل وجود ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، بإعادة الترميم. فقد كشفت خطّة التحوّل العام الماضي إلقاء الضوء على الموارد السياحية المحتملة بالمملكة، ووعدت بتخصيص المليارات لمشاريع التراث. وفي مقابلة له مؤخرًّا، انتقد وزير إعلامه «خالد الطريفي» من وصفهم بـ«المتطرّفين والإرهابيين» الذين يعملون على هدم الثقافة. وقال: «كل الشعوب والمناطق الجميلة الممتلئة بالثقافة والموسيقى والرقصات والطقوس والتقاليد، قد تمّ تدميرها جميعًا على يد الإسلام السياسي». ربما يكون استبدال المنابر المفقودة حول الكعبة نقطة جيّدة للبدء.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

مكة التراث الإسلامي منابر الفقهاء الحداثة مكدونالدز