مثقفون وفنانون يحاولون تلمس أخطاء الثورة السورية في الذكرى السادسة لانطلاقها

السبت 18 مارس 2017 08:03 ص

خلال 6 سنوات  شهدت الثورة السورية العديد من التحولات زادت المشهد غموضاً وتعقيداً. 6 سنوات حملت الكثير من الخيبات والانكسارات، غير أنّها لم تقضِ على أمل السوريين وحلمهم الكبير في التغيير، وهو ما يمكن تبيّنه  آراء عدد من السوريين الذين شاركوا في الثورة منذ بدايتها، عبر استطلاع  آراءهم بمناسبة الذكرى السادسة لانطلاقها.  

خط ذو توّجه وطنيّ

يعتقد الشاعر السوري والمعتقل السابق «وائل سعد الدين»، أنّ أيّ شخص مؤمن بالثورة خارج الحدود السورية هو شخص غير فاعل بها، لأنّ الفعاليّة والعمل الثوري يقعان على عاتق الثوّار في الداخل السوري، كما يقول، وبالنسبة له، فإنّه لكونه خارج سوريا لا يستطيع سوى أن يكون داعماً ومؤيّداً لهذه الثورة.

ويضيف «سعد الدين»: «الوضع السوري الحالي لا يحتمل، من وجهة نظري، إلّا خيارين رئيسيين هما: مع الثورة أو ضدّ الثورة، وبما أنّ خياري محسوم تجاه هذه القضيّة، ثمّة واجبٌ وطنيّ أولاً يحدّد طبيعة عملي، وواجبٌ أخلاقيّ ثانياً يصوّبُ مساره، لذلك يتحتّم عليّ أن أنظر إلى هذا المسار بعين الناقد الذي يخاف على بنائه الهشّ المتراكم، لتلافي الأخطاء والخطايا إنّ صحّ التعبير».

وعن التحوّلات التي طرأت على الثورة خلال السنوات الست التي مضت، يقول «سعد الدين»: «طرأ على ثورتنا عدّة تحولات كان أشدّها حدّة الانتقال من الثورة السلمية المطلبية، ثورة الحريّة والكرامة، إلى الثورة المسلّحة، حيث أُجبر العديد من الناس على حمل السلاح نتيجة بطش قوات النظام في قمع المتظاهرين السلميين، ومع دراية الدول الإقليمية والعالمية بأهميّة الموقع الجيوسياسي لسوريا بدأت عمليات ضخّ الأموال في الثورة المسلحة وتحويلها إلى فصائل، فتغيّرت مهتمها من حماية المتظاهرين والأرض والعرض إلى فصائل إسلامية متشدّدة، في معظمها، وارتباطات بنفوذ إقليمي والالتزام بتعليمات المموّل حصراً، مع سحب الغطاء عن السلاح الثوري».

كما أشار «سعد الدين» إلى ضعف المعارضة السياسية في إنتاج خطاب وطني وضعف أدائها السياسي أمام العالم، مع إقراره أنّ «عقوداً من الاستبداد الفاشي لا تنتج إلا مثل هذه المعارضة» وفق تعبيره، وختم «سعد الدين» كلماته بالقول: «اعتقد أنّ الثورة بطول سنيّها وصبر العديد من أبنائها (الجبابرة) بدأت تفرز خطّاً ذا توّجه وطنيّ غير معني بفشل المعارضة السياسية، وغير معني بالحالة الفصائلية، إلا بوصفها من إشكالات الثورة التي يجب البحث عن حلول لها ولو آجلاً».

محاكمات عادلة لبائعي الأوهام

أمّا المُمثلة «لويز عبد الكريم»، فقد تحدثت عن جوانب من تجربتها الشخصية خلال الثورة قائلة: «عندما اعتُقل أبي عام ٢٠١١ كُتبت نهاية حياتي الزوجية، تلك الحياة التي كنت أتمنى أن أعيشها حتى آخر أيامي، لكن اختلاف وجهات النظر حال دون الاستمرار. كنتُ كأيّ امرأة أحلم بأسرة متحابة متآلفة، لم يكن ينقصني، كزوجة الحب ولا المكانة الاجتماعية، لكن ما نقص من حياتي كان الاحترام، فكوني أرغب بأن تسود العدالة ويكون القانون فوق الجميع دون تفرقة بين ابن مسؤول أو مشهور وبين المواطن العادي، هو ما لم يتفهمه زوجٌ اخترته بمنتهى الحب».

وأكدت «لويز» أنّها كممثلة تعمل في الإذاعة كانت تستطيع الاعتراض على جملة مكتوبة فيها مديح لأحد من السلطة، لكن حريتها الشخصية وقدرتها على التعبير بشكل فردي لم تمنع حلمها ببلد تتساوى فيه الحقوق وتسوده العدالة. وتستطرد: «لكن ما حصل هو انتقال بعض المُنافقين من طرف مؤيد للنظام إلى طرف مؤيد لثورة شعب عظيمة، فتحوّلت الثورة إلى مكاسب فردية وارتهانات لأطراف سياسية لا علاقة لها بمستقبل سوريا الذي أطمح إليه».

وأنهت «لويز» حديثها بالإشارة إلى خساراتها: «خسرت حُلماً عشتُه منذ طفولتي وخسرت حياتي العملية والشخصية، أمّا خسارتي الأكبر فكانت لزملاء فكر، عندما كذبوا على أنفسهم قبل غيرهم وتماهوا مع الحالة القطيعية دون التفكير بمساويء ما يقولون أو يفعلون. ما زال حلمي بالعودة إلى دمشق ينير درب غربتي ومازلت أحلم بمحاكمات عادلة تطال حتى هؤلاء الذين كذبوا وباعوا أوهاماً للناس».

تغيير استراتيجية المقاومة العسكرية

 بدوره، ركّز الصحفي والناشط السياسي «منهل باريش» على الجانب العسكري، فقال: «بعد الخسائر المتلاحقة للثورة ابتداءً من حمص القديمة وصولاً الى  داريا والمعضمية وحلب، ومن ثم وادي بردى وحي الوعر والهجوم العنيف على القابون بهدف خنق الغوطة الشرقية نهائياً، تحتاج فصائل الثورة العسكرية الى إعادة تقييم ومراجعة في استراتيجية عامة لأسباب الهزائم».

ويعتقد «باريش» أنّ مفهوم المناطق المحرّرة قد أثبت كارثيته، وأعطى حجة للنظام ليدمر المدن فوق رؤوس المدنيين، مما ساعد إلى حدّ كبير في خسارة الحاضنة الشعبية للفصائل العسكرية، خصوصاً مع اتخاذها المقرّات العسكرية داخل الأحياء السكنية، إضافة إلى صراعاتها الداخلية الكبيرة واقتتالها ومحاولتها السيطرة على الموارد المحلية البسيطة ومؤسسات الدولة التي تركها النظام. وإقامتها لمحاكم شرعية خاصة تابعة لكل فصيل في محاولة لفرض أمر واقع جديد شكّل جزراً معزولة عن بعضها، تختلف أشكال السيطرة بين قرية وأخرى، وبين بلدة وأخرى حسب انتماء الفصيل الأيديولوجي، كما يقول.

وأضاف «باريش»: «الدوران الروسي في الجو والإيراني على الأرض أدّيا إلى استحالة اختراق جبهات جديدة وكسب مناطق سيطرة ونفوذ جديدة، وهو ما سيحتّم التفكير بطرق الاختراق والعمل خلف خطوط العدو، من خلال تجنيد شبكات سرية تقوم بالضرب المفاجئ والهروب، بعد انتقاء أهداف حسّاسة أمنية وعسكرية».

ويؤكّد «باريش» أنّ العودة الى بداية الأعمال العسكرية ضد قوات النظام كما حدث مطلع 2012 من ضرب الحواجز العسكرية خارج المدن واقتحام الثكنات العسكرية والمطارات، يشكل استنزافاً كبيراً لجيش النظام والقوات المساندة له، واختتم كلماته بالقول: «لا أتحدث عن مقاومة شعبية كما بدأ البعض يروّج فشرطها مختلف، أتحدث عن تغيير استراتيجية المقاومة العسكرية للحدّ من خسارة الحاضنة الشعبية للثورة».

  الحراك أصبح حقيقة كبرى

من جهته، قدّم الكاتب والأكاديمي «منير شحّود» تحليلاً موجزاً رأى فيه أنّ ما جرى هو انفجار شعبي عفوي امتلك كلّ الأحقية؛ بسبب انغلاق فرص التعبير وسطوة الأجهزة الأمنية حتى آخر نفس، لكن الأحقية هنا لا تكفي للانتصار بدون وجود قيادة وطنية تحدّد الأهداف والسبل بدقة، فضلاً عن طبيعة الصيرورة التي تمثّلت بامتداد حريق انتفاضات دول «الربيع العربي» السابقة في الظهور.

وأضاف «شحود» أن: «من ساعد الثورة على الصمود، الجهات الخليجية وغيرها، لم يكن من مصلحتهم أن تكون ثورة لتجاوز الواقع بالطبع، لا بل دعموها بصفتها ثورة مضادة أطاحت بكلّ الآمال التي اكتسحت مشاعر الكثير من السوريين في البدايات. ساهم هذا الدعم، علاوة على القمع والتحريض الطائفي، في التحوّل الملتبس إلى حرب أهلية تحوّلت بدورها إلى صراع إقليمي ودولي مكشوف على الأرض السورية وقوده السوريون على نحو أساسي».

وعن ما يشار إليه بتعبيري (العسكرة والأسلمة) يقول «منير»: «لم تكن الحالة السورية تحتمل العسكرة ولا الأسلمة، فكيف إن اجتمعتا معاً؟ هذا أفضى لحدوث شرخ اجتماعي حقيقي متعدّد المستويات؛ طائفي وطبقي على نحوٍ خاص. وحدث التحوّل الأساس، ومازال مستمراً منذ أواخر عام 2011، حين حُيّدت العناصر السلمية الفاعلة من الساحة بمختلف الوسائل؛ القمع والهروب والتهريب».

ويعتقد الكاتب السوري أنّ «المعارضة التي تصدّت للقيادة بدعم خارجي لعبت دوراً كارثياً، وساهمت في الحرب الأهلية، عوضاً عن أن تكون مسؤولةً وطنياً، ويمكن القول أنها من أسوأ المعارضات في التاريخ”، وفق تعبيره، وأنهى كلامه بالقول: «التغيير أصبح حقيقة كبيرة، ولو أنّها في (طور الكمون)، والتحولات الاجتماعية بطيئة ومخاتلة ومستمرة رغم عمق الجراح، بيد أن ثمة الكثير من العوائق التي لا بد منها قبل انبثاق المجتمع المدني السوري المتشكّل ببطء، وأهمها الترتيبات والتوافقات الدولية».

  كلمات مفتاحية

فنانون مثقفون تلمس أخطاء الثورة السورية الذكرى السادسة

درس الثورة السورية

قطر تضع علم الثورة السورية على معالمها تضامنا مع حلب

سوريون يحيون الذكرى الـ12 لثورتهم: النضال متواصل حتى إسقاط الأسد