«البردوني» .. شاعر اليمن الثائر

الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 12:12 ص

يمـانيـون فـي المنـفـى ومنـفيــون فـي اليـمـن                       جنوبيون في صنعـاء شماليـون فـي عـدن

وكالأعـمـام والأخــوال فـي الإصـرار والـوهـن                      خطـى أكتوبـر انقلـبـت حزيـرانـيـة الـكـفـن

ترقـى العـار مـن بـيـع إلـى بـيـع بــلا كــفــن                        ومـن مستعـمـر غــاز إلـى مستعمـر وطـنـي

هكذا بدأ شاعر اليمني الكبير قصيدته الشهيرة «الغزو من الداخل» والتي صدر بها ديوانه واعتبرها كثيرون استشرافاً لما حدث في صنعاء بعد رحيله بسنوات، فالشاعر اليمني «الضرير» هو أحد أروع الشعراء في العصر الحديث وربما آخر رواد الكلاسيكية في الشعر العربي وصنفه نقاد كأصدق الشعراء وصفاً ووجداناً رغم أنه لم يحظَ بتقدير كافِ في حياته ولا بعد رحيله في بداية العقد الأخير من القرن العشرين.

ذهبت عين «عبد الله البردوني» طفلاً وبقت بصيرته في شعره بصمات من النور في وحل ظلمات المعنى، فالتقط بقلبه وحسه لطائف لا حدود لها سكبها في شعره نظماً موزوناً بلا تكلف، بعد أن انتقل من «بردون» شمالاً حيث ولد إلى صنعاء حيث استقر واتقدت قريحته في دار العلوم فاتسعت كلماته حتى وسعت القصيدة ذاتها إذ ابتكر أبنية شعرية جديدة تتجاوز تقليدية العلاقات اللغوية القديمة والجمل الشعرية المألوفة رغم محافظته على الكلاسيكية والمحافظة والإيقاع العمودي الموزون.

وإبداع «البردوني» الثاني هو إبداع الصور والخيال والتعابير والحوار المباشر وغير المباشر الذي يملأ قصيده ويفيض به على روح السامع كأنه يحاوره أو يحاور قلبه بلا حائل.

صدرت له 12 مجموعة شعرية. فنال عليها العديد من الجوائز, منها «جائزة شوقي للشعر» في القاهرة عام 1981، وجائزة «السلطان العويس» في الإمارات عام 1993، وجائزة «أبي تمام» في الموصل، عام 1971 إضافة إلى جائزة «اليونسكو»، والتي أصدرت عملة فضية عليها صورتة عام 1982، كما سبق له أن أدخل السجن في عهد الإمام «أحمد حميد الدين» وصور ذلك في إحدى قصائده فقال:

هدني  السجن  وأدمى القيد ساقي                                  فتعاييت      بجرحي     ووثاقي
وأضعت الخطو في شكوك الدجى                                   والقيد  والجرح  رفاقي
ومللت   الجرح   حتى...  ملني                                    جرحي  الدامي  مكثي  وانطلاقي
وتلاشيت     فلم    يبق    سوى                                   ذكريات  الدمع  في  وهم  المآقي

ومن شعره أيضاً:

في  سبيل  الفجر  ما  لاقيت في                                    رحلة   التيه   وما  سوف  ألاقي
سوف   يفنى   كل   قيدٍ   وقوى                                   كل  سفاحٍ،  وعطر  الجرح باقي
سوف  تهدي  نار جرحي إخوتي                                  وأعير  الأنجم  الوسنى  احتراقي
فلنا     شعب     فمن    ينكرني                                   وهو في دمعي وسهدي واشتياقي؟

عاش «البردوني» ثائراً متمرداً مناضلاً ببصيرته وأحب وطنه على شرطه في الثورة فناضل ضد طرائق الاستبداد كافة ونال الظالمون نصيبهم من هجاءه وسخريته اللاذعة؛ ورغم أن أسرته لم تعرف القراءة والكتابة، ورغم إصابته الباكرة وكونه كفيف كان عصياً على التقليد والمألوف وعدواً للقبح متألقاً بالجمال الوجداني والحسي المعبر عنه بالإبداع الشعري والشغف بالبيان العربي الأصيل؛ فعبر البردوني كما يقول النقاد عن معاني حديثة في قالب كلاسيكي فاستحق أن يفرّد له تصنيفاً شعرياً ثالثاً بأن قيل : الشعر قديم وحديث وبردوني .

تناسى «البردوني» نفسه وهمومه وحمل هموم الناس ودخل بفكره المستقل الى الساحة السياسية اليمنية‚ وهو المسجون في بداياته بسبب شعره والمُبعد عن منصب مدير إذاعة صنعاء، والمجاهر بآرائه عارفاً ما ستسبب له من متاعب ...في عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز، ترك «البردوني» دراسات كثيرة وأعمالا لم تنشر بعد أهمها السيرة الذاتية..‚ 

من شعره المنثور في دواوينه العشرة :

لنعترف

"لنعترف " أنا أضعنا الصباح فلنحترق حتّى يضيء الطريق 

ألم نؤجّج نحن بدء الكفاح ؟ فلنتّقد حتّى مداه السحيق 

لن ننطفي ما دام فينا جراح مسهّدات في انتظار الحريق 

لن ننطفي رغم احتشاد الرياح فبيننا و النصر وعد وثيق 

و فجرنا الآتي يمدّ الجناح لنا و يومي باختلاج البريق 

إمراة و شاعر 

أتسائلين من التي آثرت … أو أين اشتياقي ؟ 

وتردّدين ألست من أبدعت صحوي وائتلاقي ؟ 

شطآن عينيّ … اخضرار مواسمي … دفئي … مذاقي 

بستان وجهي … أمسيات جدائلي … ضحوات ساقي 

*** 

سميتني وهج الضّحى قمراً يجلّ على المحاق 

بوح الزنابق والورود إلى النّسيمات الرفاق 

أنسيتني بشريّتي ونسيت بالأرض التصافي … ! 

وذهبت يا أغلى مرايا الحسن … أو أحلى نفاق 

أتعود لي … تبكي غروبي ؟ أو تغني لانبئاقي ؟ 

صبوة

دكتورة الأطفال إني هنا من يوم ميلادي بلا مرضعه

عندي عصافير الهوى تجتدي حنان هذي الكرمة الطيّعه

وربما استكذبتي إنما من أين لي … أن أحرق الأقنعه 

نريني كهلا وفي داخلي : من التصابي صبية أربعه 

مجاعة الحمسين في أضلعي طفولة أعىّ من الزوبعه 

خلف اتزاني مائج صاخب سفينة ناريّة الأشرعه

  كلمات مفتاحية

البردوني اليمن

الحاضر في التاريخ .. قصة الإمامة الزيدية في اليمن

«أهل الفن» رقصوا علي جثث شهداء ثورات «الربيع العربي»

خيارات السعودية في اليمن الجديد

وفاة السعودي «سعد بن جدلان» أحد أكبر شعراء الخليج