«هل حقوق الإنسان غربية؟».. كتاب للفيلسوف الألماني «هانز يواس» يحرر المفهوم

السبت 8 أبريل 2017 09:04 ص

قبل أيام أصدرت دار الترجمان للنشر ترجمة للكاتب عبر المترجم «أيمن شرف» للدراسة التي قدمها «هانز يواس» بعنوان «هل حقوق الإنسان غربية؟» أصدرتها دار نشر «الترجمان» تحت عنوان  «حقوق الإنسان ليست غربية» يُحاول عالم الاجتماعِ والفيلسوفِ الاجتماعي الألماني «هانز يواس» الإجابة عن السؤال، وفي معرض إجابته بأن «حقوق الإنسان ليست غربية» على الإطلاق يُسلم «يواس» بوجود أفكارٍ كامنةٍ في جميع الأديان والفلسفات الإنسانية لتكريم الإنسان، وبما يصب في فكرةِ كونيةِ الأخلاقِ وأهميةِ أن يتمتع جميعُ البشرِ بنفس الحقوق، لكنَّه يَخلصُ – صراحةً – إلى أن أيا من مصادرِ التُراث الدِيني أو العلماني الإنساني لم يواجه- بشكل متسق مع محتواه الأخلاقي المُعلن- ظاهرةَ العبودية.

وفوق هذا فإنه يَسودُ في بلادِنا العربية انطباعٌ عامٌ بأن «حقوقَ الإنسان» مفهومٌ غربيٌ بالأساس، يُغذي هذا الانطباعَ استخدامُ «دولٍ غربيةٍ» نافذةِ التأثيرِ في مُجرياتِ عالمنِا المُعاصرِ لحقوقِ الإنسان كأداةِ ضغطٍ سياسيٍ على أنظمةٍ حاكمة، تحقيقاً لأهدافٍ تتجاوزُ – عادةً- المبادئَ والمواقفَ الأخلاقية، ويحدُّوها- في الغالب- تصورٌ عن أفضليةِ وتفوقِ الثقافةِ الغربيةِ على ما عداها من ثقافاتٍ من ناحيةٍ أُخرى يثير ذلك الانحيازُ الغربيُ لثقافته والاستخدامُ السياسيُ لحقوقِ الإنسان ردَّ فعلٍ مُعاكسٍ لدى أصحابِ الأيديولوجيات الدينية، فيدَّعون- انطلاقا من حالةٍ نفسيةٍ دفاعيةٍ لا تقوم على تأسيسٍ علميٍ تاريخيٍ موضوعيٍ- أن عقائدهم قد سبقت «حقوق الإنسان المعاصرة» بقرون، وأن كُلَّ ما جاءت به موجودٌ وقائمٌ في تلك العقائد، دون أن ينتبهوا إلى أن احتواءَ أيُّ تراثٍ دينيٍ على قيمٍ أخلاقيةٍ وحثه عليها لا يَعني بالضرورةِ أنه وضع أُطرها القانونية والمؤسسية.

نظرية «يواس»

«هانز يواس»، أستاذ كرسي خاص بـ«إرنست ترويلتسش» المفكر الألماني (1865 – 1923) في علم اجتماع الأديان بجامعة «هومبولت ببرلين».

ووفقا لنظريته لا يُرجع «يواس»، المُتوفى عام 1993 تطور مفهوم حقوق الإنسان، كما هو شائع إلى التراث الديني اليهودي المسيحي أو حتى إلى فكر التنوير الفرنسي العلماني، بل يضع مسارًا جديدًا اعتمادًا على علماء اجتماع مثل «إيميل دوركهايم» و«ماكس فيبر» و«إرنست ترويلتش» يُقترح فيه «تسلسل نسب إيجابي» يؤكد أن حقوق الإنسان نتيجة لعملية «تقديس للفرد».

 وتركز أبحاث «يواس» على الفلسفة والنظرية الاجتماعية، وخاصة «البراجماتية الأمريكية والتطور التاريخي للظواهر الاجتماعية والثقافية؛ وعلم اجتماع الأديان وعلم اجتماع الحرب والعنف؛ فضلا عن تغير القيم في المجتمعات الحديثة».

ويُمثل ظهور أو تشكل القيم الموضوع الأساسي لأعماله، وقد أسس نظرية «علم أنساب إيجابي» للقيم،وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان،حيث يرى أن القيم تنشأ من خبرات «تشكل الذات» و«تسامي الذات»، ووضع منظورًا لخبرات تسامي الذات، ويؤكد «يواس» على أن رؤيته لحالة تشكل القيم لا ينبغي اعتبارها معارضة للادعاءات بعالمية الأخلاق.

تاريخ التعذيب والعُبودية الغربي

يُركز «يواس» على القرنِ الثامنِ عشر وما تلاه لِيثبتَ أن تاريخَ حُقوقِ الإنسان في العصرِ الحديثِ يَرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بتاريخِ التعذيبِ والعُبودية، وبما يعتبره عمليةَ «تقديسِ حقوق الفرد» كعمليةِ تحولٍ تاريخيٍ، فيؤكد على أهمية النظر إلى نشأة حقوق الإنسان ليس بوصفها مُجرد عمليةٍ قانونيةٍ، بل كعمليةٍ ثقافيةٍ لم تسرِ دوماً في خط مستقيم، وأنها بدأت في اكتسابِ حُضور أكبر في الوعي الإنسانِي في الفترة المحوريةِ من 800 إلى 200 قبل الميلاد، في العالمِ القديمِ (الشرق الأوسط بلغتنا المعاصرة) وفي الصين والهند أيضًا.

يرصدُ«يواس» أيضاً أن ممارساتِ العُبودية والتَّعذيب قد جرى إخفاؤها بطريقة ممنهجة، وأن المصادرَ الثقافيةَ «المعتبرة» لما يُسمى بالقيمِ الأوروبية- وتحديدًا «فلسفةُ أفلاطون ثم الكتابُ المقدس وأخيرًا رؤى كُلٍّ من توماس هوبز وجون لوك»- لم تُقدم أي أساسٍ يُمكن بُناءً عليه مناهضةُ العبودية على أرضِ الواقع، بل إن تلكَ المصادرِ الثقافيةِ كانت دائماً تَقبلُ وتُبرِّرُ العُبودية، ومن المفارقاتِ الشديدة أن تِجارة العبيدِ ازدهرت في مراحلَ اشتدت فيها حركةُ تأسيسِ الحرياتِ وحقوقِ الملكية، وكأن الأمريكيين والأوروبيين بقدرِ ما كانوا يَبحثون عن الحُرياتِ الإنسانيةِ لأنفسهم كانوا يَستثمرون بقوةٍ في «مزارعَ» عملِ العبيد، وفي أمريكا الشمالية تمَّ التوفيقُ بين «شعاراتِ الحُرية» وبين «التنظيمِ القَانونِي للعُبودية» حتى لا تَنشأ حُقوقٌ في الانعتاقِ منها، وبذل وعاظُ الدين جهداً – لا بأس به- في كثيرٍ من الحالات لمنعِ مُلاكِ العَبيد من أي تَساهلٍ أو إهمالٍ في سيطرتهم على العبيد!

وبينما كانت أُوروبا تتحول باتجاهِ الديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ عَقِبَ الحرب العالميةِ الثانية كانت تسيرُ في مستعمراتها في الاتجاهِ المُعاكس، فظلَّ التَّعذيب- الذي أُلغي رسميًا في القرن الـ 18- ممارسةً مستقرةً في المستعمرات الأوروبية، إذ «لم تكن مُنجزات تاريخ الحريةِ والحقوقِ الأوروبية ساريةً على سُكان المستعمرات الأوروبية»، بل كان التَّعذيبُ أوضح أشكالِ السلطةِ الاستعمارية، فكان يُستخدمُ بشكلٍ منهجيٍ، على نمطِ السياسةِ الفرنسيةِ الاستِّعمَارية في الجزائر، وسياسة القَمعِ البريطانية في كينيا».

أما الوثيقةُ الأشهر في هذا السياقِ أي «الإعلانُ العالمي لِحقوقِ الإنسان» عام 1948 فلا يراها «يواس» ثمرة «لأوجه التراثِ الفِكري الغربِي»، بل لتنوعِ النظرياتِ الثَّقافية الإنسانية.. يراها نتيجةً لعمليةٍ ناجحةٍ من «تِعميمِ القِيمِ»، أي التَّفاهُمَ بين مجموعةٍ مُتنوعةٍ من التُراثاتِ الفِكريةِ والثقافيةِ.

  كلمات مفتاحية

حقوق الإنسان غربية فيلسوف ألماني تحرير المفهوم

«البلد البارد بين السوريين والألمان»..كتاب جديد يناقش التعايش بأجواء صعبة