استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التاريـخ والجـغـرافيا والدين ضمـانات حـفظ الأمـة

الثلاثاء 2 مايو 2017 12:05 م

في خضم الصراعات السياسية والعسكرية والتوترات الأمنية في عالمينا العربي والإسلامي، تبدو للكثيرين صورة مخالفة للواقع. هذه الصورة تظهر فيها حالة التناحر والتفكك والصراع التي قد توحي باستحالة اعادة لم الشمل. غير ان الواقع يختلف كثيرا عن ذلك. وهنا يتضح الدور الكبير لوسائل الإعلام التي تبالغ في بث الفتنة والاختلاف، وتخفي ما يوحي بالوحدة الحقيقية بين الشعوب العربية والإسلامية. 

فالصراعات التي تعج بها بلداننا انما هي سياسية في المقام الاول وليست فكرية او دينية او مذهبية، وان كان ذلك كله يستخدم لتأجيج الصراع. المشكلة ان مثيري الصراع والفتنة، وهم قلة ضئيلة جدا إذا قورنت بحجم الامة الذي يتجاوز عدد افرادها مليارا ونصفا، مدعومون من قبل انظمة وجهات اقليمية ودولية. وثمة اهداف لبث هذه الصورة السلبية المحبطة.

أولها: كسر ارادة الامة وتعميق روح اليأس من امكان التغيير الضروري لاصلاح اوضاعها.

ثانيها: الحفاظ على الوضع السياسي القائم الذي فتح المجال لهيمنة القوى الاجنبية على بلدان العالم الإسلامي.

ثالثها: منع تعمق روح التنمية البشرية والعلمية والتكنولوجية التي تقتضي وجود اوضاع مستقرة ومشاعر تتطلع لبناء مستقبل في اوضاع من الاستقلال والحرية والتحكم في تقرير المصير.

رابعها: كسر ارادة الاحتفاظ بما تبقى من كيانات سياسية، برغم صغرها، لتكون بديلا عن «الدولة الاممية» التي طالما حلم العلماء والمصلحون الكبار بها منذ عقود.

خامسها: البدء بتفعيل «سايكس بيكو 2» بعد مرور مائة عام على النسخة الاولى من الاتفاق المشؤوم لتوزيع النفوذ في العالمين العربي والإسلامي.

تلك النسخة استطاعت القضاء على بقايا الدولة العثمانية ورمزيتها الدينية والتاريخية للمسلمين تحويل الامة إلى كيانات صغيرة وأدت إلى قيام الدولة القطرية التي فقدت القدرة على التطور او حتى الاحتفاظ بالاستقلال، وقد ساهم ذلك في في استعمار بلدان العرب والمسلمين، والهيمنة على الثروة النفطية التي بدأ اكتشافها على نطاق واسع، وتوفير الظروف لاقامة الكيان الاسرائيلي.

اما النسخة الثانية فقد بدأت في تفعيل نفسها بدون التوقيع الرسمي على نصوص معلنة لها. وشجع القائمين عليها الصمت العربي والإسلامي على اول تجربة للتقسيم، عندما مزق السودان إلى دولتين. ولم يعد حديث التقسيم سريا، بل ان شبحه يخيم على سوريا والعراق وليبيا واليمن، ولن تكون مصر او تركيا او حتى إيران وباكستان بمنأى عنه.

القصة بدأت عشية حلول القرن الحادي والعشرين بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والشعور الغربي بالهيمنة المطلقة على شؤون العالم. فقبل ذلك كانت أمريكا اسيرة لتجاربها الفاشلة بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصا في جنوب شرق آسيا (الحرب الكورية في مطلع الخمسينات، والحرب الفيتنامية التي انتهت في منتصف السبعينيات). فترددت كثيرا قبل ان تتدخل بهدف معلن يخفي اهدافا مخفية، سمي وقتها «تحرير الكويت».

ذلك «التحرير» كان بداية التدخل الأمريكي بنمطه الحالي في شؤون المنطقة، عسكريا وسياسيا. فمن لم يقبل بالوجود العراقي في الكويت اصبح مجبرا على القبول بالهيمنة الأمريكية على اغلب مناطق العالم الإسلامي. والاخطر من ذلك تبخر روح المقاومة من نفوس الشعوب لتلك الهيمنة.

فاين الاحتجاجات التي عمت العالمين العربي والإسلامي ضد التدخل الاجنبي في الكويت مما يحدث الآن من سعي متواصل لاستجداء الغربيين للتدخل وبناء القواعد لهم على نفقات حكومات المنطقة؟ يومها رفض التدخل حتى الانظمة الرسمية ومنها الاردن واليمن والسودان. وها هو دونالد ترامب يبدأ بتنفيذ ما تحدث عنه في حملته الانتخابية عن عزمه اجبار دول كالسعودية على دفع المزيد في مقابل حمايتها. 

ويمثل انتقاد ترامب للرياض عودة لتصريحات أدلى بها خلال حملته الانتخابية في 2016 حين اتهم المملكة بأنها لا تتحمل نصيبا عادلا من تكلفة مظلة الحماية الأمنية الأمريكية. وقال ترامب في مؤتمر انتخابي في ويسكونسن قبل عام «لن يعبث أحد مع السعودية لأننا نرعاها… إنها لا تدفع لنا ثمنا عادلا. نخسر الكثير من المال».

هذا التدخل الغربي سوف يزداد في السنوات المقبلة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وتحالفها مع ادارة ترامب. هذا هو المتوقع، ولكن قد تحدث تطورات اخرى تؤثر على مدى اولوية الشرق الاوسط في سياسة هذا التحالف. ومع تصاعد التوتر في بحر الصين وشرق آسيا، وتصاعد احتمالات المواجهة مع كوريا الشمالية، فكل الاحتمالات مفتوحة.

ويمكن القول ان التدخل الروسي بشكله الحالي في اوضاع المنطقة لم يكن متوقعا بالشكل الذي حدث. هذا التدخل ليس نهائيا بل يخضع لاعتبارات اخرى خصوصا علاقة ترامب ومواقفه مع روسيا. ومن السابق لاوانه التبنؤ بما إذا كان التدخل الروسي سيؤدي لحرب باردة جديدة. ولكن المؤكد انه لن يؤدي إلى تصاعد الصراع مع أمريكا، وفي الوقت نفسه سيكرس الواقع السياسي للامة، وسيترك الابواب مفتوحة لاحتقانات اضافية.

وستكون سياسات كل من تركيا ومصر من العوامل التي ستحدد طبيعة الاقتسام الأمريكي الروسي على النفوذ. الفرق هذه المرة عما حدث خلال الحرب الباردة ان خطوط التمايز الايديولوجي بين انظمة الحكم العربية ليست واضحة كما كانت عليه سابقا.

فالسعودية التي تعترض على الدعم الروسي للنظام السوري تسعى لتقوية علاقاتها مع الروس وتخصص استثمارات ضخمة في شكل صفقات سلاح وفي مجالات اخرى من التعاون الاقتصادي.

والعراق المحسوب ضمن التحالف الروسي ـ الإيراني ـ السوري هو الآخر يخضع لنفوذ أمريكي يتصاعد. كما ان تركيا ومصر اللتين تشهد علاقاتهما توترا بسبب الموقف من جماعة الاخوان المسلمين، فتسعيان لتطوير علاقاتهما مع روسيا مع الاحتفاظ بصداقة أمريكا. 

أما اليمن، فهي الاخرى لم تتحول إلى قضية استقطاب حاد بين الفرقاء. فروسيا ليست طرفا في الحرب، ولا تدعم الجناح المدعوم من قبل إيران.

كما ان أمريكا وبريطانيا تتدخلان بدوافع مصلحية وليست مبدئية. فهما تتعرضان لضغوط من منظمات حقوقية واغاثية لوقف ارسال الاسلحة إلى اطراف النزاع، بينما تنظر أمريكا إلى استمرار الازمة انه خطر على امنها القومي بسبب انتشار تنظيم القاعدة وتغوله في المناطق الواقعة تحت نفوذ التحالف الذي تقوده السعودية.

كما ان الامارات لها سياسة واهداف خاصة بها وتسعى لتوسيع نفوذها في منطقة باب المندب، والهيمنة على ميناء عدن لمنع تأثيره على ميناء جبل علي في دبي.

هذه الحسابات السياسية بين الحكومات من بين اسباب التوتر الذي يسود المنطقة لأنها هي التي تحدد مواقف هذه الدول وسياساتها الاقليمية. انها حسابات انطلقت في إثر ظاهرة «الربيع العربي» التي لا يمكن تجاوزها تماما او منع تكررها. ومن يراقب الاوضاع بقدر من الحياد يكتشف ان قمع تلك الظاهرة قبل ستة اعوام انما ساهم في تأجيلها ولم يلغها.

فالصراع من اجل التغيير لا يمكن ان ينتهي الا بحصول ذلك التغيير. اما الرهان على تخدير الشعوب العربية او إلهائها بقضايا مفتعلة كالتطرف الفكري والديني او الإرهاب او الطائفية، فهي ظواهر ظرفية لا يمكن ان تشكل مسارات للمجتمعات التي تعاني من غياب الحرية والعدالة.

ورغم المبالغة في اذكاء التوتر المذهبي، فان لدى هذه الامة مجسات تساعدها على العودة إلى طريق الصواب إذا ما ابتعدت عنه. فليس من اولويات الامة السعي لاجتثاث الطرف الآخر المختلف فكريا او دينيا او مذهبيا مع الاغلبية السكانية.

والزيارة الاخيرة التي قام بها البابا لمصر تؤكد الشعور العام بضرورة التقارب بين الاديان والمذاهب والاحترام المتبادل في ما بينها، والتخلي عن عقلية الاقصاء والاستئصال، ورفض ايديولوجيات التكفير والتطهير العرقي والعنصري. وبموازاة ذلك مطلوب من علماء الدين المسلمين تأكيد العلاقات الإنسانية والإسلامية بين سكان العالمين العربي والإسلامي، وإبعاد الاختلافات الفقهية عن دوائر الخلاف السياسي.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

التاريخ الجغرافيا الدين ضمانات حفظ الأمة التوتر المذهبي كسر الإرادة تفكك الاتحاد السوفياتي التدخل الأمريكي