استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فرنسـا.. «المهاجرون» يقررون من هو الرئيس!

الأحد 7 مايو 2017 05:05 ص

«المهاجرون» يقررون من هو الرئيس!

بتنافس المرشحان مارين لوبن وإيمانويل ماكرون على رئاسة فرنسا، اختُصر الخيار بالمفاضلة بين «الحرب الأهلية أو الحرب الاجتماعية»، كما قيل بحق. وكلا الخياران مرّ. إذ تقوم أصلاً في البلاد عنصرية حادة وعنيفة أحياناً، وبؤس اجتماعي متعاظم، بطالةً وانهياراً في التقديمات والخدمات العامة، يطاول الملوّنين كما يطاول الفرنسيين «الأصلاء».

سجلت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية هزيمة التشكيلات التقليدية، الممثلة بثنائية اقتسمت السلطة أو تناوبت عليها طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية: حزب «الجمهوريون» (الذي غير اسمه مرات عدة خلال العقود الأخيرة) ويمثل اليمين التقليدي الذي يُفترض أنه ديغولي، والحزب الاشتراكي، ممثل التيار الفكري والسياسي الذي يطلق عليه «الديموقراطية الاشتراكية». والهزيمة تلك منعطف مهم، لم يتم بعدُ طرح نتائجه باعتبار المعركة الجارية، لكنه سيتفاعل في المستقبل القريب.

والسؤال الوحيد يخص ما إذا كان هذا التفاعل سيتم قبل الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، بعد شهر من الرئاسية، أم أن الانفجار سيتأجل إلى ما بعدها. والتوقيتان راهنان.

وقد يُظن أن ملابسات ظرفية ساهمت في تلك الهزيمة المزدوجة والمدوية: الفضائح الشخصية المتوالية لفرنسوا فيون، المرشح الذي فاز بترشيح اليمين التقليدي والوسط بعدما هزم السياسي المخضرم آلان جوبيه في دورة التصفية. وجدة و «شدة يسارية» المرشح الاشتراكي، بونوا آمون، الذي هزم مانويل فالس، رئيس الوزراء المتسلط والنيوليبرالي (الأكثر مطابقة لما أصبح عليه الحزب الاشتراكي فكراً وممارسة) في الانتخابات الأولية للاشتراكيين والبيئيين.

وقد يكون في ذلك بعض الوجاهة. فجوبيه له حيثية حقيقية، وهو سياسي ديغولي متزن معتدل، لم يقضِ على الاحترام العام الذي يتمتع به أن تكون محكمة دانته في تلاعب بالمصاريف المعلنة لبلدية باريس لصالح حزبه وليس بغرض التربح الشخصي. وهو لم يختر المواقف التاتشرية في الاقتصاد (كما يصنف نفسه فيّون) والمخططة للتخلص بسرعة وقوة من «الدولة الرعائية»، ولا اختار الخطاب الإسلاموفوبي والمعادي للمهاجرين كما فعل فيون الذي بدا مزايداً على لوبن في هذا.

كما أن لفالس سلطة على أجهزة الحزب الاشتراكي والدولة على السواء، اكتسبها خلال السنوات التي قضاها وزيراً للداخلية ثم رئيساً للوزراء في عهد هولاند. 

وهو على ذلك انتهج خطاباً وتدابير زايدت هي الأخرى على لوبن في الإسلاموفوبيا والتوجس من المهاجرين ومديح القوة، ما منحه أصوات وسط واسع من الفرنسيين رضع في السنوات العشر الماضية (منذ ساركوزي مروراً بهولاند) الخوف، أو بالحقيقة التخويف المنهجي من الأخطار التي يمثلها المسلمون والمهاجرون، واعتبارهم سبب كل مساوئ الواقع المعيش. 

بينما خاطب آمون عقول الفرنسيين وليس غرائزهم، وارتفع في مداخلاته صوب رسم تصورات استراتيجية في إدارة الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد، ولجأ إلى الخيال السياسي لابتداع حلول لها، ورفض أي درجة من الإسلاموفوبيا ومعادة الأجانب، معتبراً أن فرنسا تفقد روحها وهويتها حين تنزلق إلى خطابات عنصرية أو تسلطية. 

ولم ينخرط في لعبة الكاريزما الشخصية، ولا في نسج صورة له كمخلّص، بينما قامت العملية السياسية الانتخابية على مقدار مهول من الاستعراضية ومن الشعبوية، اتبعها سائر المرشحين الذين وصلوا إلى المنافسة، من اليمين وأقصى اليمين إلى ميلانشون اليساري، الذي لم يمنع نفسه من الهتاف في نهاية مهرجان في مرسيليا: «فرنسا للفرنسيين»! وقد نال أصواتاً توازي أصوات فيون عملياً، وكان يأمل بالوصول إلى الدورة الثانية بناء على هذا المزيج الذي حمله.

وكل ذلك يشير إلى مقدار الارتجاج والسيولة في الحياة السياسية والأفكار السائدة.

وأما المستوى الفعلي العميق لهزيمة مرشحي اليمين واليسار التقليديين فهو الأكثر دلالة. فمن هُزم لجهة الاشتراكيين هو الحزب الاشتراكي ذاته، وليس آمون الذي مثّل حالة من «الخارجية» عنه لكونه غير مطابق لما صار عليه الحزب، بدليل الانحياز العلني لأغلب كوادر هذا الأخير، علاوة على مراكز القوى فيه، إلى مرشح آخر هو ماكرون، منافس للمرشح الرسمي باسمهم، وقد أعلنوا قبل الدورة الرئاسية الأولى عن عدم تعرفهم على أنفسهم فيه!

ومقابل هذا سرت في الأوساط التي تنتمي إلى اليسار رغبة بدفن الحزب الاشتراكي باعتباره نافلاً.

أما اليمين التقليدي فأعلن عبر الخط الذي انتهجه مرشحه أنه لم يعد له هو الآخر مكان في الحياة السياسية، وأن إرثه يتوزعه اليمين المتطرف من جهة ممثلاً بالشق العنصري من هوية لوبن، والذي يبقى هو الأساس (باعتبار أن شعبويتها لا تتناقض معه، كما كانت النازية أصلاً ذات طابع اجتماعي شعبي)، واليمين النيوليبرالي المعولم من جهة ثانية، ممثلاً بماكرون الواعد بالقضاء على ما تبقى من التقديمات العامة والضوابط في مجال تنظيم علاقات العمل، باعتباره ممثل «الرأسمالية الجديدة»، تلك التي تقر بأن البنوك وحركة رأس المال المالي هي الأساس، يضاف إليها بعض القطاعات الخدمية و «والستارت أب» الجذابة.

وطالما أن الأخيرين هما المتبقيان في الحلبة، تعالت أصوات منادية ببناء سد في وجه لوبن خشية الانزلاق معها نحو شكل من التسلط الذي إن لم يكن فاشياً، نظراً لأصول حزبها، فهو يقع على أية حال خارج نسق الحياة السياسية الديموقراطية. وبما أن المنافسة حادة للغاية، توجه النداء لـ«الممتنعين» أو هؤلاء الذين سيصوتون بورقة بيضاء، وهي ما زالت غير محتسبة وتعتبر لاغية. وهذا موقف قوي في بعض الوسط اليساري الفرنسي، إلا أن كثافته الأعلى موجودة في الضواحي ولدى المواطنين الفرنسيين ذوي الأصول المهاجرة. وهؤلاء يقاطع معظمهم الانتخابات منذ زمن، كإدانة للحياة السياسية السائدة، وكازدراء لها وانفكاك عنها. 

وهكذا، فتيار كبير في صفوفهم يرفض الاستجابة لنداء «قطع الطريق على لوبن»، ويعتبره مجرد استغلال لهم، بعدما هوجموا في سياق الحملة أو تمّ تجاهل ما يعانون منه يومياً من تمييز وتنكيل. ويعلن هؤلاء أن أمر من يفوز في الانتخابات لا يعنيهم، فهم المتضررون الأوائل من الفائز أياً كان، سواء بحلول مزيد من التنكيل والتمييز، أو مزيد من البؤس والإفقار.

وقد يكون لاستمرار هذا الموقف أثر كبير في فوز تحققه لوبن، كما قد يقطع تغيره في اللحظة الأخيرة الطريق عليها.

* د. نهلة الشـهال كاتبة وناشـطة لبنانية تقيم في فرنسا. 

  كلمات مفتاحية

فرنسا حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحياة السياسية الفرنسية المهاجرون مرشحو الرئاسة الفرنسية