السيسي و«الانقلابيون»: أي منقلب سينقلب المنقلبون على «الانقلاب»؟

الجمعة 12 ديسمبر 2014 02:12 ص

انه موسم الانقلابات والاختراقات والمساخر الإعلامية والسياسية والأمنية في مصر. لا يستطيع المراقب أن يلتقط انفاسه وهو يلاحق التطورات غير المتوقعة في مشهد ملتبس يشبه الرمال المتحركة. لم يعد هناك ما يمكن أن تستبعد حدوثه تماما. 

وعلى الرغم من أن كلمة «الانقلاب» كانت حاضرة منذ اليوم الأول بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، إلا انها ازدهرت مؤخرا مع مشتقاتها، لتشكل قاسما مشتركا في كثير من «التقلصات والمفاجآت». وهذه محاولة واقعية لفك طلاسم «الخريطة الانقلابية» على الساحة المصرية.

أولا: بعد أن كان «الإخوان» ومؤيدوهم ينفردون باستخدام كلمة «الانقلاب والانقلابيين» في وصف نظام الثالث من يوليو، انضم اليهم معسكر الفلول مؤخرا، اذ اتهم مذيع معروف بـ»صلاته الأمنية الوثيقة» منذ عهد المخلوع، الرئيس عبد الفتاح السيسي حرفيا بـ»الانقلاب على ثورة الثلاثين من يونيو» بسبب اقتراحه مشروع قانون يجرم الإساءة الى ثورة يناير.

من المفترض ان يقر مجلس الوزراء القانون خلال أيام، وهو ينص على معاقبة كل من «أساء علانية إلى مبادئ الدستور(بما في ذلك ثورتا يناير ويونيو) بالحبس مدة لا تزيد عن السنة مع غرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه».

الغريب أن النظام تقبل تهمة «الانقلاب» من الفلول، الذين يعتبرهم الإخوان انقلابيين، فيما يواجه أي مواطن آخر خطر الاعتقال، إذا تجرأ على وصف النظام بالانقلابي أو رفع اشارة مؤيدة للإخوان في مظاهرة سلمية.

المثير للسخرية ان بعض اولئك الفلول اصبحوا يعتبرون انفسهم «زعماء شعبيين»، و»يعايرون النظام علنا» بأنهم أصحاب الفضل في إطاحة نظام الإخوان، ويزعمون زورا انهم شكلوا ثمانين في المئة من متظاهري يونيو، ويطلبون الثمن في شكل مناصب او نفوذ سياسي او مصالح مادية، كاعلانات تجارية لقنواتهم. 

وفي المحصلة أصبح المشهد اقرب الى مهزلة كبرى، اذ نرى «اعلاميين» في رتبة «مخبرين بجهاز الأمن» يتطاولون على رئيس جمهورية يفترض أنه جاء نتيجة ثورة شعبية، ما يمثل إهانة مباشرة الى كل من انتخبه، وكل من خرج مطالبا بالتغيير في يناير أو يونيو، وهم بالملايين على اي حال، ما يجعل هيبة الدولة تتآكل كل ليلة فيما يكتفي النظام المرتبك بالفرجة.

ثانيا – مع فشل النظام في الحفاظ على تماسك «تحالف الثلاثين من يونيو»، قررت بعض القوى السياسية الرد على تجاهلها (لم يجتمع السيسي بأي قيادات حزبية منذ توليه الرئاسة، كما لم يشاورها في القانون الجديد للانتخابات) بالانقلاب على النظام، ما يعني عمليا اتهامه بالانقلاب على الثورة، وأعلن بعضها الدعم لكل المظاهرات السلمية المنددة بتبرئة مبارك او المطالبة بإطلاق المعتقلين.

من الضروري ملاحظة ان بعض اولئك السياسيين لم ينقلبوا «حبا في الوطن» بل غضبا من عدم حصولهم على «الثمن»، خاصة انهم غامروا بإعطاء السيسي «شيكا على بياض» قبل انتخابه. وهكذااصبح النظام عاريا عن اي ظهير سياسي، فيما تتآكل شعبيته بمعدلات متفاوتة، وان بقي وحتى اشعار اخر «متمتعا بقوة الامر الواقع وشرعيته» بالنظر الى عدم وجود بديل عنه.

ثالثا – على المستوى الأمني، جاءت التسريبات العسكرية الأخيرة لتثير اسئلة موجعة بشأن حجم الاختراقات، والجهة التي تقف وراءها، وان كانت هناك تسجيلات أخرى قد تحمل مفاجأت جديدة، وهو ما اشارت اليه القناة التي اذاعتها بقولها «ياما في الجراب ياحاوي».

وتعددت السيناريوهات والتكهنات حول تفسير الاختراقات، فذهب البعض الى الحديث عن «جبهة انقلابية» بقيادة الفريق سامي عنان، الذي يرتبط بعلاقة عائلية مع بعض قيادات الإخوان، تهدف إلى إضعاف السيسي تمهيدا للانقلاب عليه، فيما اعتبر آخرون ان قيادات اخرى انقلبت على السيسي فعلا وأرادت أن تنتقم لإبعادها لمصلحة آخرين.

بينما يخشى البعض من ان اجهزة مخابرات معادية لما تعتبره «النظام الانقلابي» اخترقت مكتب وزير الدفاع، وسربت التسجيلات الى القناة التي تبث من تركيا في هذا التوقيت تحديدا، لإجبار السيسي على الدخول في مفاوضات مع الإخوان، وصولا الى تسوية ما تضمن الإفراج عن قياداتهم والسماح لهم بالعودة الى الساحة السياسية بالشروط نفسها التي كانت عليها «اللعبة السياسية» في عهد مبارك، على أن يوقفوا مظاهراتهم وأعمال العنف في آن، مع الاعتراف واقعيا وعمليا بخريطة المستقبل والدستور الجديد، بدون ان يتخلوا نظريا عن «آرائهم السياسية» بما في ذلك وصف النظام بـ»الانقلابي».

وبكلمات أخرى فانهم سينضمون عمليا الى معسكر «الانقلابيين» بدون ان ينقلبوا على موقفهم المعادي نظريا لـ»الانقلاب»(..)، وسيبررون ذلك بإعلاء المصالح الوطنية على المكاسب السياسية. فهل سيفتح النظام حقا قنوات سرية للحوار بهذا الشأن، خاصة إن تأكد من وجود تسجيلات أخرى؟

وبالمناسبة فإن بعض الإعلاميين المخبرين «المنقلبين» على السيسي والمتهمين اياه بـ«الانقلاب» على ما يعتبرونه «ثورتهم»، تعمدوا التصرف كالدبة التي ضربت صاحبها بحجر قاتل، إذ اعلنوا ان التسجيلات صحيحة، وانها «فخر» للجيش، فيما كانت النيابة العامة تؤكد انها مفبركة وتهدد من يروج لها. فيا له من مشهد تتوالى فيه الضربات من «اصدقائه المنقلبين على انقلابه، بالإضافة إلى اعدائه المتهمين له بالانقلاب اصلا».

اما بالنسبة للغالبية الساحقة والمسحوقة من المصريين، فالواقع أنهم لا يهتمون اصلا بالاسماء، ولا يعنيهم ان يتحدث هؤلاء او اولئك عن ثورة او انقلاب او انقلابيين أو منقلبين. تعنيهم النتائج على الأرض وما تمثله بالنسبة لحياتهم ومعاناتهم. فهم لن يترددوا في ان يؤيدوا ما حدث في الثالث من يوليو، حتى ان سماه العالم كله انقلابا، اذا هو حقق أهداف الثورة، ولن يترددوا في رفضه والانقلاب عليه حتى اذا كان ثورة حقيقية لكن تبين ان النظام استغلها للاستيلاء على السلطة، أي انه انقلب بها على الثورة واهدافها، بحجة إطاحة نظام الإخوان. 

واخيرا وعلى المستوى الشخصي، فقد كنت واظل أفخر بمشاركتي في الثلاثين من يونيو كموجة ثورية شعبية صادقة، كان على مرسي ان يتعامل معها ايجابيا وديمقراطيا بدلا من تخوينها وإهانتها، (وهو ما اصبح قياديون في الإخوان يعترفون به اليوم علنا). كما أشعر بالرضى اذ تحفظت عن الدخول في الجدال حول الاسماء مؤجلا حكمي النهائي على النظام بانتظار النتائج العملية على الارض، متفقا في ذلك مع جوهر الموقف الحقيقي لأغلب المصريين. 

ومثل اكثر من مليون مصري أبطلت صوتي في انتخابات الرئاسة، ولم اتردد منذ اليوم الاول في معارضة ممارسات النظام القمعية ضد المظاهرات السلمية، وكذلك افتقاده لرؤية سياسية، وتعامله الرخو مع الاختراقات الامنية والعمليات الارهابية، ناهيك عن تقصيره في ملفات الاقتصاد والعدالة الاجتماعية.

ومثل اغلب المصريين، فانني اترقب موقف الرئيس السيسي شخصيا، مما اصبح يسمى بـ «انقلاب الفلول»، فإن سمح لهؤلاء المتسلقين الذين يريدون إعادة عجلة الزمــــن للــوراء، وهدر الأعمار التي افنيت نضالا ضد استبداد مبارك وفساده، بالاستمرار في إهانة ثورة يناير وشهدائها، والنيل من هيبة نظام كلف مصر دماء الاف الشهداء بغض النظر عن الانتماءات السياسية، فانه سيكون هو من حكم على نفسه وعلى مصير نظامه وهويته. ويبدو ان الرجل يعرف هذا بالفعل، حيث انه صرح مؤخرا بأن «المصريين الذين قاموا بثورتين يستطيعون القيام بثالثة». 

وحتى اذا كان الناس قد تعبوا ويريدون الاستقرار، وهو الواقع حقا اليوم، فان التاريخ اثبت ان هذا الشعب يعرف جيدا كيف يتعامل مع اي نظام استبدادي، ولن يعنيه كثيرا حينئذ ان كان اسمه «ثوريا او انقلابيا».

 

٭ خالد الشامي كاتب مصري

 

 

المصدر | خالد الشامي، القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الانقلاب العسكري محمد مرسي

مصر: اعتقال مواطن واتهامه بحيازة «قلم» لكتابة «عبارات مسيئة للدولة» على أبواب «دورات المياه»!