في التنازع بين «أم القرى» العربية .. والفارسية

السبت 13 ديسمبر 2014 08:12 ص

برز «محمد جواد لاريجاني» - خبير الفيزياء الإيراني والأكاديمي حامل الدكتوراه من الولايات المتحدة التي يمتدحها وشقيق «علي لاريجاني» – على مسرح الحياة الثقافية والسياسية الإيرانية عبر نظريته المثيرة للجدل التي أسماها «أم القرى»؛ ورغم كونه مستشاراً لـ«خامنئي» تم رفض إيفاده مندوباً لإيران في المفاوضات النويية مع الغرب خوفاً من إعجابه بالمجتمع الأمريكي وثقافته رغم تمسكه بالقومية الفارسية وقلقاً من أن يؤدي اختياره لدعم الأوساط الليبرالية والإصلاحية في الداخل الإيراني، وقد تم اعتقاله في إيران على أثر محاضرة المثيرة للجدل في الجامعة والتي شرح فيها علناً نظرية «أم القرى» التي تتلخص في قيادة إيران للعالمين العربي والإسلامي استناداً لثقل (قم) المذهبي ونفوذ طهران السياسي.

وتعتبر نظرية الدكتور «محمد جواد لاريجاني» - حسب مراقبين للشأن الإيراني - من أهم النظريات المؤثرة في السياسة الإقليمية الإيرانية ولا تبدوا بعيدة عن تطورات المنطقة خاصة وأنها تعتبر إيران مركز القيادة الإسلامية في العالم، وأن ولي الفقيه الإيراني سيقوم بالإشراف على كل العالم الإسلامي لاسيما وأن رأس القيادة السياسية هو القيادة الدينية.

وجاءت تسمية «أم القرى» وهي (مكة المكرمة) كما ذكرها القرآن الكريم بإعتبارها مركز المسلمين في العالم وبما أن إيران الآن دولة ولاية الفقيه فلابد أن تكون هي «أم القرى» من خلال الموقع الاستراتيجي والإمكانيات العسكرية والاقتصادية وإخضاع جميع دول المنطقة لهذه السياسة، كما أن النظرية تقول أنه قامت بالفعل دولة إسلامية في العالم أصبحت هي «أم القرى» وإن قيادتها ستكون بالتالي مسؤولة في الدفاع عن كل بلاد المسلمين ومن ناحية أخرى تكون مصالحها مقدمة بل واجبة على كل الأمة الاسلامية.

وتحاول النظرية - حسب محجوب الزويري وهو أكاديمي متخصص في تاريخ إيران المعاصر - أن تربط بين أحوال المسلمين عند قيام الثورة الإيرانية بأوضاع العرب عند قيام الإسلام؛ فالظلم والاستبداد المسيطر على حياة الناس في ذلك الوقت بدأت نهايته بمجيء الإسلام وجعل مكة مركزًا مهمًا للتغيير ولإشعاع الإسلام. وعليه فإن مجيء الثورة الإسلامية في إيران في الظروف التي يعيشها المسلمون عربًا أو غير عرب والتي يغلب عليها الاستبداد والانقياد للقوى الخارجية، يمثل بارقة أمل وانفراج لأولئك المستبد بهم.

ورغم أن هذه النظرية تُقدّم كأساس لبناء ما يسمى بالإمبراطورية الشيعية، أو يُرجَع إليها لتفسير شعار تصدير الثورة فإنها لا تعدو كونها محاولة للاستفادة من الحالة الثورية التي كانت إيران تعيشها في أوائل الثورة، وهي بالضرورة تحمل في ثناياها عوامل ضعف كثيرة دفعت بإيران الدولة الثورية إلى تجنبها - ولو على مستوى النظرية - والمضي فيما يمكن تسميته بالواقعية في السياسة الخارجية.

إن عوامل الضعف في نظرية «أم القرى» - إن صحت تسميتها نظرية - تكمن في تجاوزها لحقائق الديمغرافيا التي تعيش وسطها إيران، والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إيران محاطة بعمق سني يتجاوز المليار نسمة. كما تتجاوز الفكرة أن الإعجاب بالثورة كإجراء لمقاومة الظلم والاستبداد لم يكن يعني تبعية لها؛ فالفكرة ترى أن الشعوب يجب أن تتخلص من التبعية وأن تتمتع بخياراتها، فإذا كانت فكرة «أم القرى» تريد أن تفرض على الآخر أن يتبعها فقد أصبحت مثلها مثل أية فكرة يقدمها الغرب أو الشرق. الأمر الثالث، والذي لا يقل أهمية عما سبق، هو ما يتعلق بالمنهج الذي اختارته إيران لنشر الفكرة ألا وهو التركيز على الشعوب أو الرأي العام، وهو أمر في ظاهره منفعة لإيران، لكنه فتح أبواب العداء على مصراعيه تجاه إيران الدولة حتى وجدت نفسها محاطة بجوار معادٍ متحالف مع خصوم لإيران وراء البحار.

النظرية ومبدأ تصدير الثورة

يرى الكثير من المتابعين للشأن الإيراني أنّه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ورحيل الزعيم الروحي السابق للثورة آية الله خوميني بدأت نظرية «أم القرى» ذات الطابع الواقعي تأخذ مكان نظرية تصدير الثورة ذات الطابع الطوباوي، وأن هذه النظرية رغم أنها تنتقد الفكر القومي، إلا أنها تحمل ملامح التوجه الشوفيني والطائفي في داخلها خلال التركيز على العنصرين الفارسي والشيعي والتأكيد على (قم) كعاصمة دينية وطهران كعاصمة سياسية لإيران والعالم الإسلامي في وجه (مكة) و(المدينة) والإصرار على ولاية الفقيه كمبدأ لا تنازل عنه وبديل للعنصر العربي والسني، وإن كان هذا التصريح بشكل مبطن، لكن يفصح التوجه عن نفسه من خلال تنفيذ بنود هذه النظرية من قبل القائمين على نظام الملالي في طهران وفي مناسبات عدة.

إنّ جدلية الثورة والنظام في إيران دفعت البعض إلى أن يجري مقارنة بين هذه النظرية ونظريات مشابهة، حيث عمل البعض على تشبيه النظرية بتفسير «ستالين» من نظرية العالمية للشيوعية، حيث إن نظرية «أم القرى» تحمل في طياتها خريطة طريق النفوذ والهيمنة للنظام الإيراني؛ نظرا لما تتمتع به من معان ومنهج مبسط للتوسع، إضافة إلى ذلك فإن الظروف التي نشأت فيها هذه النظرية تعبر عن دلالات، من بينها محاولات إخراج النظام الإيراني من المأزق الداخلي والخارجي الذي كان ولا يزال يعاني منه، وهذه هي نقاط ضعف النظام التي يحاول جاهدا التستر عليه.

إن «أم القرى» تمثل بوابة النظام نحو الإقليم، من هنا ظل يستخدمها حتى يومنا هذا بعد مرور أكثر من عقدين على إبصار هذه النظرية النور، حيث جاءت النظرية في توقيت عصيب كان يمر به النظام الإيراني جراء نهاية حربه مع العراق وفشل نظرية تصدير الثورة وظهور مشكلات داخلية مستفحلة أمام النظام الإيراني مثل الإضرابات ووصول الاعتصامات الجماهيرية للشعوب إلى ذروتها ما دفع منظري النظام إلى البحث عن حلول للخروج من ذلك المأزق الخانق، واستمر النظام في تطبيق النظرية مع إجراء تعديلات طفيفة عليها حتى يومنا هذا.

تنظر «أم القرى» الإيرانية إلى العالم الإسلامي على أنه أرضية ممهدة للزعامة الإيرانية؛ فتعتبر النظرية المرشد الإيراني أنه إضافة لكونه حامل للأوصاف الـ«إيرانية» ومرجع تقليد الشيعة وغير الشيعة الإيرانيين يعتبر «ولي أمر المسلمين في العالم» فتوصي النظرية الزعماء الإيرانيين بشكل منمّق بأن يعوا مصالح العالم الإسلامي، إضافة إلى رعايتهم للمصالح الوطنية، وعليه فإن المسؤولية الملقاة على عاتق بقية المسلمين تتجسد في تقديم الدعم والدفاع عن إيران ولاية الفقيه باعتبارها «أم القرى للعالم الإسلامي»، ففي حال حدوث أي تعارض فيما بين المصالح الوطنية والإسلامية ستكون المصالح الإسلامية في الأولوية، وذلك منوط بقدرة الحفاظ على النظام الإسلامي في أم القرى الإسلامية على حد تعبير النظرية.

جاءت نظرية أم القرى لتوحي بالتضخّم في الدور السياسي لطهران باعتبارها العاصمة السياسية للتشيع في العالم، مقابل مكة وهي العاصمة الدينية للعالم الإسلامي فـ«محمد جواد لاريجاني» عند تبنيه نظرية «أم القرى» كان عاملا في وزارة الخارجية بصفته مساعدا دوليا للوزير؛ فهذا في حد ذاته يعبر عن مكانة النظرية وأهميتها بما أنها صدرت في موقع حساس (وزارة الخارجية الإيرانية) وأيضا تركيز هذه النظرية على العالم العربي والإسلامي دون غيره كي تصبح هذه البقعة من العالم وطأة قدم تمهد لنفوذها وتوسعها المتخم بالكراهية والعدوان.

العلاقات مع الغرب

وفي هذا الإطار أجرى في السابق صاحب النظرية حديثا مطولا مع صحيفة «رسالت» المتشددة بتاريخ 12 فبراير/شباط 2008 يؤكد «لاريجاني» فيه أنّ: «هذه النظرية ظهرت أساساً للتوفيق بين الآفاق والأهداف طويلة الأمد والظروف الحالية التي تمر بها البلاد حيث كان يتصور البعض أنه يجب التفاعل الآني مع أحداث العالم الإسلامي في حين صرح الإمام أنّ طريق القدس يمر من كربلاء؛ لكلام المرشد مغزى كبيراً للغاية يتعارض مع التفاعل الآني فقامت نظرية أم القرى على ضوء إعطاء الزخم الكافي للخطط الآنية وربطها بالتطلعات المستقبلية».

ويضيف «لاريجاني» في معرض إجابته على ضرورة بناء علاقات مع الولايات المتحدة الى أنّه يؤمن بما يراه المرشد في تغليب المصلحة الوطنية في التعامل مع الأمريكان وتجنٌّب المواقف التي تنبع من الإحاسيس لا المنطق والعقلانية مؤكداً أنه لا يوجد خط أحمر أمام النظام الإيراني سوى المصالح القومية العليا للنظام معتبراً نقطة الإلتقاء في المصالح التي قد يصل اليها الإيرانيون والأمريكان هي أرض العراق ومن ثم تحويل هذه النقطة للتفاهم والحوار الذي يخدم مصالح طهران – أم القرى الإسلامية- دون غيره.

 

المصدر | خاص // الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ولاية الفقيه أم القرى الخوميني إيران محمد جواد لاريجاني

عن مسألة السنة والشيعة والخوارج

الشيعة لم يهبطوا علينا من الفضاء!

عن دواعش السنة.. ودواعش الشيعة

جدل واسع عبر «تويتر» بعد تسمية الخارجية الأمريكية للخليج العربي بـ«الفارسي»

إيران تحتج لدى ألمانیا بعد استخدامها اسم «الخليج العربي» بدلا عن «الفارسي»