وأخيرا ... ”الجيش العربي“ قادم؟!

الخميس 18 ديسمبر 2014 12:12 ص

اتخذت قمة مجلس التعاون الخليجي رقم 35 التي انعقدت في الدوحة هذا الأسبوع قرارًا مهما: إنشاء قوة بحرية خليجية وهيئة مشتركة لمكافحة الإرهاب. وهذا أمر مستغرب نظرًا لأن التحالفات العسكرية ليست ذات قيمة كبرى في العالم العربي، فرغم المحاولات العديدة لتشجيع المزيد من التعاون إلا أن الدفاع يظل شأنا وطنيا خالصا، وفي المقابل يؤيد 71% من المواطنين العرب - بحسب استطلاعات الرأي- إنشاء قوة مشتركة تعمل جنبا إلى جنب مع الجيوش الوطنية.

والآن؛ يوجد مقترحان واسعان للتعاون العسكري في المنطقة تم طرحهما على مدى العام الجاري: الأول: إنشاء قيادة مشتركة في الخليج، والثاني: تشكيل تحالف عسكري يضم دول معينة من الخليج بالإضافة إلى الأردن ومصروالمغرب.

وقوبلت هذه الأفكار حتى الآن بتفاؤل مشوب بالحذر؛ حيث إن الفكرة مُرشحة لتدرج ضمن قائمة من المحاولات الفاشلة في مسألة الأمن الجماعي العربي ما دامت قائمة الصراعات العنيفة لم تبرح المنطقة. ولكن إذا كان لأي من هذه المقترحات أن يرى النور، فيمكن القول بأن هذا سيكون إيجابيًا، وينعكس على الاستقرار الإقليمي بشكل ملحوظ.

والسؤال: هل حان الوقت لوجود جيوش عربية مُشتركةا؟

احتمال ضئيل حتى الآن

ليست فكرة الدفاع المشترك بجديدة في المنطقة، فقد وقَّعت الدول العربية على معاهدة اعترفت من خلالها أن أي «هجوم على أي دولة بمثابة هجوم على الجميع» في بداية عام 1950م؛ حيث سمح الاتفاق لهم أيضا باتخاذ «كل الخطوات المتاحة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لصد العدوان واستعادة الأمن والسلام». كما وقعت دول الخليج اتفاقًا مُماثلاً في عام 2000م، لكنها توسعت في بند التضامن بحيث أن أي «خطر يهدد أي منها يعني تهديدًا لهم جميعًا». ولكن في الواقع لم يحدث شيئًا من ذلك (ومثال الكويت والعراق في وقت لاحق يكشف ذلك)، ويبقى الأمن الجماعي في المنطقة مجرد أضغاث أحلام.

ويعود السبب بشكل جزئي إلى أن المنطقة غير مستقرة وتعتصرها الحروب إما داخل الدولة ذاتها بين عدة أطراف أو بين الدول بعضها البعض فضلا عن انعدام الثقة المتبادلة. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ما يمكن أن نسميه بالغيرة في حماية السيادة ما يجعل تعاون جيوش المنطقة محدودا للغاية. على الرغم من أن الدول العربية اتحدت في حربها ضد إسرائيل (أعوام 1948 – 1967 - 1973)،  وجربت لفترة وجيزة نشر قوات مشتركة بموجب تفويض من جامعة الدول العربية (1961 في الكويت و1976 في لبنان)، وكانت جزءًا من البعثات المختلفة التي تقودها الولايات المتحدة، ودخلت في مناورات مشتركة وتدريبات منذ فترة طويلة، لكنكل هذا بمثابة استثناء ولا يمكن اعتباره قاعدة. ويسعى القادة في الدول العربية حتى الآن لجعل قواتهم المسلحة بمنأى عن أي احتكاكات بدلاً من دفعهم نحو مزيد من التفاعل. علاوة على ذلك؛ فإن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لا يفكرون في أن المؤسسات الأمنية تفتقر إلى كل من التفويض والقدرة المؤسسية لتعزيز التعاون في مجال الدفاع.

يقول التاريخ أن المحاولة الوحيدة الناجحة في الدفاع المشترك كانت «قوة درع الجزيرة» المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي؛ والتي تمّ إنشائهافي عام 1982 لتضم فقط خمسة آلاف فرد، لكنها أخفقت في عام 1990 في ردع أو صد هجوم العراق على الكويت. وعلى الرغم من أن دول الخليج توافقت في وقت لاحق على ضرورة تعزيز موقفها العسكري، إلا إنها توصلت في نهاية المطاف إلى استنتاجات استراتيجية مُختلفة؛ فقد رأى البعض أن وجودها لن يعود إلا بقيمة محدودة على نظام الأمن الإقليمي، ومن ثمّ فالأفضل هو الاعتماد على المساعدات الخارجية (الأمريكية والفرنسية والبريطانية)، في حين رأى آخرون (وخاصة سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية) أن قيمتها وتأثيرها ليس بالقليل، وأن الحل في مزيدٍ من التعاون الإقليمي.

ومنذ ذلك الحين؛ تم إحراز بعض التقدم التكتيكي في الخليج: تم تحويل «درع الجزيرة» إلى فرقة مشاة مزوّدة بالمعدات الميكانيكية مع وحدات دعم، وزاد عددها إلى 40 ألف فرد (وإن كانوا قد اتخذوا مواقعهم في بلدانهم الأصلية). بالإضافة إلى ذلك؛ فقد تمّ إنشاء مجلس دفاع مشترك ولجنة عسكرية. واقترحت المملكة العربية السعودية في عام 2006م حل القوة وتشكيل قيادة مركزية مثل المقترحة حاليًا، يحيط بها قوة وطنية لامركزية تحددها دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن تلك الفكرة لاقت ترحيبًا في البداية إلا إنها لم تبرح حيز النقاش.

ومن المثير للجدل أنه تم نشر قوات تابعة لــ«درع الجزيرة» يبلغ عددها ألفي جندي في البحرين عام 2011م لقمع المظاهرات العنيفة في البلاد. وفي الوقت الذي كان فيه ذلك بمثابة تعزيز لقيمة القوة في نظر العديد من زعماء دول الخليج، إلا أنّ قرارًا اتُخذ في نهاية المطاف باستبدالها تمامًا بهيكل أمني أكثر قوة.

فجر جديد

لقد أعاد عام 2014 بتحدياته المشتركة إحياء فكرة الوسائل العسكرية المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي من جديد. وعلى الرغم من أن دول الخليج قد غيرت تدريجيًا موقفها الدفاعي من خلال زيادة مشترياتها من الأسلحة، والمناورات العسكرية المشتركة على مدى العقد الماضي (وليس فقط من خلال قوة درع الجزيرة ولكن أيضا التدريبات الثنائية)، إلا إن العام الأخير غيّر قواعد اللعبة بشكل جذري.

وأدت عوامل عدّة – أبرزها تهديد «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، وإيران القوة النووية المحتملة، فضلا عن عدم الاستقرار التي طال أمده في اليمن والعراق وليبيا - إلى استنتاج مُفاده أن التعاون العسكري لم يعد خيارًا بل أصبح ضرورة. وتمت مناقشة فكرة إنشاء قيادة خليجية مشتركة على نطاق واسع خلال العام الجاري، ورغم ذلك لم يُعلن رسميًا إلا عن الجزء الخاص بالقوة البحرية. وعلى النقيض من قوة «درع الجزيرة» فإن هذه القوات ستكون متكاملة بحيث تشمل قيادة عمليات (برية وجوية وبحرية)، ونظام استخبارات مشترك، ومنظومة دفاع صاروخي متكاملة. ويمكن التخطيط لمهام دول مجلس التعاون الخليجي وتنفيذها بشكل مشترك وليس كما هو الحال الآن.

وذاع مؤخرًا أن أي مقرات قيادة في المستقبل سيكون مقرها المملكة العربية السعودية جنبًا إلى جنب مع القيادة الجوية، وسيتم التنسيق مع القيادة البحرية التي أُنشئت مؤخرًا في البحرين. ومن المُفترض أن يصل عدد القوات المشتركة في نهاية المطاف إلى مئات الآلاف حيث ستشارك الرياض وحدها بمائة ألف جندي. وعلى الرغم من أن هياكل القيادة العسكرية المشتركة ليست شرطا مُسبقًا لتشكيل تحالف عسكري، إلا أنها مهمة نظرًا إلى نتائجها التي ستتمثل في تسهيل عمليات متعددة، بالإضافة إلى بناء الثقة وزيادة فرص الانسجام في التعاون المشترك و إبراز القوة العسكرية؛ وهي ببساطة كل التحديات التي تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي التغلب عليها إذا كانت ترغب في الاستفادة القصوى من قدراتها العسكرية.

وتمت مناقشة خطة مُنفصلة بشأن ربط العديد من دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن والمغرب في صورة تحالف عسكري أكثر مرونة وليس كقوة متكاملة. وفي حالة تطبيق هذا السيناريو فستكون مهمة الدول الثلاثة الأخيرة توفير القوى العاملة على أن تكون مهمة دول مجلس التعاون الخليجي مقتصرة على توفير الأسلحة والمعدات. وقد بدأت مصر بالفعل إجراء مناورات عسكرية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ وتناقلت وسائل الإعلام المختلفة نبأ غارات جوية مشتركة بين مصر والإمارات في وقت سابق من هذا العام ضد أهداف في ليبيا، وبدورها نفت السلطات على الجانبين.

كما ظهر في الوقت ذاته العديد من الدلائل التي كشفت عن سعي حثيث نحو إمكانيات وقدرات عسكرية متطورة: لقد فتحت قطر والإمارات العربية المتحدة التجنيد الإجباري قبل أشهر فقط، وأجرت مصر أكبر مناورة عسكرية منذ عقود في أكتوبر الماضي، وارتفع الإنفاق على الدفاع في عدة دول، وتُحاول الإمارات العربية المتحدة الآن أن تصبح على قدم المساواة مع فرنسا والمملكة المتحدة بامتلاكها نفس الطائرات المقاتلة، ودخلت دول خليجية في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية».

قرارات عسكرية ونتائج سياسية

وإذا تمكنت الدول العربية من التغلب على انعدام الثقة والتوحد معًا عسكريًا فهناك احتمال قوي لتغيير جذري في المنطقة. وبدلاً من الاعتماد على الخارج، فإن القوات العربية ستكون في وضع يُمكّنها من مواجهة التحديات الأمنية من دون الاعتماد على أحد. ويمكن للعمليات المشتركة أن تكون بمثابة إجراءات بناء ثقة بين الدول التي ترتاب من بعضها البعض، بالإضافة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في العالم العربي ما قد يخلق الخلفية اللازمة لتحقيق التكامل الاقتصادي العاجل.

وهناك جانب سلبي محتمل لأي تحالف عربي: أي من دول المنطقة سيتم استبعادها؟! لأنه قد يؤدي إلى عداء أشبه بذلك الذي بين «حلف شمال الأطلسي» وحلف «وارسو». كما يمكن أيضًا أن يؤدي إلى تشكيل التحالفات المضادة وزيادة عسكرة المنطقة المضطربة بالفعل. وكما هو الحال دائمًا مع التجمعات العسكرية فإنّ البعد الرئيسي ليس فقط في الدول التي بداخله، بل أيضًا  الدول التي خارجه.

المصدر | فلورنسا جاوب، معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي القيادة العسكرية الموحدة درع الجزيرة قوة بحرية خليجية تعاون عسكري

مشاورات خليجية لتعيين « قائد القيادة العسكرية الموحدة»

قمة الدوحة تؤكد على تعزيز التعاون العسكري والأمني وتجدد دعم دول الخليج لمصر

قمة الدوحة تشهد إطلاق القيادة العسكرية الموحدة ومقرها الرياض

سباق التسليح في الشرق الأوسط: السعودية الأكثر إنفاقا تليها تركيا والإمارات

«رايثيون» الأمريكية تفوز بعقد تزويد قطر بـ10 أنظمة «باتريوت» بقيمة 2.4 مليار دولار

الشرق الأوسط أنفق 150 مليار دولار على التسلح عام 2013 .. الإمارات والسعودية تتصدران عربيا

«ستراتفور»: الإمارات تزيد من خطط تدعيم سلاح الجو لمواجهة التهديدات المتطورة بالمنطقة

أسعار النفط المنخفضة ربما تؤثر على مبيعات «لوكهيد» الدفاعية للشرق الأوسط

سباق التسلح بين دول الشرق الأوسط يهدد بتكريس مشاكله الأمنية

آفاق التعاون بين حلف الأطلسي ومجلس التعاون الخليجي

الوحدة العربية .. ضرورة حتمية

لماذا قد تصبح القوة العربية المشتركة كابوسا للمنطقة؟

«القوة العربية المشتركة» تمضي بخطوات سريعة وتساؤلات حول أهدافها وتأثيرها

وهن الجيوش العربية

قيادة عسكرية خليجية موحدة واتفاق مبدئي على إنشاء «إنتربول»