قطاع غزة ماذا تستطيع اسرائيل فعله لتأجيل أو منع جولة العنف القادمة؟

الأحد 21 ديسمبر 2014 03:12 ص

مرت اكثر من ثلاثة اشهر منذ انتهاء عملية الجرف الصامد واكثر من شهر منذ اجتماع القاهرة للدول المانحة التي تعهدت بدفع 5.4 مليار دولار لاعمار قطاع غزة.

لكن الذين فقدوا منازلهم في القطاع ما زالوا بدون مأوى. حالة الطقس الشتوي تزداد سوءً وتزيد الضائقة، وعملية الاعمار الحقيقية لم تبدأ بعد. إضافة الى ذلك، شددت مصر من سياستها فيما يتعلق بمعبر رفح، الذي بقي مغلقا معظم الوقت، وقامت بتوسيع الحاجز الامني على طول الحدود بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من اجل كشف الانفاق وتدميرها.

ورفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نقل اموال الرواتب والميزانيات المطلوبة لعمل وزارات حماس في القطاع الامر الذي يزيد من ضائقة حماس وضائقة سكان القطاع.

مصدر الأمل الوحيد هو التعاون بين اسرائيل وممثل الامم المتحدروبرت سيرية روبرت سري، واتفاقات حول ادخال مواد البناء المراقبة والأدوات الهندسية الثقيلة لاعادة بناء آلاف الوحدات السكنية. هذه الاتفاقات عكست تغييرا في موقف اسرائيل والسلطة الفلسطينية حول ادخال مواد البناء الى القطاع، تبلورت في اعقاب تفاقم الوضع الانساني وتهديدات حماس والمنظمات الاخرى العاملة في المنطقة بالتصعيد الامني اذا لم تظهر بوادر بداية عملية الاعمار.

في إطار هذه الاتفاقات لا يمكن القضاء على حالة الاحباط الآخذة في الازدياد في القطاع.

المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وحماس التي تم الاتفاق عليها في نهاية عملية الجرف الصامد للتوصل الى تفاهمات لوقف اطلاق النار لفترة طويلة، والتي كان يفترض أن تستأنف في مصر، تأجلت الى موعد غير معروف، بسبب أحداث الارهاب في شمال سيناء، التي أدت الى الرفض المصري، وبسبب مصاعب التنسيق مع السلطة. حماس تريد استئناف المفاوضات من اجل الاجابة على حاجتها الحيوية مثل توسيع مناطق الصيد والمناطق الزراعية، ومن اجل تحسين العلاقات مع السلطات المصرية وابراز النجاح أمام السكان في غزة.

على هذه الخلفية يمكن تشبيه قطاع غزة بطنجرة ضغط تغلي، قد تتحول الى عنف ضد اسرائيل – الامر الذي يقود الى جولة اخرى من المواجهة بين الاطراف اضافة الى ذلك التوتر بين فتح وحماس والخوف من أن اتفاق المصالحة بين المنظمات سينهار، كل ذلك يزيد من دافعية حماس الى زعزعة السلطة في الضفة الغربية وزيادة الاحداث في القدس، على أمل زعزعة الاستقرار في المدينة نفسها والتسبب في انتقال العنف الى مناطق الضفة.

المصلحة الاسرائيلية هي ابعاد الجولة القادمة من العنف قدر الامكان وزيادة الخطوات من اجل اعمار القطاع وتحسين ظروف الحياة والامن الشخصي للسكان هناك، لأنه كلما ازدادت الضائقة في القطاع وكلما استصعبت حماس تحسين الوضع هناك، ستزداد فرصة اندلاع العنف، ولن تكون نتائجه مختلفة عن نتائج الجولة الاخيرة، في هذه الظروف قد تسمح حماس لنشطاء الذراع العسكرية للمنظمة ولمنظمات اخرى بتنفيذ عمليات ضد اسرائيل وزيادة احتمالية التدهور الى الحرب.

ثلاثة خيارات

في هذا الواقع، أمام اسرائيل ثلاثة خيارات عمل اساسية:

1- توسيع اطار العمل الموجود، حيث يمكن وبمساعدة ممثل الامم المتحدة نقل مواد البناء بشكل أكثر ونقل بضائع وحاجات مطلوبة لاساسيات الحياة والاعمار التدريجي للمنازل، ولكن لأن هذا لا يكفي فانه مطلوب من اسرائيل ايجاد طريقة لتنسق أمام حماس توسيع مناطق الصيد، والوصول الى تفاهمات واضحة حول دخول الفلسطينيين والمساعدة في اعمار البنى التحتية مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي، ومع ذلك هذا الاطار لا يستطيع تأجيل النهاية لأنه لا توجد جهات كافية لتقوم بخلق الاستقرار وتجيب على المشاكل الاساسية للقطاع. لذلك يمكن الافتراض أن الاندلاع العنيف قادم لا محالة.

2- دمج السلطة الفلسطينية فيما يحدث في القطاع، بالتنسيق مع مصر، الدول العربية البراغماتية والمجتمع الدولي. هذا الخيار يجب أن يوفر الظروف لزيادة وتوسيع مسؤولية السلطة في القطاع وأن تقود عملية الاعمار الواسعة بتأييد الدول العربية والمجتمع الدولي. وايضا وضع الاسس لامتحان القدرة للسلطة. من اجل ان يكون هذا الخيار قابلا للتحقق مطلوب من اسرائيل المبادرة بخطة سياسية أو الاستجابة الى المبادرات لاستئناف العملية السياسية، وفي المقابل توسيع صلاحيات السلطة في الضفة، على طريق انشاء دولة فلسطينية مستقلة.

3- تطبيق فكرة الانفصال الكامل عن قطاع غزة. مبادرة اسرائيلية تتم عن طريق المجتمع الدولي وبتأييد من الدول العربية حيث يشمل ذلك فتح القطاع أمام العالم وتقليل ارتباط القطاع باسرائيل الى مرحلة وقفه كليا في كل ما يتعلق بالبضائع والأدوات. في هذا الاطار يجب اقامة ميناء بحري قريب من شاطيء غزة ويستجيب لحاجات اسرائيل الامنية. هذا الخيار يشمل عنصر حيوي وهو التنسيق الكامل مع مصر من اجل منع تقدير خاطيء من جانبها بأن اسرائيل تسعى الى دفع القطاع باتجاه مصر. ويمكن أن فشل تطبيق هذا الخيار يؤدي الى وضع القطاع تحت سلطة دولية.

الاختيار بين هذه البدائل

إن الاختيار بين هذه البدائل يجب أن يراعي الاعتبارات التالية:

1- احتمالية تطبيق اتفاق المصالحة بين فتح وحماس وامكانية دمج حكومة وحدة فلسطينية في اعمار غزة وادارتها، هذه الامكانية ضعيفة جدا وتبقى حماس المصدر السلطوي العسكري الحقيقي الوحيد في القطاع، والضائقة الاقتصادية والانسانية تستمر.

2- للسلطة ولمن يقف على رأسها لا توجد نية أو رغبة أو قدرة للعودة الى السيطرة على القطاع، فالسلطة لا تريد فتح أي مواجهة مع حماس إلا اذا حصلت على مساعدة عسكرية حقيقية من قبل اسرائيل و/ أو مصر.

3- الدول العربية غير معنية بقطاع غزة، على الاقل اللاعبين الاساسيين في العالم العربي.

4- دمج العالم العربي والمجتمع الدولي في اعمار وادارة القطاع سيقلص الشرعية لاسرائيل لعمل عسكري كرد على هجوم من قطاع غزة – حتى اذا كان هذا العمل بسبب الدفاع عن النفس.

5- المجتمع الدولي لا يريد مسؤولية القطاع الامر الذي يعني مواجهة عنيفة – وقبل كل شيء مع حماس التي ستعارض التنازل عن مكانتها في غزة.

توصيات

إن البدائل الثلاثة ليست مثالية من ناحية اسرائيل لأنها لا تضمن هدوءً امنيا مستمرا، واحتمال البدائل الثاني والثالث ضئيلة لأنها ترتبط باستعداد مصر والعالم العربي والمجتمع الدولي – الامر الذي يعني تراجع تأثير إسرائيل في العملية التي تحدث في القطاع. ومع ذلك فان افضلية هذين البديلين أنهما يشملان مبادرة سياسية من شأنها انقاذ اسرائيل من العزلة الدولية والسماح بكسر الجليد السياسي.

احتمالية تطبيق الخيار الأول ستزداد اذا وافقت اسرائيل على استمرار سيطرة حماس في القطاع وعملت على تسريع اعادة الاعمار بوساطة الامم المتحدة واعتراف بدور حماس في هذه العملية. الى جانب ذلك ستضطر اسرائيل الى تنسيق المواقف مع المصريين لأن تعزيز مكانة حماس في القطاع لا يناسب المصلحة المصرية في هذه الفترة. ولكن كلما تقدمت العملية سيتعزز اكثر دور حماس كمسيطرة في القطاع وتقل احتمالية دخول السلطة، وستتعزز مكانة حماس في الساحة الفلسطينية ككل بما في ذلك الضفة الغربية.

الخيار الثاني سيتحقق فقط في اطار واسع يشمل استئناف العملية السياسية. واعطاء امتيازات حقيقية للسلطة في الضفة الغربية، أي عملية مدروسة ومسؤولة لبناء دولة فلسطينية – اجهزة سلطة وبنى تحتية – بمساعدة مباشرة من المصريين، وغطاء من العالم العربي البراغماتي والمجتمع الدولي، نتيجة للمفاوضات على اساس اتفاقات واثبات السلطة لقدرتها على أن تعمل بشكل فعال، ولكن هذا الخيار فيه خطر المواجهة العنيفة بين حماس والسلطة الامر الذي سيمتد الى اسرائيل.

احتمالية تطبيق الخيار الثالث تزداد اذا اخذت مصر على عاتقها المسؤولية باسم العالم العربي، والمجتمع الدولي والسلطة، وتقود عملية فتح القطاع على الغرب، أو اذا قامت سلطة دولية في القطاع فان فرص النجاح تكون قليلة بسبب الحاجة الى التجند الحقيقي للدول العربية والمجتمع الدولي.

لذلك فان خيار المساعدة في اعادة اعمار غزة موجود بما يلائم المصلحة الاسرائيلية، في الوقت الحالي على الاقل، وعلى ضوء تقدير القيادة الاسرائيلية في غياب الأمل من المفاوضات التي تؤدي الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية بقيادة عباس ولا سيما في نصف السنة القادم الذي سيستمر خلاله الجمود السياسي على خلفية الانتخابات في اسرائيل.

مع ذلك يحمل هذا الخيار توترا بين الحاجة الى ترويض حماس وبين الدعم الاسرائيلي لاعمار القطاع، الامر الذي سيقوي سلطة حماس في القطاع واعطاء الشرعية لها. اضافة الى ذلك فان هذه النتيجة لا تناسب المصلحة المصرية وتقوم باضعاف السلطة الفلسطينية.

المصدر | كوبي ميخائيل وأوري ديكل، نظرة عليا (عبرية)

  كلمات مفتاحية

إسرائيل الجرف الصامد غزة اجتماع القاهرة الدول المانحة إعمار قطاع غزة السلطة الفلسطينية