ضحايا ”المغالطة“ الرأسمالية: معاناة سائقي سيارات الأجرة في الكويت

الاثنين 22 ديسمبر 2014 08:12 ص

كان لي خلال الأسبوع الماضي عددٌ لا يُحصى من المحادثات مع سائقي سيارات الأجرة (التاكسي) في العاصمة الكويت. أتوا من بلدان مختلفة تشمل بنجلاديش والهند وباكستان ومصر واليمن. وتعمل الغالبية العظمى ممن تحدثت إليهم بالكويت منذ أكثر عشر سنوات (هناك منذ أكثر من 20 عامًا في بعض الحالات). لا يحملون الجنسية الكويتية (ولن يحصلوا عليهم أبدًا)، كلهم تقريبا لهم زوجات وأطفال في بلدانهم وإذا حالفهم الحظ فإنهم يرونهم مرة واحدة في العام.

ذكر جميعهم لي أمرًا واقعًا؛ وهو أن الحياة في الكويت لم تكن سعيدة بالنسبة لهم، «أنا أعيش حياة 50٪» هكذا قال أحدهم لي بإيجاز، وشرح لي أنهم لا يفعلون شيئًا سوى العمل من أجل إعالة أسرهم والتمكن من إلحاق أطفالهم بالمدارس. وأخبرني معظمهم أنه لم يلتحق بمدرسة في حياته، وكثير منهم جاء إلى الكويت في سن المراهقة وشرع على الفور في العمل اليدوي أيًا كان نوعه ثم تحوّل لاحقًا إلى العمل كسائق سيارة أجرة.

لقد تحدث إليّ جميع السائقين عن ضرورة دفع رسوم الإيجار اليومي للشركات التي تملك سيارات الأجرة الخاصة، إلا أنهم يظلون مسئوولين عن جميع تكاليف تشغيل السيارة بما في ذلك تكاليف البنزين وأي أعمال صيانة مطلوبة. وأوضح العديد منهم أن تكلفة الإيجار يجب أن تدفع كل يوم بغض النظر عما إذا كانوا يعملون في ذلك اليوم أم لا. ولذلك، فإن السائقين نادرًا ما يفكرون في أخذ يوم عطلة، ويضطرون للعمل 7 أيام في الأسبوع، ووفقًا لما قاله كثيرون فإنهم يعملون يوميًا 13 أو 14 ساعة لتوفير المال اللازم لتغطية تكاليف معيشتهم.

واتفقوا جميعًا على ارتفاع الأسعار في الكويت بدرجة كبيرة وأنها مستمرة في الارتفاع. ولم يتردد عدد منهم في الاعتراف بأنهم اضطروا للعمل في ظروف خطرة جدًا (لهم ولغيرهم) حيث أنهم في كثير من الأحيان يُضطرون للقيادة وهم يعانون الإرهاق الشديد. وتحدث كل هؤلاء الرجال معي - سواءً بالعربية أو الإنجليزية - بدون مرارة لكن بصراحة حادة.

أفضل من العودة!

وأكد كثيرون أنه على الرغم من وضعهم الصعب في الكويت إلا إنه كان أفضل لهم من العودة إلى بلادهم. لقد فكروا أن العمل في الكويت على الأقل سيوفر لهم فرصة إلحاق أطفالهم بالمدارس، ومنحهم فرصة حياة أفضل عن تلك التي عاشوها هم. كما يعتبرون أنفسهم داخل الكويت بعيدين عن الوضع السيئ الذي يعانيه العمال المهاجرون في البلاد.

وتحدث لي سائق بنجالي يُدعى «محمد» عن كيفية محاربته لمدة 8 أشهر ليتخلص من عقده مع شركة نظافة لكي يتجه إلى العمل كسائق سيارة أجرة. وقد عمل لمدة ست سنوات لحساب شركة نظافة ولم يكن يحصل على أجر يكفيه ما ترتب في عدم ادخاره لأي أموال طيلة تلك الفترة.

لقد شعرت عدة مرات كمن يقول أن هؤلاء الرجال أبطال. لقد قلت ذلك لسائق باكستاني يُدعى «محبوب»؛ والذي يعمل في الكويت منذ ثمان سنوات وقد نظر إلي مرتبكًا عندما قلت له ذلك، وجاء رده بابتسامة أعقبها بالقول: «لا، لا، أنا مجرد رجل بسيط أسعى وراء لقمة عيشي». وتحدث باستفاضة معي مُبيّنًا أنه لم يمضِ يومًا من حياته في مدرسة، وجاء إلى الكويت في سن الــ13 تقريبًا. وكان فخورًا جدًا أن ابنته وابنه التوأم يدرسان الآن في مدرسة بلاهور الباكستانية. لقد أخبرته أن من حقه أن يفتخر، وأعطيته الأجرة مضاعفة على ما قرأه عدد التاكسي عند مغادرتي له.

واقع الرأسمالية العالمي

وبطبيعة الحال؛ فإن قصص هؤلاء الرجال للأسف ليست فريدة من نوعها، ولكنها مُكررة في جميع أنحاء العالم. هذا هو واقع النظام العالمي الرأسمالي؛ جماهير مُحبطَة دون أي حقوق يتم استغلالها كعمالة رخيصة ميسورة، ومن ثمّ تُجبر على العمل لساعات بلا رحمة لصالح أولئك الذين يملكون وسائل الإنتاج. وبالتالي؛ فإنه بالنسبة لجزء كبير من سكان العالم، فإنّ الحياة ليست هي الحصول على السعادة الخاصة بهم أو تحقيق الأحلام الشخصية، بل هو صراع يومًا بعد يوم من العمل والجهد على أمل أن يصبحوا قادرين على توفير حياة أفضل لعائلاتهم ومستقبل أفضل لأطفالهم. 

الواقع المرير هو أن الكثير من الناس سوف يعملون طيلة حياتهم دون تحقيق تقدم لأنفسهم أو حتى أطفالهم بأي طريقة مجدية، حيث إن عدم المساواة الهيكلية التي تقوم عليها الرأسمالية لا تسمح بذلك. لقد أخبرني أكثر من نصف السائقين أنه رغم العمل سبعة أيام أسبوعيًا في قيادة متواصلة حتى يسقطون من شدة الإعياء في كفاحهم من أجل تلبية نفقاتهم فإن النتيجة هي إرسال القليل جدًا - إن وُجد - من المال إلى الأهل في الوطن.

منطق الرأسمالية القائل أنه مع العمل الجاد والالتزام يمكنك دائمًا أن تكون في حياة أفضل هو مجرد مغالطة. فبينما تتركز وسائل الإنتاج في يد نخبة صغيرة تزداد ثراءً كل يوم من نتاج عمل وجهد الآخرين، فإن هناك أعداد لا تُحصى من العمال - رجال ونساء وأطفال - يقضون حياتهم بأكملها في وظائف خطرة رتيبة مقابل أجور زهيدة لأجل تحقيق مكاسب مالية مباشرة تصب في جيوب الآخرين وخزائنهم. 

ويبقى هؤلاء المظلومين والمهمشين هم مصدر الإلهام اليومي بالنسبة لي. أتمنى يومًا ما أن تنتهي معاناتهم وما يتعرضون له من إهانات، وأن يتمّ استبدال الكارثة اللإنسانية التي هي الرأسمالية بنظامٍ من شأنه أن يُعزز المساواة والتضامن، وليس انعدام المساواة والقمع المتفشي.

المصدر | لويس ألداي، كونتر بانش

  كلمات مفتاحية

الكويت الرأسمالية حقوق العمالة وسائل الانتاج

«البدون» في الكويت قد يحصلون على جنسية جزر القمر

«الجاسم»: برامج خليجية للتقليل من العمالة الوافدة .. وأزمة العمالة المنزلية قيد البحث

تقرير: على الكويت إنهاء "الكفالة" وتحسين أوضاع عاملات المنازل والبدون

أميركا اللاتينية ونهاية الرأسمالية!

«الكفالة»: معاناة متواصلة للعمالة الوافدة بالكويت

حظر تجول سيارات الأجرة في السعودية العام المقبل