محكمة مصرية تقضي نهائيا بإلغاء الاحتفالات بمولد «أبو حصيرة» ورفض نقل رفاته للقدس

الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 07:12 ص

لن يحتفل يهود إسرائيل والعالم بمولد ما يسمي «أبو حصيرة» في مصر بعد الآن، بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الاثنين 29 ديسمبر الجاري، حكما نهائيا، وبعد 13 عاما من تداول القضية، بإلغاء الاحتفالات السنوية نهائيا لمولد أبو حصيرة اليهودي «لمخالفتها للنظام العام والآداب، وتعارضها مع وقار الشعائر الدينية»، حيث كان المصريون يشكون من معاقرة الإسرائيليين واليهود الزائرين للخمور وممارسة أفعال غير لائقة.

وجاء الحكم في توقيت مناسب للغاية، قبل بدء الاحتفالات السنوية بالمولد في يناير المقبل، وبدأ توافد اليهود من عدة دول علي قرية «دميتوه» المصرية بمحافظة دمنهور شمال مصر، ولهذا غمرت الفرحة المحامين والأهالي بعد صدور هذا الحكم النهائي والذين كانوا يرون أن المولد ليس سوي حجة لحضور الإسرائيليين إلى قريتهم وإجبارهم على التعامل والتطبيع مهم .

وأبدي عدد من أهالي القرية، التي تبعد عن القاهرة حوالي 150 كلم سعادتهم لإلغاء الاحتفال بالمولد الذي وصفوه بأنه «حائط مبكى آخر» لليهود في قريتهم، فيما قال آخرون إنهم تضرروا في الأعوام السابقة بشكل أكبر من هذه الاحتفالات خاصة أن بعضها كان يواكب شهر رمضان الكريم .

المحكمة المصرية لم تكتف بإلغاء الاحتفالات نهائيا، ولكنها قطعت جذور المولد نفسه، حينما ألغت أيضا قرارا لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى خاص باعتبار قبر أبو حصيره «أثرا تاريخيا»، وألزمت وزير الآثار الحالي بشطب الضريح من سجلات الآثار المصرية، مع نشر هذا القرار في جريدة الوقائع المصرية الرسمية، وإبلاغ منظمة اليونسكو بذلك القرار عبر إيداع ترجمة معتمدة من الحكم.

كما رفضت المحكمة أيضا نقل رفات الحاخام اليهودي إلى إسرائيل، «لأن الإسلام يحترم الأديان السماوية وينبذ نبش قبور موتاهم»، ولكون «القدس» مدينة واقعة تحت الاحتلال.

المحكمة قالت في حيثيات حكمها إن اعتبار ضريح الحاخام اليهودي «أبو حصيرة» من الآثار الدينية من قبل وزير الآثار السابق هو «خطأ تاريخي جسيم يمس كيان تراث الشعب المصري»، واستندت للثوابت العلمية والدراسات التاريخية والأثرية في العالم الغربي التي أثبتت أن اليهود لم يكن لهم أي تأثير يذكر في حضارة الفراعنة.

وقالت المحكمة إن المشرع الدستوري المصري حدد مراحل الحضارة المصرية بالمصرية القديمة والقبطية والإسلامية، معتبره «إضافة اليهود للتراث المصري مخالفة دستورية»، كما اعتبرت طلب إسرائيل من اليونسكو نقل الرفات للقدس «أحادى الجانب، ويعكس أطماع إسرائيل لإضفاء شرعية على فكرة يهودية الدولة بتواجد الضريح على أرض فلسطين العربية»، كما أن «القدس أرض محتلة تطبق عليها أحكام تصرفات الدولة الغاصبة طبقا للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة».

وكان حكماً قضائياً قد صدر في آب /أغسطس 2001 بمنع الاحتفال بالمولد وطعنت عليه وزارة الثقافة المصرية، وظلت القضية متداولة قربة 13 عاما حتي صدر هذا الحكم النهائي.

مسمار جحا

ويحضر كل عام مع مطلع العام الجديد عشرات اليهود يقدر عددهم بحوالي 300 شخص، من «إسرائيل» وأمريكا وفرنسا وألمانيا للقرية المصرية في أفواج سياحية بدعاوي إحياء المولد وسط حصار أمني كثيف، للدعاء بالشفاء لمرضي أو طلب حاجة، ويشربون الخمور ويمارسون رقصات معينة ما يثير غضب سكان القرية البسطاء.

وغالبا ما يحضر وفد إسرائيلي مكون من القنصل الإسرائيلي بالقاهرة وبعض الحاخامات اليهود ويجري تقديم قرابين وذبائح علي قبر الحاخام «أبو حصيرة»، والتوجه إليه بالطلبات والأمنيات.

وكان مؤرخون مصريون قد انتقدوا عقد المولد في مصر، وأشاروا إلي أنه بمثابة «مسمار جحا» للإسرائيليين في مصر، حيث يحرص اليهود علي إقامة المولد سنوياً في هذه المنطقة، ويحضرون بالعشرات ويقومون بممارسات تغضب أهالي المنطقة المحافظين الذين ظلوا يشكون مر الشكوى من تضييق قوات الأمن عليهم لحماية السياح اليهود، وتحويل قريتهم إلى ساحة لممارسات غير أخلاقية بسبب شرب الخمور ورقص المحتفلين بملابس مكشوفة .

تاريخ مجهول

وتتعدد الروايات في ما يتعلق بحقيقة «أبو حصيرة» أو تاريخه بدقة في مصر، ففي عام 1907 ميلادية، ادَّعى بعض اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر في ذلك الوقت أنه تُوجَد في منطقة المقابر التي تضم رفات 88 من اليهود، مقبرة لحاخام يهودي من أصل مغربي يُدعَى «أبو حصيرة»، واسمه الأصلي «أبو يعقوب».

وقالوا أنه من أولياء الله - على حد زعمهم - وله «كرامات مشهودة»، ومنذ ذلك العام، بدأ يتوافد على القرية في الفترة من أواخر ديسمبر/ وحتى أوائل يناير سنويا، عدد ضئيل من اليهود للتبرك بهذا الحاخام، الذي ذاع صيته بينهم.

ومنذ عام 1978 وعقب توقيع اتفاق «كامب ديفيد» بدأ اليهود يطلبون رسميًّا تنظيم رحلات دينية إلى هذه القرية للاحتفال بمولد «أبو حصيرة»، الذي يستمر قرابة 15 يومًا، وبدأ عددهم يتزايد من بضع عشرات إلى بضع مئات ثم الآلاف في بعض السنوات، حتى بلغ عددهم في بعض سنوات الثمانينات في ذروة التطبيع قرابة أربعة آلاف.

ومع الزيادة العددية توسع أسلوب الاحتفال من مجرد الجلوس عند المقبرة، وذِكْرِ بعض الأدعية والتوسلات، إلى نصب خيم واحتفالات وطقوس وبكاء، لا سيما من العجائز طالبات الشفاء من مرض ما، إلى ذبح أضحيات وشرب الخمور أو سكبها فوق المقبرة ولعقها بعد ذلك، والرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هستيري بعد أن يشق بعضهم ملابسه.

وقد شهدت المقبرة بعض التوسعات مع تزايد عدد القادمين، وجرى كسوة «الضريح» بالرخام، وتزيينه بالرسوم اليهودية، لا سيما عند مدخل القبر، ثم بدأ ضم بعض الأراضي حوله وبناء سور، ثم قامت منشآت أشبه بالاستراحات، واتسعت المقبرة من مساحة 350 مترا مربعا إلى 8400 متر مربع، وبدأت التبرعات اليهودية تنهال لتوسيعها.

وقد حرص اليهود على لفت الأنظار إليهم، وتضخيم الاحتفال لدرجة استقدام طائرة خاصة لمطار الإسكندرية تحمل وفداً كبيراً من الحاخامات اليهود، ومعهم أحيانا بعض الوزراء مثل وزير الأديان والعمل الإسرائيلي، وأعضاء من البرلمان الإسرائيلي، وسعوا أيضا لشراء خمسة أفدنة مجاورة للمقبرة بهدف إقامة فندق عليها لينام فيه الإسرائيليون في فترة المولد بيد أن طلبهم قوبل بالرفض.

وقد أذنت وزارة الخارجية المصرية للبرلمان في سنوات سابقة بمناقشة الموضوع في أعقاب إثارة النواب هذا الأمر، وقالت الوزارة إن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لا تنص على عقد هذا الاحتفال كل عام.

أحكام سابقة

وكان أهالي قرية «دميتوه» في مدينة دمنهور شمال مصر قد أبدو ارتياحهم الشديد لقرار السلطات المصرية منع قيام يهود قادمين من الدولة العبرية ومن دول أوروبية من الاحتفال بطقوس ما يسمى مولد أبي حصيرة اليهودي خصوصا في أعقاب حكم محكمة مصرية عام 2001 بوقف هذه الاحتفالات السنوية والحكم برفض قرار لوزير الثقافة المصري بتحويل مكان الاحتفال «مقبرة أبو حصيرة» إلى أثر ديني واعتباره كأن لم يكن، بيد أن وزارة الثقافة المصرية طعنت في قرار المحكمة ما سمح باستمرار إقامة الاحتفال .

حيث تقدمت هيئة قضايا الدولة المصرية التي تعد بمثابة «محامي الحكومة» بمذكرة أمام القضاء الإداري تطعن فيها في الحكم السابق لمحكمة القضاء الإداري بمدينة الإسكندرية في 5 أغسطس 2001 تعترض فيه على قراري المحكمة بإلغاء الاحتفال السنوي لليهود في مصر، وإلغاء قرار وزارة الثقافة باعتبار «أبو حصيرة» أثرا من الآثار اليهودية في مصر .

وقد أيدت وزارة الثقافة المصرية المحكمة فيما ذهبت إليه في قراراها السابق في ما يتعلق بالتأصيل التاريخي لليهود في مصر، وتأكيد أنه لا أثر يذكر لليهود على الحضارة المصرية القديمة، إلا أنها أسست طلبها نقض الحكم السابق على أن مسألة إضفاء الصفة الأثرية على الآثار من اختصاص وزارة الثقافة وليس القضاء وأن سلطتها مطلقة في ذلك، كما أن جهات الأمن هي التي تقرر مخاطر إقامة الاحتفال وليس القضاء الإداري .

وسبق لمجلس مدينة دمنهور أن قرر في ديسمبر عام 2000 منع الاحتفالات اليهودية التي تبدأ في ذكرى مولد «أبو حصيرة» بسبب معارضة أهالي المدينة لتصرفات اليهود في الحفل وتناول الخمور والرقص بشكل خليع.

وطالب الأهالي أجهزة الحكم المحلي المصرية في يناير 2001 بتغيير اسم القرية إلى «قرية الشهيد محمد الدرَّة»، حتى تُذَكِّر اليهود الذين يزورونها كل عام بجرائمهم ضد انتفاضة الأقصى، حسبما قالوا، بل ورفعوا دعاوى قضائية يطالبون فيها بتغيير اسم القرية إلى قرية «محمد الدرة» .

كما رفع محام آخر دعوى طالب فيها بهدم المقبرة تنفيذاً للقانون الذي يقضي بأن تتم إزالة أي مقبرة لا تُستخْدَم لمدة 15 عاما بيد أن المحكمة لم توافق على هذا الطلب معتبرة أن طلب هدم المقبرة ونقل رفات «أبو حصيرة» للخارج يتعارض مع سماحة الإسلام.

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أبو حصيرة