تخفيض المساعدات.. لعبة العصا والجزرة الأمريكية مع نظام «السيسي»

الأربعاء 6 سبتمبر 2017 06:09 ص

هيمنت 3 أخبار على القاهرة في وقت واحد تقريبا الأسبوع الماضي، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية قرارا بخفض وتأجيل ما يقرب من 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، ووصل «جاريد كوشنر»، صهر الرئيس «ترامب» إلى القاهرة لدعم محادثات السلام الإقليمية، ودعا «ترامب» الرئيس المصري «السيسي» إلى الاطمئنان بأنه حريص على «التغلب على العقبات» في طريق التعاون بين البلدين.

قد تثير بعض التناقضات في هذه الأخبار الدهشة، لكن يبدو أن ذلك يتماشى مع الطبيعة غير المنتظمة لإدارة «ترامب» بشكل عام، واعتبر وزير الخارجية المصري «سامح شكري» أن «القرار السيئ» الذي اتخذته الولايات المتحدة «سيكون له تأثير سلبي» على «تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة بين البلدين».

وفي الأسبوع الماضي، قطعت الولايات المتحدة مبلغ 96 مليون دولار من المساعدات إلى مصر، وأجلت 195 مليون دولار أخرى من التمويل العسكري، ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان هذا التحرك نتيجة القلق بشأن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان وعلاقتها المستمرة مع كوريا الشمالية.

لكن هذه الإجراءات، كما كشفت صحيفة «التايمز»، لم تكن سيئة لمصر كما بدت، فمن خلال التوقف عن توفير التمويل العسكري، أنقذت إدارة «ترامب» الأموال من أن تنقطع تماما في 30 سبتمبر/أيلول، وبهذه الطريقة، يمكن لمصر «الحصول على المال في نهاية المطاف إذا تحسن سجلها في مجال حقوق الإنسان».

ولكن كيف تفعل ذلك في ضوء الوضع الذي يتدهور في هذه اللحظة بشكل مستمر؟

تقلبات

وفي حين كان خفض 96 مليون دولار من المساعدات كليا خطوة غير مسبوقة، لم يكن تكتيك الجزرة والعصا بحجب المعونة العسكرية مؤقتا شيئا جديدا.

وفي شهر أغسطس/آب عام 2013، أوقفت إدارة «أوباما» توريد المعدات العسكرية لمصر لما يقارب العامين في أعقاب حملة عنف ضد المتظاهرين ضد الانقلاب العسكري الذي أزال أول رئيس منتخب ديمقراطيا، «محمد مرسي»، وقد قتل أكثر من ألف شخص على أيدي الشرطة المدعومة من الجيش في ما يعرف باسم مذبحة رابعة.

وأثار القرار فترة طويلة من التوتر الدبلوماسي بين البلدين وأثار موجة من الحملات الإعلامية المعادية والمثيرة للكراهية تجاه الأجانب، تخللتها نظريات مؤامرة سخيفة، ولكن في مارس/آذار عام 2015، أفرج «أوباما» عن 12 طائرة لوكهيد مارتن إف-16 إلى مصر، و20 صاروخا من طراز بوينغ هاربون، وما يصل إلى 125 من أطقم دبابات أبرامز إم1إيه1.

وفي ذلك الوقت، قال البيت الأبيض إن ذلك يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وإن المساعدات المستقبلية ستركز على مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والأمن البحري وأمن سيناء، حيث ينشط تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبعد عامين، وصلت الحالة إلى أبعاد كارثية. ويذكر أن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين يتعرضون للاعتقال في السجن دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وأن أكثر من 900 شخص قد تعرضوا للاختفاء القسري، وأن ما يربو على 7 آلاف و400 شخصا مدنيا قد مثلوا أمام المحاكم العسكرية منذ إصدار «السيسي» مرسوما يوسع نطاق الولاية العسكرية عام 2014، بحسب تقارير «هيومن رايتس ووتش».

وفي الوقت نفسه، أثبتت «الحرب على الإرهاب» في سيناء، إحصائيا، نتائج عكسية تماما، حيث يواصل المسلحون المرتبطون بتنظيم «الدولة الإسلامية» شن هجمات واسعة النطاق على نقاط الشرطة والجيش، وتنفيذ عمليات الاغتيال السياسي بنجاح واستهداف المدنيين، كما قتل 224 في طائرة متجهة إلى سان بطرسبرغ عام 2015.

تقليص الحريات

كما تم خنق وسائل الإعلام أكثر من أي وقت آخر في تاريخ مصر الحديث، حيث اعترفت الحكومة علنا ​​بحجب أكثر من 133 موقعا إخباريا مستقلا بزعم بثها لمحتوى «تخريبيي» يهدد «الأمن القومي».

وتولت مؤسسة أخبار اليوم، وهي مؤسسة إعلامية حكومية مملوكة للدولة، الشؤون المالية والإدارية لشركة ديلي نيوز إيجيبت، في إطار تجريد مالكها، «مصطفى صقر»، من أصوله في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، بحجة وجود علاقة غير مؤكدة له مع الإخوان المسلمين.

واحتلت مصر المرتبة 161 من بين 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2012، حيث تجاوزتها الغالبية العظمى من البلدان الأفريقيةK وفي أواخر عام 2016، ذكرت لجنة حماية الصحفيين أن مصر تحتل المركز الثالث في عدد الصحفيين وراء القضبان بعد الصين وتركيا، مع وجود 25 سجينا صحفيا حاليا.

وفي حين كان من الممكن في الماضي أن تساهم منظمات المجتمع المدني على رأس الجهود المبذولة لفضح هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، فإن مشروع القانون الذي صدق عليه «السيسي» في شهر مايو/أيار الماضي، الذي يضم 87 مادة، قد أضعف فعلا قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل، ناهيك عن تواجدها.

ووفقا للتقارير الإخبارية، فإن القانون يقيد المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك تلك المخصصة للعمل الاجتماعي والإنمائي الحيوي، ويجعل من الصعب على المؤسسات الخيرية تقديم خدماتها المعتادة. ويحظر كذلك على الجماعات المحلية والأجنبية المشاركة في مجال حقوق الإنسان أو العمل الذي يمكن أن يضر بمفاهيم "الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة"، وقد يؤدي عدم الامتثال إلى فرض غرامات مالية تصل إلى 55 ألف دولار، وإلى السجن لمدة تصل إلى 5 أعوام.

وفي الحالات النادرة التي يمكن أن تعمل فيها، تخضع المنظمات غير الحكومية لسيطرة الأجهزة الأمنية، التي تطلب الإذن للقيام بالعمل الميداني، ويجب مواءمة عملها مع احتياجات التنمية الخاصة بخطة الدولة.

تكتيكات عديمة الفائدة

وفي الشهادة التي أعلنت في أبريل/نيسان الماضي، أمام اللجنة الفرعية المعنية بالاعتمادات الخاصة بالولايات والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة في مجلس الشيوخ الأمريكي، أثارت الزميلة في مؤسسة كارنيغي، «ميشيل دن»، قضية خطيرة. وتساءلت كيف يمكن للولايات المتحدة أن تواصل دعم «دولة هامة وحليف إقليمي تقليدي، في حين تتبنى حكومتها سياسات تعد بعدم الاستقرار على المدى الطويل؟».

وجاء تحذيرها بعد أسبوعين من إشادة «ترامب» بسياسات «السيسي»، ووصفه بأنه «رجل رائع»، خلال زيارته إلى واشنطن.

ولكن في حين يبدو أن التخفيضات الأخيرة في المساعدات خطوة في الاتجاه الصحيح لردع النظام الاستبدادي في مصر، فإن الحقيقة على أرض الواقع، استنادا إلى نمط تاريخي ثابت، هو أن هذه التكتيكات لم يكن لها، ولن يكون لها أبدا، أي تأثير كبير على سجل مصر بالغ السوء في حقوق الإنسان، خاصة في ظل التدفق غير المحدود للدولار الخليجي إلى خزائن القاهرة.

وتعد دعوة «ترامب» المتسرعة لطمأنة أكبر وكيل له في المنطقة، مثلها مثل تغريداته العصبية، إشارة إلى الطغاة في المنطقة، إشارة تمكن العالم بأسره من رؤيتها، وكشفت فجأة عن الأولويات الحقيقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وتعتزم الولايات المتحدة، مدركة لما تملكه من سيطرة ضعيفة على شؤونها الداخلية، أن تستغل المساعدات على نحو أفضل لدفع القاهرة ضد توطيد علاقاتها مع بيونغ يانغ. ولم يعد من الممكن التغاضي عن تعاملات مصر مع كوريا الشمالية، بعد أن أشار محققو الأمم المتحدة إلى وجود دلائل على استخدام تجارة الأسلحة الكورية الشمالية في الشرق الأوسط وأفريقيا شركات مقرها في بورسعيد كواجهة، ويبدو أن الولايات المتحدة تقول لـ«السيسي»: «لا يمكنك أن تحصل على كعكتك الخاصة».

ومن يدري، فقد يعمل هذا التكتيك، فللجزرة المعلقة جاذبيتها لدى بعض المخلوقات التي تمشي على أربع.

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي ترامب حقوق الإنسان المعونة الأمريكية

مباحثات عسكرية مصرية أمريكية حول تطورات الأوضاع بالمنطقة