السعودية تبحث عن حلفاء بين القبائل السنية العراقية

الأحد 29 يونيو 2014 08:06 ص

عبد المجيد البلوي، المونيتور، 25 يونيو/حزيران 2014

ملخص: تطورات العراق الأخيرة المتمثلة بانهيار الجيش العراقي في مدينة الموصل وزحف الفصائل العراقية السنية نحو مدينة بغداد بما فيها الفصيل المثير للجدل تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، يمثل تحديا جديداً أمام السياسة الخارجية للسعودية التي لا ترغب في رؤية حكومة طائفية موالية لإيران في بغداد ، ولكنها في ذات الوقت لا تريد رؤية تنظيمات اسلامية جهادية على حدودها الشمالية 

 

تطورات العراق الأخيرة المتمثلة بانهيار الجيش العراقي في مدينة الموصل وزحف الفصائل العراقية السنية نحو مدينة بغداد بما فيها الفصيل المثير للجدل تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) ، يمثل تحديا جديداً أمام السياسة الخارجية للسعودية التي لا ترغب في رؤية حكومة طائفية موالية لإيران في بغداد ، ولكنها في ذات الوقت لا تريد رؤية تنظيمات اسلامية جهادية على حدودها الشمالية .

أصدرت السعودية بيانا رسميا حاولت فيه التمييز بين الجماعات المصنفة ارهابية لديها مثل الدولة الاسلامية ( داعش ) وبين عشائر العراق السنية التي تقاوم النفوذ الإيراني في العراق .غضب نوري المالكي من البيان الصادر من مجلس الوزراء السعودي والذي جعل من السياسات الطائفية لحكومته  السبب الأهم في الوضع المستجد في العراق فاتهم الرياض بأنها تقف وراء ما يحدث فجاء الرد سريعاً على تصريحات المالكي من البيت الأبيض بوصف تصريحاته بالعدائية وغير الدقيقة .

دوائر القرار السعودي كانت تتوقع انزلاق العراق نحو فوضى وحرب أهلية طاحنة فيما لو تمت اعادة انتخاب المالكي رئيساً لوزراء العراق ، وهو ما اقترب المالكي من تحقيقه بعد فوز حزبه بالنسبة الأكبر من مقاعد البرلمان العراقي .

وفي الأسبوع الماضي علق الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق على تطورات الوضع العراقي واحتمال تدخل أمريكي عسكري لمساعدة حكومة المالكي لإيقاف تقدم ثوار العشائر السنية نحو بغداد بالقول أنه من المثير للسخرية رؤية الحرس الثوري الإيراني يقاتل جنباً إلى جنب مع الطائرات الأمريكية بدون طيار لقتل العراقيين.

السياسة السعودية تجد أنها أمام خيارات تزداد تعقيداً وصعوبة مع انقسام العراق وسوريا جغرافيا بين الجماعات المسلحة السنية والشيعية ، اذ تسيطر كل جماعة على مساحات جغرافية واسعة تمثل لها ملاذاً آمناً قد تنطلق منه لشن هجمات ضد السعودية ، فالميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران تمثل خطراً كما أن " الدولة الإسلامية " تمثل خطراً .

خيار الوقوف على الحياد وانتظار الحسم لأحد الطرفين ليس خياراً صالحاً ،ففي ظل عدم وجود دعم اقليمي للقوى السنية العشائرية الضعيفة حتى الآن فإن الطرفين الأقوى هما الجماعات الشيعية الأكثر تطرفا وقرباً من إيران ، وتنظيم " الدولة الاسلامية " ، وانتصار أياً منهما ليس في مصلحة السعودية وسيعود عليها بالضرر ، أي أن خيار الوقوف على الحياد هو في حقيقته خيار انتظار وقوع الكارثة.

أما خيار الوقوف مع حكومة المالكي فهو خيار خارج دائرة التفكير السعودي تماما ، وهو أيضا فيما لو حدث ، سوف يضع النظام السعودي أمام غضب شعبي داخلي في وقت يسعى النظام لترسيخ شرعيته كنظام يدافع عن السنة  ، وكذلك الحال مع خيار دعم " الدولة الاسلامية " اذ هو خيار خارج دائرة التفكير السعودي تماما فالدولة تمثل تهديد مباشر للأمن السعودي ولا يمكن أن تغامر السياسة السعودية بدعمها. ورغم اتهامات نوري المالكي أن السعودية تدعم الدولة الاسلامية "داعش " فإن هذا الأمر يظل أقرب للمستحيل ، وقد أثنى مساعد وزير الخزانة الأمريكية في مارس الماضي على تعاون السعودية في تجفيف منابع تمويل القاعدة كما أن تواجد السعوديين بين أفراد "داعش" ليس دليلاً على دعم سعودي لها بل هو أحد العوامل التي تزيد من قدرات " داعش " على تهديد الأمن السعودي .

يظل الخيار الوحيد المتاح أمام السياسة السعودية هو في دعم القوى العشائرية في العراق لتقويتها وتعزيز نفوذها في الحرب التي تجري الآن في العراق وتوظيف ذلك للدفع نحو تغيير في العملية السياسية يجدد ثقة السنة بها من جديد مما يساهم من جهة في تقليص النفوذ الإيراني لا الغاءه بالكامل ،  ومن جهة آخرى في محاصرة تنظيم " الدولة الإسلامية ".

يعزز من هذا الخيار أن السعودية تحتفظ بعلاقات جيدة مع شيوخ العشائر في العراق الذين يشاركون النظام السعودي المفاهيم والقيم العشائرية  ، خصوصا في الأنبار والموصل ، ومن أبرزهذه العشائر في العراق ، شمر وعنزة والدليم ، وقد زار الرياض في مارس الماضي الأمين العام لحركة العدل والإصلاح الشيخ عبدالله الياور وهو من شيوخ عشائر شمر البارزين في العراق . وتهتم السياسة السعودية في العراق وسوريا بالبعد العشائري ، فقد كان أول رئيس للعراق تحت الاحتلال غازي الياور من شيوخ العشائر المقربين للسعودية ، كما هو الحال مع رئيس الائتلاف الوطني السوري الحالي أحمد الجربا ، ولكن جدوى هذه الرموز التقليدية في مواجهة صعود القوى الجهادية يظل أمراً مشكوكا فيه.

أما أكثر السيناريوهات كارثية بالنسبة للسعودية هو التقسيم العملي للعراق بين جنوب تسيطر عليها الميلشيات التابعة لإيران بشكل مطلق مما يعني ارتماء جنوب العراق بالحضن الإيراني بكل سهولة ، وبين غرب وشمال تسيطر عليه التنظيمات الجهادية وعل رأسها تنظيم الدولة الإسلامية ، أي أن يتقاسم خصومها من الجماعات المسلحة السنية والشيعية حدودها مع العراق .ولهذا ليس أمام السعودية هامش واسع من الخيارات ، فهي لا تريد إيران أو داعش على حدودها الشمالية ، و أفضل خيار لها أن تسيطر العشائر السنية على التمرد في العراق وتكون هي المهيمنة على الحراك المسلح لا داعش ، ثم تتمكن هذه العشائر في الدفع نحو حكومة وطنية تحافظ على وحدة العراق .

وفي هذه الأثناء ربما يحاول الأمريكيون اقناع السعوديين أنهم سوف يقومون بالضغط على نوري المالكي للتخلي عن منصب رئاسة الوزراء وسوف يدفعون الحكومة القادمة لإتباع سياسات معتدلة واستيعابية مع العرب السنة ، ولكن تجربة السعوديين الطويلة مع الوعود الأمريكية بجعل العراق سدا منيعا أمام النفوذ الإيراني ، ومقارنة الواقع العراقي اليوم وتمكن النفوذ الإيراني داخله مع تلك الوعود الأمريكية ، يجعل السعوديين يفكرون كثيراً قبل الثقة بوعود أمريكية جديدة.

  كلمات مفتاحية

مساع أميركية وعربية لتوحيد السنة في العراق