سحب الجنسية.. سلاح جديد تشهره السلطات المصرية في وجه المعارضين

الأحد 24 سبتمبر 2017 08:09 ص

جاءت موافقة الحكومة المصرية على مشروع قانون يمكِّنها من سحب الجنسية المصرية من الذين تصفهم بالانتماء إلى جماعات إرهابية داخل مصر وخارجها، بعد ساعات قليلة من وعد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، لضيفه المصري «عبد الفتاح السيسي» بإعادة النظر في قرار إدارته السابق بحجب 291 مليون دولار من قيمة المعونة الأمريكية لمصر.

وأثار مشروع القانون الكثير من التساؤلات عن أسباب مباغتة الحكومة المصرية الرأي العام المصري والعالمي بهذا القانون، وتوقيت الإعلان عنه قبل بضعة أيام من بدء دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب.

وعقب اجتماع مجلس الوزراء المصري، يوم الأربعاء الماضي، خرج رئيس الوزراء «شريف إسماعيل» ليعلن موافقة الحكومة على 11 قرارا، استهلها بمشروع قانون بتعديل قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975، لكن حديث رئيس الوزراء وما تبعه من بيان صحفي بنتائج الاجتماع، لم يتضمن أي تفاصيل خاصة بالوزارة أو الجهة التي اقترحت القانون، أو حتى أرقام المواد التي وافقت الحكومة على تعديلها في القانون.

وتؤكد النائبة «عبلة الهواري» عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، أن «البرلمان صاحب الفكرة ووزارة شؤون البرلمان نفذتها»، مضيفة لـ«هاف بوست عربي» أن مقترح القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء مؤخراً، أعده المستشار «عمر مروان» وزير شؤون مجلس النواب، ولكن الفكرة مستمدة من البرلمان.

بالرجوع إلى مضابط البرلمان، سنجد أن النائب «مصطفي بكري»، المقرَّب من الأجهزة الأمنية بمصر، تقدَّم في أول يناير/كانون الثاني الماضي، بمشروع قانون موقَّع من 105 نواب بالبرلمان بتعديل قانون الجنسية ليتضمن تمكين رئيس الوزراء من إسقاط الجنسية عن «الإرهابيين» أيضاً، لكن الحكومة رفضت المقترح لمخالفته للدستور.

التعديلات

اكتفى رئيس الوزراء المصري بذكر مضمون التعديلات، دون حديث عما إذا كان مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة في اجتماعها يتضمن تفاصيل أخرى تتعلق بآلية تنفيذ أو الآثار المترتبة على سحب أو إسقاط الجنسية، حدَّد رئيس الوزراء أولاً حالات سحب الجنسية المصرية كالتالي:

 -من اكتسبها عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة.

- من يصدر ضده حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، وأي كيان يهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة.

- من يصدر ضده حكم بالإدانة في جريمة مضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج أو الداخل.

وتضاعف التعديلات المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من مكتسبها الأجنبي، لتصبح 10 سنوات بدلاً من 5 سنوات، كما تضاعف مدة حصول الأجنبي على الجنسية عبر والدته المصرية لتكون سنتين بدلاً من سنة، ومنع الأبناء البالغين من اكتساب جنسية الوالدة المصرية، واكتفى بالأبناء القُصّر.

رفض حكومي سابق

ناقشت لجنتا الدفاع والأمن القومي، والتشريعية بالبرلمان، خلال جلسات دور الانعقاد الثاني المنتهي في 5 يوليو/تموز الماضي، مشروع قانون متكامل عن إسقاط الجنسية عن من سمتهم بـ«الإرهابيين»، لكن ممثلي الحكومة وقتها رفضوا المقترح؛ بسبب عدم التوافق على معايير إسقاط الجنسية عن المستهدفين بالقانون، بالإضافة إلى توقيع عقاب السجن عليهم، فمن ستكتفي بعقابه الجنائي فقط، ومن تسحب جنسيته؟ فضلاً عن الآثار المترتبة على إسقاط الجنسية عن المصريين، وما إذا كان ذلك سيمتد إلى أبنائهم وزوجاتهم أم لا، كما تضيف النائبة «عبلة الهواري».

وبرر ممثل الحكومة داخل اجتماع للجنة التشريعية الرفض بأنه «لا يجوز التمييز بين مجرم ومجرم، رغم أن كليهما ارتكبا جريمة تهدد الأمن القومي، وهناك عقوبات رادعة محددة في قانون العقوبات وبعض القوانين القائمة أشد؛ ومن ثم يوجد تمييز واضح وصريح».

المفارقة أن التعديلات التي أعلنها رئيس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، هي نفسها التعديلات التي سبق أن رفضتها حكومة «شريف إسماعيل» نفسها قبل 9 أشهر من الآن

وأشارت «الهواري» إلى أن النواب لم يطلعوا على مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة، ولا يعرفوا أوجه الشبه والاختلاف بينه وبين القانون الذي سبق أن رفضه البرلمان؛ بسبب الإجازة البرلمانية التي ستنتهي في 3 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، متوقعة أن تعرض الحكومة التعديلات على البرلمان في الجلسة الأولى له، المقرر لها 4 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

حالات سحب الجنسية قبل التعديلات

قانون الجنسية المعمول به في مصر منذ عام 1975، يمنح السلطة لرئيس الوزراء في المادة 15 منه، بإصدار قرار مسبب بسحب الجنسية المصرية من مكتسبها الأجنبي، في حالتين:

1- من يكتسبها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة خلال السنوات العشر التالية لاكتسابه إياها.

2- من يكتسبها بالتجنس أو بالزواج، وذلك خلال السنوات الخمس التالية لاكتسابه إياها، إذا حُكم عليه في مصر بعقوبة جناية في جريمة مخلّة بالشرف، أو في جريمة مضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج أو من جهة الداخل، أو إذا انقطع عن الإقامة في مصر مدة سنتين متتاليتين وكان الانقطاع بلا عذر يقبله وزير الداخلية.

كما يحدد قانون الجنسية الحالي لرئيس الوزراء 10 أسباب لإسقاط الجنسية:

1- إذا دخل في جنسية أجنبية قبل الحصول على إذن من وزير الداخلية المصري.

2- إذا قبِل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون ترخيص سابق يصدر من وزير الحربية المصري.

3- إذا كانت إقامته العادية في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج.

4- إذا قبِل في الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية وبقي فيها رغم صدور أمر مسبَّب إليه من مجلس الوزراء بتركها.

5- إذا كان بقاؤه في هذه الوظيفة من شأنه أن يهدد المصالح العليا للبلاد، وذلك بعد مضي 6 أشهر من تاريخ إخطاره بالأمر المشار إليه في محل وظيفته في الخارج.

6- إذا كانت إقامته العادية في الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للدولة بالقوة أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة.

7- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهي في حالة حرب مع مصر.

8- إذا كان عمله من شأنه الإضرار بمركز مصر الحربي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو المساس بأية مصلحة قومية أخرى.

9- إذا اتصفت الجهة التى يعمل بها في الخارج في أي وقت من الأوقات بالصهيونية.

دستورية التعديلات

يرى «محمد أبوالعينين»، أستاذ القانون الدستوري، أنه لا قيمة دستورية وقانونية لتلك التعديلات، كما يرى أن الحكومة تسير على خطى دول الخليج، خصوصاً الكويت والبحرين، في سحب الجنسية من المعارضين السياسيين، خاصة عدم توفر ضمانات لمحاكمات عادلة لعشرات الآلاف من الإسلاميين وأعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفين معهم، الموجودين في السجون دون مسوغ قانوني.

ويوضح «أبوالعينين» أن التعديلات التي أعلنتها الحكومة لا تضيف جديداً بخلاف الفقرة الأخيرة الخاصة بإسقاط الجنسية المصرية عن المصري الصادر ضده حكم في جريمة مضرّة بأمن الدولة، وهذا النص -وفقاً لأبوالعينين- «يخالف الدستور المصري، والاتفاقيات الدولية التي تحظر تجريد المواطنين من جنسياتهم»، مضيفا أنه يرى أن هذا القانون ما هو إلا بالونة اختبار، ولن تجرؤ الحكومة ولا البرلمان على إصداره؛ لأنه مصيره سيكون عدم الدستورية.

 المستهدفون بالتعديلات

الحكومة تريد من وراء هذا المقترح، إيجاد صيغة عقابية لآلاف الإخوان والإسلاميين وربما غيرهم من المعارضين السياسيين، في رأي الفقيه الدستوري «محمد أبوالعينين»، الذي يتوقع أن الحكومة ستختار من تلقاء نفسها من تريدهم من بين المدانين قضائياً، أو من بين المدرجين على قوائم الإرهاب.

ويضيف «أبوالعينين»: «يستهدف القانون معارضي الدولة المدانين بأحكام قضائية، والمعارضين الموجودين قيد الحبس الاحتياطي دون تهم حقيقية داخل السجون منذ 30 يونيو/حزيران 2013 حتى الآن، لكنها غير قادرة على تنفيذه، بل إن تنفيذه يضرها أكثر مما ينفعها».

موقف البرلمان

يتحدث أساتذة القانون عن مخالفة هذه التعديلات للدستور، ويتحدث نواب البرلمان عن عدم اكتراثهم، وقالت عضو لجنة الشؤون الدستورية بالبرلمان «عبلة الهواري» لـ«هاف بوست عربي»: «مفيش حاجة تمنعنا من إسقاط الجنسية عن الإرهابيين، لا حقوق إنسان ولا غيره».

المستشار «بهاء الدين أبو شقة»، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، قال: «الدستور لم يمنع الدولة من حقها أن تردع الإرهابيين».

 وأضاف أن «القانون سيُعرض على مجلس الدولة للمراجعة، قبل أن يناقَش داخل البرلمان، وإذا وجد قسم التشريع بمجلس الدولة شبهات عدم الدستورية يوصي بعدم إصداره، سندرس القانون وملاحظات مجلس الدولة حوله ولن نمرره إذا كان يخالف الدستور».

وتنص المادة 6 من الدستور على أن «الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية».

فرنسا وسحب الجنسية

رفع كثير من لواءات الجيش والشرطة في البرلمان شعار «في أوروبا والدول الديمقراطية، يسقطون الجنسية عن الإرهابيين»، مستشهدين بتجربة كل من فرنسا وبريطانيا.

وقال وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان العميد «محمد الغول»، إن فرنسا سبقت كثيراً من دول العالم في إدخال تعديلات تشريعية على قوانينها، تسمح بإسقاط الجنسية عن الإرهابيين والمدانين في الجرائم كافة التي تهدد الأمن، وكذلك بريطانيا التي أدخلت عام 2006 تعديلاً تشريعياً يسمح لها بإسقاط جنسية المواطن البريطاني الذي يرتكب جريمة تهدد النظام العام أو الأمن العام في بلاده.

في المقابل، أكد الفقيه الدستوري «محمد أبوالعينين» أن الاتفاقيات الدولية تحظر تجريد المواطنين من جنسيتهم الأصلية، مضيفاً أن الفلسفة التي يقوم عليها قانون الجنسية بمصر وفي غالبية دول العالم، هو سحب الجنسية من المتجنس بأكثر من واحدة، مضيفاً أن القانون الفرنسي يسمح بسحب الجنسية من المواطنين القادمين إلى فرنسا من دول أخرى، مثل الجزائريين مثلاً، ولكن لا توجد قوانين لا بفرنسا ولا في غالبية دول العالم تسمح بتجريد المواطنين من جنسياتهم، وتحويلهم إلى «من دون جنسية»، مثلما الحال في دول الخليج.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2015، وافق المجلس الدستوري الفرنسي على طلب من حكومة «مانويل فالس»، وقتها، بسحب الجنسية الفرنسية من «أحمد السحنوني» الفرنسي ذي الأصول المغربية، بعد إدانته في جرائم إرهابية.

مذكرة سحب الجنسية التي وافقت عليها أعلى سلطة قضائية في البلاد، ينظمها الفصل الـ25 من القانون، ويحددها في 5 حالات خاصة، منها التجسس لصالح جهات معادية، والقيام بأعمال إرهابية تضر بالأمن القومي الفرنسي.

ورغم هذه التهم، فإن المشرّع الفرنسي لا يُسقط الجنسية إلا عن أصحاب الجنسيات المزدوجة ممن اكتسبوا الجنسية الفرنسية خلال مدة 10 سنوات أو أقل، ويمنع إسقاطها عن المولودين فوق التراب الفرنسي أو أصحاب الجنسية الواحدة؛ لأن ذلك يعارض الاتفاقات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي وقَّعتها الدولة الفرنسية.

ومنذ 1998، تاريخ إدخال التعديلات على القانون الفرنسي المنظِّم لإسقاط الجنسية، لم تسجَّل سوى 8 حالات، أغلبها متعلقة بقضايا الإرهاب، بقرارات أصدرتها الحكومة ووافق عليها المجلس الدستوري.

تنفيذ التعديلات الجديدة

موافقة مجلس الوزراء المصري على تعديل قانون الجنسية، هي خطوة أولى تسبق إجراءات إصداره، التي تتطلب موافقة البرلمان بأغلبية تفوق الثلثين، ثم تصديق رئيس الجمهورية ونشر التعديلات في الجريدة الرسمية، إيذاناً ببدء سريانها.

بموجب القانون بعد تعديله، يبدأ التنفيذ على صعيدين:

1- يُصدر رئيس الوزراء قراراً بترحيل الأجانب الذين سقطت جنسيتهم إلى الدول التي يحملون جنسياتها.

2- تجرِّد السلطات المصريين الذين تسقط عنهم «المصرية» من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، بما فيها الإقامة والمواطنة والترشح والانتخاب والمشاركة في تأسيس الأحزاب والجمعيات وغيرها، ويتحولون إلى عديمي الجنسية «بدون».

ما بعد سحب الجنسية عن المصريين

لا يقدّم النص المقتضب للتعديلات تفاصيل واضحة عن التعامل الرسمي مع المصري الذي يفقد جنسيته على أرض مصر، لكن بموجب التعديلات، ستختار الحكومة من تريد، ويصدر رئيس الوزراء قراراً مسبباً بإسقاط الجنسية عنهم، لكن هذا لا يعني إبعادهم إلى بلد خارجي؛ لأن هذا مخالف للقوانين الدولية؛ ومن ثم سيتم عقاب الضحايا على خطوتين:

أولاً: قضاء فترة العقوبة داخل السجون.

ثانياً: الذهاب إلى مكان تحدده لهم الحكومة داخل الأراضي المصرية على طريقة «البدون» في بعض دول الخليج.

المصدر | هاف بوست عربي + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سحب الجنسية السيسي ترامب الإخوان المسلمين البدون الإرهاب البرلمان المصري مجلس الوزراء المصري