«فورين أفيرز» : لعبة النفط الخطرة .. لماذا تصر السعودية على خفض الأسعار؟

الخميس 8 يناير 2015 03:01 ص

سقط يوم الاثنين الماضي جنرالاً سعوديًا واثنان من حرس الحدود قتلى بالرصاص بطول الحدود السعودية  العراقية إثر اشتباكات مع مسلحين تردد أنهم تابعون لتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي سيطر على مناطق عراقية واسعة ويتحرك صوب الباقي. ويُعدّ هذا الهجوم هو الأول من نوعه منذ أن انضمت المملكة العربية السعودية إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم المسلح. ويأتي هذا وسط تساؤلات - داخلية وخارجية - بشأن صحة العاهل السعودي الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» البالغ من العمر 90 عامًا الذي يصارع الالتهاب الرئوي في المستشفى، بالإضافة إلى حالة عدم التيقن التي تلفُّ أسعار النفط العالمية.

وانخفضت أسعار النفط مؤخرًا تحت مستوى 50 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ مايو 2009م. وأرجع مراقبون الانخفاض إلى زيادة في المعروض جرّاء طفرة الصخر الزيتي الأمريكي مع انخفاض الطلب في ظل ركود النمو العالمي. واتجهت كل العيون صوب المملكة العربية السعودية التي تحتضن حوالي 73 % من الاحتياطي النفطي العالمي متطلعين إلى اتخاذها قرار بخفض إنتاجها من أجل استقرار الأسعار، لكن الرياض رفضت التعاون وكسرت عادة تقليدية لها وواصلت الضخ.

وعلى الرغم من حيرة بعض المحللين من ذلك التغيير الملفت للنظر في الاستراتيجية السعودية، إلا أن المنطق الاقتصادي البحت ربما يعطي تفسيرًا لسلوكيات الرياض؛ فبينما يكافح منافسو الرياض للحفاظ على معدلات ضخ إنتاجهم، تتطلع الرياض إلى زيادة نصيبها في السوق في محاولة منها لتلافي الأخطاء التي ارتكبتها في أزمات سابقة تراجعت فيها أسعار النفط. وسيكون الحفاظ على الأسعار في حدود 50 - 60 دولار لمدة عام أو اثنين ذا تداعيات كبرى. وانخفض الاستثمار في قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة بنسبة 37% العام الماضي وسط توقعات باستمرار مزيد من التراجع ولن تسلم أماكن أخرى من الشيء ذاته. ويمكن للغاز الرخيص الثمن كما يدفع لاستهلاك نحو جعل المركبات الموفرة للطاقة وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية أقل من حيث التكلفة التنافسية. وبناءً عليه؛ فإن الحد من المنافسة العالمية الآن ربما يمهد الطريق لارتفاع أسعار حاد في المستقبل.

ومن الصعب التصديق أن المملكة العربية السعودية لا تدرك العواقب الجيو سياسية المترتبة على تلك المقامرة؛ لأن أسعار نفط أقل تعني إيرادات أقل للدول النفطية البترولية والتي تشمل غريمتي الرياض؛ إيران وروسيا. ويتسبب أي تراجع في الأسعار من الناحية السياسية في زعزعة استقرار حكومات طهران وموسكو في الوقت الذي لن تعاني فيه المملكة أي مشكلات. والأهم من ذلك؛ هو أن هذا التراجع سيضع ضغوطًا على إيران للحد من برنامجها النووي، وعلى روسيا لتغيير سياستها تجاه أوكرانيا.

لكن في النهاية؛ تبقى الدوافع وراء تغيير الاستراتيجية السعودية أقل من نتائجها المحتملة؛ والتي قد تأتي سلبية تمامًا.

وعلى الرغم من القدرة المعقولة للمملكة في تسعير النفط فإن إنتاج النفط والغاز الأمريكي من المحتمل أن يتراجع لفترة من الوقت، لكنه سيرتد في النهاية. وسوف يتباين تأثير ذلك من موقع إلى آخر؛ حيث إن بعض حقول الصخر الزيتي يمكنها فقط تحقيق أرباح إذا تراوح سعر البرميل بين 50 - 60 دولار. ولكن سهولة تخزين وتصفية الصخر الزيتي (الحلو) مقارنة بالنفط السعودي (الحامض) تعطي ميزة للولايات المتحدة التي قد تحل محل المملكة وتنتزع منها لقب «المنتج المرجح» القادر على إصلاح عدم التوازن بين العرض والطلب.

ولن تتسبب الآلام التي تطال طهران وموسكو من اللعبة السعودية بالضرورة في تقديم تنازلات أو تدفعهما للتعاون، ولكن قد يحدث يحدث النقيض فتضاعف إيران دعمها للأسد وتوسع جهودها لزيادة التمدد الشيعي في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية. وعلى الجانب الآخر؛ قد يستغل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ذلك في إثارة موجة من الدعم الوطني له من خلال إلصاق التردي الاقتصادي الروسي بمؤامرة أمريكية سعودية للإطاحة بنظامه. وحتى الآن لم تبد روسيا أي استعداد لسحب قواتها من شرق أوكرانيا على الرغم من تراجع الروبل.

أما المخاطرة الكبرى المرتبطة بتغيير الاستراتيجية السعودية فهي داخلية وليست خارجية. خسارة إيرادات تبلغ 89 مليار دولار عام 2015م على فرضية أن سعر البرميل سيتراوح حول مستوى 55 دولار لن يتسبب في ثورة اجتماعية، لكن التخفيضات في موازنة أنواع الدعم الاجتماعي والأجور التي تستهلك نحو 50% من معدل الإنفاق قد تنتج عنهها خسائر غير متوقعة. وقد يتسبب زيادة معدل البطالة في تقويض استقرار المملكة أقرب بصورة أسرع مما يتوقع حكامها. كما يتوقع أن تستغل إيران ذلك في تحريك الاضطرابات بالمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية والغنية بالثروة النفطية. ويتردد أن مسئوليين سعوديين أخبروا دبلوماسيين ومحللين نفطيين سرًا أن بلادهم تراهن على احتياطيها من النقد الأجنبي البالغ نحو 750 مليار دولار لمقاومة أي عاصفة مالية قصيرة المدى وتفادي أي عجز في الموازنة.

ولا تُلقي الحكومات بكل أوراقها أثناء اللعب إلا في وقت الثقة المُفرطة أو القلق البالغ، واستراتيجية النفط التي تنتهجها السعودية لا تعكس تلك الثقة. وفي ظل الوضع الصحي المتدهور للملك «عبد الله»، والتنافس المحتمل على الخلافة، والضغوط الداخلية من أجل التغيير، والصراع في اليمن المجاور، وتهديدات «الدولة الإسلامية» تكون الرياض قد اختارت وقتًا غريبًا مشحونًا بالتوتر والفوضى وعدم اليقين لإطلاق مبادرتها الجيوسياسية الأجرأ في عالم النفط منذ صفقة «النفط مقابل الأمن» التي وقعتها مع الرئيس الأمريكي السابق فرنكلين روزفلت عام 1945م.

المصدر | فورين أفيرز – بلال ساب وروبرت مانينج

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

رئيس فنزويلا يعتزم خفض رواتب الحكومة بسبب تراجع أسعار النفط

فورين بوليسي: انخفاض أسعار النفط لغز في ظل اشتداد الحروب والقلاقل العالمية

وول ستريت جورنال: طبول الحرب تقرع في أوبك

كيف أثرت منافسات الجغرافيا السياسية على أسعار النفط؟

«واشنطن بوست»: هل تدفع هزة النفط الأخيرة السعودية إلى تنويع اقتصادها؟

مستشار وزيرالبترول السعودي: أسعار النفط في طريقها للاستقرار وستواصل الصعود

خطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي في حرب أسعار النفط

أسعار النفط تهوي دون 55 دولارا بعد الإعلان عن حجم إنتاج قياسي للسعودية

«الإرباك».. خطة اللعب الجديدة للسعودية في سوق النفط