استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فقدان الثقة في الدولة العربية

الخميس 12 أكتوبر 2017 07:10 ص

بعد استقلال كل الأقطار العربية وخروجها من تحت عباءة الاستعمار الغربي، ومن ثم ولادة الدولة الوطنية الحديثة، آمن الإنسان العربي بتلك الدولة وعبّر عن حبه وولائه للوطن بشتى الصور. تولد ذلك الإيمان ونبع ذلك الحب من اعتقاد راسخ باستطاعة تلك الدولة الفتية أن تقوم على الأقل بمهام أساسية ثلاث:

أولا المحافظة على استقلال وحرية الوطن، وعدم السماح بعودة الاستعمار في أي شكل كان.

ثانيا القيام بمسؤوليات الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم والصحة والإسكان والتوظيف، والتأكد من حصول المواطن على نصيبه العادل من ثروة الوطن، بما في ذلك دخل شهري معقول كاف له ولعائلته.

ثالثا المحافظة على الأمان والسلم الأهلي والتعددية المجتمعية، من خلال استعمال القوة الشرعية القانونية والمساواة في المواطنة. وكان المواطن العربي على استعداد أن يغض الطرف عن كثير من حقوقه ومطالبه الأخرى، على الأقل مؤقتا، إذا تأكد من قيام سلطات الدولة بتلك المهام الثلاث بكفاءة وعدالة قانونية وتساو في الفرص إلى أبعد الحدود الممكنة.

ولعل من أبرز وأخطر المطالب التي قبل المواطنون بتأجيلها عن طيب خاطر كان مطلب الديمقراطية السياسية، كمبادئ ووسائل لإدارة دفة الحكم من جهة، وتنظيم المجتمع المدني من جهة أخرى.

كان واضحا منذ البداية أن تحقيق تلك المطالب الكبرى في واقع الإنسان العربي اليومي يتطلب، على الأقل، عملُيات إصلاحية كبرى، إن لم تكن في شكل تغييرات ثورية جذرية، كما طالب بها البعض. لكن مرُت السنون والعقود لتنكشف الحقيقة الصادمة التي يراها المواطن العربي اليوم جلُية أمامه:

ـ فشل الغالبية الساحقة من الدول العربية في حماية استقلالها الوطني، في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، بعد أن عادت الجيوش ومنحت التسهيلات وعقدت المعاهدات وهيمنت عواصم الخارج على ما يجري في الداخل.

ـ فشل الغالبية الساحقة في بناء تنمية إنسانية مستدامة، خصوصا بعد أن أصبح القرار الاقتصادي العربي تابعا لقوى الاقتصاد العولمي، وبعد ان تراجعت خدمات الرعاية الاجتماعية العامة لصالح الخدمات الخاصة الجشعة.

ـ فشل الغالبية الساحقة في المحافظة على سلمية التعددية الاجتماعية، وأمن المواطن العادي، بعد أن دخلت المجتمعات العربية في صراعات طائفية مجنونة، وبعد صعود البربرية الإرهابية، بتواطؤ خارجي مع الداخل لتنشر في طول وعرض بلاد العرب الرعب والممارسات المتوحشة، باسم قراءات متخلفة متزمتة كاذبة لدين الرحمة والقسط والميزان والأخوة البشرية.

اليوم تواجه الدولة العربية الحديثة أكبر تحد أمامها: تحدي إرجاع ثقة المواطن العربي في قدراتها على حمل المسؤوليات المناطة بها، خصوصا بعد أن فشلت محاولاته الأخيرة عبر السنوات السبع الماضية، ليكون له دور مشارك فاعل في حمل تلك المسؤوليات وذلك من خلال الانتقال من النظام الاستبدادي الفاسد إلى نظام ديمقراطي سياسي اقتصادي عادل. هنا نحتاج إلى أن نتساءل :

هل تعي الأنظمة السياسية العربية خطورة ومعاني ونتائج ظاهرة فقدان ثقة المواطن في الدولة التي ينتمي إليها؟

هل تعي أن وصول المواطنين إلى تلك الحالة النفسية – الشعورية – العقلية من الضياع ومن فقدان المرجعية الوطنية، سيعني فتح صندوق بندورا الشهير المملوء بالشياطين والأشباح وكل أنواع الشرور؟

هل تعي أن المواطن سيتجه إلى أية جهة خارجية أو داخلية تعده، سواء بصدق أو بكذب، بقدرتها على أن تحل محل الدولة في توفير متطلباته الحياتية الضرورية؟

عند ذاك من يلوم المواطن إذا استجار بالقوى الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية، بدلا من سلطات دولته؟

بل من سيلومه إذا توجه لكل أنواع القوى الخارجية لمساعدته أو حمايته أو إغرائه، ليخدم أهدافها السياسية والاقتصادية الإمبريالية، أو لينخرط في ألاعيب ومؤامرات أجهزة استخباراتها المتعددة؟

وإذا لم يفعل المواطن أيا من تلك الحماقات، ألن ينكفئ على ذاته ليبالغ إلى حدود الهوس في ممارسة التخلُص من كل التزاماته تجاه الدولة والمجتمع، وبعده في ممارسة حريته واستقلاله الذاتي، حتى ولو قادت تلك الممارسات إلى المجون الاجتماعي، وسقوط الأخلاق العامة، وانتشار الفساد الذممي؟

لن يحتاج المواطن العادي إلى أن يمعن فكره ويشحذ همته ليصل إلى ذلك الانفلات الذاتي المجنون. إذ انه سيجد معينه في ما تقدمه الثقافة العولمية من سلعنة متزايدة نهمة لكل شيء، كما هو الحال الآن في مجالات الرياضة والفنون والموسيقى والعلاقات الأسرية، والاستهلاك النهم لكل المغريات المادية، من غذاء وشراب ولباس ومخدرات.

ليس هنا مجال الدخول في تفاصيل ما يجب أن تفعله الدولة العربية لاسترجاع ثقة المواطن بها وبقدراتها. فهذا موضوع من صميم مسؤوليات مؤسسات الفكر والبحوث وشتى العلوم.

وهو أيضا من صميم مسؤوليات المؤسسات السياسية في المجتمعات المدنية، التي آن لها أن تخرج من حالة السُبات الفكري السياسي الذي تعيشه لتتناغم مع حالات التغيير الكبرى التي تعيشها مجتمعات بلاد العرب.

إن الهدف هو جلب انتباه أنظمة الحكم العربية إلى وجود وتصاعد وتعقد ظاهرة عدم الثقة تلك، وإلى ضرورة القيام بمسؤولياتها السياسية والأخلاقية في معالجة تلك الظاهرة، من خلال معالجة أسبابها. لقد وصلنا إلى مرحلة: إما استرجاع الثقة في الدولة العربية الحديثة أو مواجهة الجحيم بشياطينه وأشباحه وحرائقه.

* د. علي محمد فخرو كاتب بحريني

  كلمات مفتاحية

الأنظمة السياسية العربية فقدان الثقة في الدولة العربية الإرهاب ولادة الدولة الوطنية استقلال الوطن الرعاية الاجتماعية السلم الأهلي