خلف ستار المصالحة: الكونفيدرالية الأردنية الفلسطينية.. تلميح أمريكي وقبول إسرائيلي

السبت 14 أكتوبر 2017 10:10 ص

بصمت وترقب، يتابع الأردن دون تعليق مسار أحداث المصالحة المتسارعة في قطاع غزة، وترصد عمان كيف يتدخل مكتب الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» مباشرة وبثقل لتسليك نقاط إعاقة المصالحة كلها، وتؤمن بأن ذلك يجري بدعم مباشر من مكتب الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وسط أحاديث أمريكية عن كونفيدرالية فلسطين والأردن، ما يعني إعادة الارتباط من جديد بين ضفتي نهر الأردن.

ونقلت «القدس العربي» عن «مصدر فلسطيني مطلع» تفاصيل حوار مهم دار بين ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس حينما استخدم الأول عبارة «علاقة كونفيدرالية مع الأردن ضمن تسوية الحل الإقليمي» فكان جواب الرئيس عباس كما يلي: «فخامة الرئيس لا ينفع ذلك.. أعطوني دولة مستقلة في الضفة الغربية بأي صيغة وبعدها ترتبط بعلاقة كونفيدرالية»، وهو ما يعني أن هناك تصورا أمريكيا بذلك الشأن، دولة فلسطينية اسما، تتبع الأردن في الدفاع وربما الاقتصاد وأمور أخرى.

محللون رأوا في في الحراك الأخير في غزة ومصر، مخرجا لـ(إسرائيل) التي بدأت تشعر بحاجتها الملحة ليس للتخلص تماما من قطاع غزة، بل لـ«دولة فلسطينية بأي مكان» تساعدها في معالجة أزمتها الداخلية المتنامية.

عمّان تراقب أيضا إعلان تمديد الأحكام العرفية بمصر لثلاثة أشهر تمهيداً -بتقدير خبراء- لتغيير وتحريك محتمل في «جغرافيا سيناء» على أساس المستجدات السريعة.

والاتحاد الكونفيدرالي هو رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا واحدا، لكنه في السياسة الحديثة، تعني كونفيدرالية اتحادا دائما للدول ذات السيادة للعمل المشترك فيما يتعلق بالدول الأخرى، عادة ما تبدأ بمعاهدة ولكنها غالبا ما تلجأ في وقت لاحق لاعتماد دستور مشترك، والتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية أو العملة المشتركة، بشكل موحد.

السياسي الأردني المخضرم عدنان أبو عودة المفارقة قال على هامش ندوة إشهار كتابه الجديد إن وصول قطار التسوية بعد المصالحة المتسارعة في قطاع غزة بين حركتي حماس وفتح إلى مساحة الضفة الغربية قد يعني مجدداً نفض الغبار عن ملف قرار فك الارتباط الإداري والقانوني بين «الضفتين».

ويعني ذلك عمليا أن «العلاقة الإدارية» بصرف النظر عن شكلها سيقف عليها الجميع سلبا أم إيجابيا باتجاه تعزيز وتثبيت «الفك» أو إعادة «الوصل» عندما يبدأ الفرقاء في التحدث عما سماه علناً الإعلامي الفلسطيني ناصر اللحام بـ «صفقة القرن».

وبرأي أبو عودة، قد تفسر هذه القناعة «صمت» الأردن الرسمي عن التعليق على مسار أحداث المصالحة المتسارعة في قطاع غزة لأنه لا يتخيل مجدداً أن (إسرائيل) معنية ولأي سبب بمغادرة الضفة الغربية أو إقامة «دولة فلسطين» فيها مباشرة ولا يزال يصر على التحدث عن حل إقليمي بغطاء دولي يعني الحديث عن السكان أكثر بكثير من «الأرض».

كما ترصد عمّان كيف يتدخل مكتب السيسي مباشرة وبثقل لتسليك نقاط إعاقة المصالحة كلها وتؤمن بأن ذلك يجري بدعم مباشر من مكتب ترامب ونخبتها تشعر بأن الانقلاب الإسرائيلي الأخير على الأردن بعد حادث جريمة السفارة قد لا يكون المشهد الأخير في ظل المستجدات الحادة المتسارعة.

الأردني والفلسطيني معا اليوم في مواجهة لحظة الحقيقة حيث «حتمية» الجغرافيا وسيادة وتصدر منطق النهر القديم والعظيم، بحسب رؤية السياسي الأردني، لكن بالمعنى الإجرائي لا توجد أدلة وقرائن مباشرة على أن ملف الضفة الغربية مباشرة بحث مع الأردن الرسمي وبأية صيغة مرسومة وتفصيلية.

وإن كان خيار «حل الدولتين» يغيب في القاموس السياسي الأردني وبوضوح خلال الأسابيع الأخيرة للحديث عن «جدية» ترامب في «إيجاد حل» لأقدم قضايا الشرق الأوسط وهو أمر ظهر وفي أكثر من مناسبة من بينها لقاءات وحوارات ملكية مغلقة مع شخصيات وأعيان.

تتوقف الأردن لدراسة وتمحيص تلك الخلفيات التي تجعل مشروع المصالحة أكثر من مجرد «ورقة إقليمية مصرية» أو «مد للنفوذ المالي والاقتصادي الإماراتي نحو البحر المتوسط» بل مشروع إماراتي مصري يأخذه السيسي على محمل شخصي ويتطلب منه إعلان تمديد الأحكام العرفية لثلاثة أشهر تمهيداً بتقدير خبراء لتغيير وتحريك محتمل في «جغرافيا سيناء» على أساس المستجدات السريعة.

يؤشر ذلك على مسألة في غاية الحساسية: العلاقة الكونفيدرالية تلوكها الألسن الأمريكية.. يضع عباس والسلطة الفلسطينية لها شروطا، ويصمت في مواجهتها الأردن ممتنعاً عن التعليق حتى اللحظة، وهي اليوم ملف لا يتعلق بسيناريو محتمل فقط بل يبرز مجدداً في ظل مستجد في غاية الأهمية يتمثل في رعاية المنظومة الأمنية المصرية لقطاع غزة والمصالحة المباغتة.

ثمة من يرفض من المثقفين السياسيين التقليل من أهمية الحراك الأخير في غزة ومصر، فـ(إسرائيل) نفسها بدأت تشعر بحاجتها الملحة ليس للتخلص تماما من قطاع غزة، بل لـ «دولة فلسطينية بأي مكان» تساعدها في معالجة أزمتها الداخلية المتنامية.

الدكتور مروان المعشر وزير البلاط الأردني الأسبق وأول سفير للأردن في تل أبيب من أصحاب الرأي الذي يقول بصعوبة استمرار الوضع الإسرائيلي وجودياً وسياسياً كما هو لعدة أسباب من أبزرها السؤال الديموغرافي.

وعند الاستيضاح يسأل المعشر عن تصورات اليمين الإسرائيلي المتطرف حول مصير ستة ملايين فلسطيني في وجه ستة ملايين يهودي معًا في أرض فلسطين التاريخية…أين يذهب هؤلاء ما دام اليمين المتطرف يرفض دولة ديمقراطية موحدة ويقاوم حل الدولتين؟

أثبت الفلسطيني قدرته على البقاء في أرضه وتشبثه بها ولن يغادرها وبالتأكيد لا تستطيع (إسرائيل) اليوم إقناع العالم بأن ستة ملايين فلسطيني ينبغي أن يتم تهجيرهم أو ترحيلهم أو حتى قتلهم أو بقاؤهم وحدهم بلا «دولة».

ذلك تقدير يقترب من وجهة نظر المعشر. لكن الأهم هو أن المؤسسات الأردنية العميقة قرأت أيضاً وبصمت مؤخرًا معطيات الأرقام لإعداد تقرير خاص، وتم رصد المفاجأة الأهم وفقاً لما علمت به «القدس العربي»: عدد الفلسطينيين فيما يسميه المجتمع الدولي اليوم بـ(إسرائيل) يفوق عدد اليهود في فلسطين التاريخية بـ 400 ألف إنسان على الأقل.

المفاجأة الثانية كانت كالتالي: برغم كل سياسات الاحتلال والعنف والتشريد والقتل والفتك والحروب المجتمع الفلسطيني في فلسطين صامد وباق في الأرض ويتكاثر فيما هاجر نحو 730 ألف يهودي وغادروا إسرائيل في الأعوام العشرة الماضية و(إسرائيل) تتحول إلى جزيرة معزولة تخص المتشددين دينياً فقط، فيما يغادرها الليبراليون والطبقة الوسطى، تلك بكل حال قراءات ومعطيات تقرأها أجهزة الدول على خلفية حراك المصالحة العنيف مؤخراً .

  كلمات مفتاحية

كونفيدرالية نهر الأردن الضفة الغربية المصالحة الفلسطينية