استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العراق بين وعي المرحلة أو الخسارة

الاثنين 23 أكتوبر 2017 05:10 ص

كان المطلوب أن يبقى العراق مشغولا بازماته الداخلية حتى يستحيل عليه استعادة قوامه والحفاظ على حدوده. في البدء كان هناك مشروع التقسيم وفق خطوط التباين الطائفي بعد ان انبرت المجموعات السياسية والإرهابية للتمرد على النظام المركزي، ولما فشل ذلك المشروع ظهر مشروع الدولة الكردية بدعم إسرائيلي مكشوف.

كان من نتيجة خطط تلك القوى أن دخلت أمة العرب في نفق ضيق مظلم من التناحر الداخلي والتراجع كان يصعب على الكثيرين تصور الخروج منه. وما تزال هذه الامة تئن من جراحها الدامية التي شهدت ظهور قيادات غير مؤهلة لقيادة أمة ناهضة تسعى للتغيير وتصر على التحرر وتؤمن بالتكامل مع المشروع الانساني الاوسع، وتتصدى للفساد والانحراف والظلم والاحتلال.

وكان المال النفطي أهم سلاح لدى القوى التي عملت لابقاء ركب الامة متخلفا عن العالم ومتقوقعا على الذات ومتخليا عن الادوار المنوطة بالجيل الحاضر الباحث عن الحرية والكرامة.

كان كل ما مر به العراق في السنوات الأربع عشرة التي اعقبت سقوط النظام السابق، موجها لضمان تراجع ذلك البلد وأفول شمسه ومنع تحوله إلى أيقونة تستحق المحاكاة.

فبدلا من المشروع الديمقراطي المؤسس على مبدأ «لكل مواطن صوت» فرض على العراق مبدأ المحاصصة التي كانت سببا لمشاكل معوقة للممارسة الديمقراطية والتناحر المتواصل والتدخلات الخارجية.

وبدلا من تقوية الدولة المركزية طرح مشروع «الفيدرالية» في محاولة خبيثة لإضعاف البلاد والتمهيد لتحويله إلى كانتونات قائمة على أسس الانتماء العرق والمذهبي. ونتيجة ضعف الادارة المركزية استشرى الفساد في اوصال الدولة وحال دون قيام كيان سياسي متماسك يحترمه مواطنوه. فالفساد كان قاصمة ظهر مشروع بناء الدولة الحديثة، مدعوما بالامراض الاخرى التي ذكرت.

ورب ضارة نافعة كما يقال. فإذا كان دخول «داعش» العراق وسيطرته على قرابة ثلث البلاد واقترابه من العاصمة بغداد، قد سجل أكثر نقطة سوداء في التاريخ العراقي الحديث، فإنها ساهمت في اشعال جذوة الشعور الوطني ودفعت البلاد بكافة أطيافها لإعادة النظر في مسيرة العقد الذي سبق ذلك ودفعت الجميع للتكاتف مجددا لمواجهة ذلك التهديد الذي كاد يؤسس للتقسيم.

الأمر المؤسف ان ينحاز مفكرو العراق ومثقفوه لحاضناتهم العرقية والمذهبية بدلا من الشعور بالانتماء للبلد العريق الذي احتضن كبرى حضارات العالم والذي أسس مبادئ القانون منذ ايام حمورابي.

يومها كان تنظيم داعش قادرا على اختراق العراق والسيطرة على ثلث اراضيه، واحتاجت ردة الفعل العسكرية اكثر من اربعة شهور قبل ان تبدأ اولى العمليات الكبرى بمنطقة «جرف الصخر» لتطهير محيط بغداد من الخطر الداعشي.

هذه المرة لم تستغرق ردة الفعل العسكرية سوى عشرين يوما للسيطرة على كركوك وكافة المناطق التي وضع الاكراد ايديهم عليها في السنوات الثلاث الماضية (من 25 أيلول/سبتمبر، يوم الاستفتاء على مشروع الانفصال الكردي حتى 15 تشرين الأول/اكتوبر، يوم استعادة كركوك ومحيطها).

وهذا يعكس ما احدثه اختراق داعش الاول في تموز/يوليو 2014 من هزة في عمق الدولة العراقية ومؤسساتها الاجتماعية خصوصا الدينية منها. يومها كان للفتوى التي اصدرها المرجع الديني السيد علي السيستاني، دورها في تأسيس قوة شعبية لمواجهة داعش وفرت دعما للقوات المسلحة وافهمت الأمريكيين وحلفاءهم ان العراق قادر على الدفاع عن اراضيه حتى بدون دعمهم.

هذه المرة كان لفتوى المرجعية الدينية بضرورة الحفاظ على وحدة العراق دورها كذلك في التحرك العسكري الذي استعاد منطقة كركوك وأضعف وهم تفتيت العراق. وتبع ذلك فتوى اخرى بضرورة إعادة التلاحم مع المكون الكردي بدلا من استعدائه.

ومن غير الانصاف تجاهل حقيقة مهمة ان القرار الكردي لم يكن حكيما لاعتبارات عديدة ولذلك لم يحظ باجماع المكونات الكردية، الامر الذي سهل على بغداد تحقيق اختراق معنوي للحالة الكردية وإنهاء المشروع الذي طرحه مسعود البارزاني. فقد أحدث اصراره على اجراء الاستفتاء تقاربا قويا بين إيران وتركيا والعراق لمنع قيام كيان كردي يؤثر على الدول الثلاث بالاضافة لسوريا.

نجح العراق حتى الآن في تسديد أهداف عديدة بملعب قوى الثورة المضادة التي من بين أهدافها تفتيت المفتت وتقسيم المقسم من هذه الامة. استطاع تحقيق ذلك على مستويات ثلاثة:

أولها: انه اوقف مشروع التقسيم بالتصدي لانفصال الكرد في دولة مستقلة.

ثانيها: سدد ضربة قوية للإرهاب الذي تمثله داعش بشكل خاص بعد أن انتزع منها كافة المواقع التي احتلتها قبل اكثر من ثلاثة أعوام.

ثالثها: انه تصدى للطائفية وافشلها كمشروع بديل لوحدة الامة. وقد ساعدت تلك القوى العراق في مهمته. فالسياسات السعودية التي روجت الطائفية والتطرف ودعمت الإرهاب وتصدت لمشاريع التغيير بضرب الربيع العربي، اخفقت في حراكاتها ومبادراتها سواء في العراق ام في الاقليم.

وعندما كان سفيرها، ثامر السبهان، يتصرف في بغداد وكأنه الحاكم الفعلي لذلك البلد، كانت تصرفاته تثير الاشمئزاز لدى قطاعات عراقية عديدة، الامر الذي أفشل مهمته وأعاده إلى السعودية.

الأمر الآخر ان التحالف الرباعي بقيادة السعودية الذي استهدف قطر ساهم في اضعاف موقف قوى الثورة المضادة واظهرها عاجزة امام بلد صغير عن تحقيق أهداف خطتهم ضد قطر. لقد أصيبت الرياض وابوظبي والقاهرة والمنامة بضربة موجعة بعد ان ظهر استحالة نجاح مشروع التصدي لقطر.

ومع الاخفاقات المتكررة في العدوان على اليمن الذي تشارك فيه الامارات ومصر والبحرين بجانب السعودية، وتصاعد الدعوات الدولية لوقف العدوان والتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت، أصيبت الحكومة السعودية بالارتباك فاتخذت خطوات غير مسبوقة تجاه العراق واستقبلت مقتدى الصدر وتستعد لاستقبال رئيس وزراء العراق هذه الايام.

وترتكب الحكومة العراقية خطأ كبيرا بالتماهي مع السياسات السعودية الجديدة التي لم تكن لتحدث لولا اخفاقاتها في المحاور الأخرى. التوجه السعودي تجاه العراق جاء هذه المرة من موقع ضعف وتراجع، لأن حظوظ السعودية في بؤر الصراع التي ساهمت في إذكاء نيرانها، تراجعت كثيرا.

فهي عاجزة عن حسم الحرب على اليمن، ولم يؤد تدخلها في البحرين لتغير جوهري في موازين القوى او اخماد المعارضة للنظام الحاكم، كما ان تدخلاتها المباشرة في سوريا والعراق لم تحقق اهدافها.

 وحتى انفاقها مئات المليارات لاستجداء الدول الغربية لم يوفر لها حماية من النقد المتواصل من قبل الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني الغربي.

هكذا توجهت السعودية نحو العراق «هروبا إلى الامام» ومحاولة لتعويض ضعف موقفها داخل مجلس التعاون الخليجي الذي بدأ يتراجع. وهناك امتعاض على الصعيد الشعبي العربي من التقارب السعودي الاسرائيلي، خصوصا مع تصاعد التآمر الاسرائيلي على شعوب العرب وتصعيد سياساته التوسعية ببناء المزيد من المستوطنات وتهويد مدينة القدس واستهداف المسجد الاقصى بالاقتحامات اليومية.

السعوديون يسعون لاستغلال البوابة العراقية لاعادة التموضع السياسي في المنطقة بعد أن تلاشت بؤر تأثيرها.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العراق السعودية كردستان الطائفية التفتيت الأزمة الخليجية الثورة المضادة