فيلم «إنقاذ الجندي ريان»: هل تعالج الكوارث بدعوات الأمهات؟!

الأربعاء 22 نوفمبر 2017 09:11 ص

فيلم «Saving Private Ryan أو إنقاذ الجندي ريان» الذي يبلغ قرابة 170 دقيقة من الأفلام النادرة التي يقف عقبها المُحلل الفني مندهشًا من قدرة السينما الأمريكية على الالتفاف واستخدام تقنيات السينما ببراعة فائقة والتلاعب بالمضمون للوصول إلى هدف ساذج طرحته هوليود عبر مئات الأفلام، ببصمات مختلفة لتقر جميعها، بما فيها فيلم اليوم في أذهان مواطنها وجميع الذين جاؤوا إلى هذا العالم في حقبة سيادة الحضارة الغربية وبعد تفرد الأمريكيين بقيادة العالم دون منافس أن «العم سام» ومواطنوه أفضل أهل الأرض وأجدرهم بهذه المكانة.

مخرج الفيلم الأمريكي من أصل يهودي «ستيفن سبيلبرغ» (مواليد نهاية عام 1948) جمع بين القدرة الفنية والخبرة الحياتية، أو باختصار وبلغة اليوم والحضارة الأمريكية «عرف من أين تؤكل الكتف»، ولعله لهذا السبب قال في افتتاح فيلم اليوم (في 24 من يوليو/تموز 1998): «هدفي هو أن أعرض للناس ولأصحاب القرار بشاعة وفظاعة الحروب على البشرية، وأن أجعلهم يفكرون جيداً قبل أن يؤيدوا حربًا أو يشاركوا فيها».

التصريح السابق سواء بسواء يُشبه تمامًا تصريحات السياسيين الأمريكيين حول محاولتهم تجنيب العالم ويلات الحروب؛ وهم الذين يشعلونها في كل مكان من هذا؛ فالفيلم المعد خصيصًا ليبدو الأمريكيان «توم هانكس» و«مات ديمون» أو «جون ميلر» و«جيمس فرانسيس رايان»، الأكثر جدارة بالحياة لقتالهم بشرف وإنسانية عدوهم، وخيانة الأخير أو الألمان (الأوغاد) تحديدًا لهم.. هو في النهاية لتقبيح الحروب بحسب المخرج «سبيلبرغ».

الكراهية لا تفنى ولا تستحدث

المُسلمة العلمية بأن المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم لها أصل عميق في فيلم اليوم، إذ يُصور صُنّاعه كراهية الألمان على وجه الخصوص من دول المحور في الحرب العالمية الثانية على أنها لا تفنى ولم تستحدث من عدم، حتى بعد زيادة عن 70 عامًا من نهاية الحرب العالمية الثانية وقرابة قرن على نهاية الأولى، وكيف تفنى والمخرج هو القائل إنه مستعد للموت من أجل (إسرائيل)؟

وهو المُعالج في فيلم اليوم بمنتهى القسوة لقصة الفيلم التي اختارته اللجنة الوطنية في مكتبة الكونغرس ليحفظ في سجلاتها لأهميته الثقافية والتاريخية والجمالية، بحسب الكونغرس، ونال الفيلم 5 جوائز أوسكار منها أفضل مخرج لـ«سبيلبرغ»، لكنه نجا من أفضل فيلم ليحوزه فيلم «شكسبير عاشقًا»، فيما اعتبره البعض ظلمًا لمخرج فيلم اليوم.

قيل إن معدو الفيلم جمعوا موادًا من 20 معركة حقيقية ليكون الفيلم أقرب إلى نقل الدراما الحربية إلى الشاشة، وهو الأمر الذي نقله الفيلم بنجاح للحقيقة، خاصة أن نحو 25 دقيقة من بدايته دارت في إطار تصوير هجوم قوات الحلفاء على ساحل «أوماها» الفرنسي في 6 من يونيو/حزيران 1944 كنقطة من 5 محاور لإنزال قوات الحلفاء خلال غزو نورماندي، وهي المعركة التي حازها الحلفاء بعد خسائر كبيرة من الطرفين.

وبرع المخرج في تصوير عمليات القتل على نحو بالغ الدموية يُقر في ذهن المُشاهد من البداية أن الحلفاء بملابسهم الأقرب للزرقاء كانوا يستحقون ما هو أكثر من القتل، فعما قليل تقابل القوات الأمريكية والفرنسية أسرى ألمانا فيبادرون بقتلهم بلا رحمة، وسط اعتراض بعض الجنود الأمريكيين، وهو ما يرد المخرج عليه بمنتهى المباشرة والبعد عن الفنية بجعل قاتل البطل الكابتن «ميلر» أو «هانكس» هو جندي ألماني لا اسم له في الفيلم (قام بأداء الدور ستيمبوت ويلي) يقع أسيرًا في يد «ميلر» فيتركه ليقتله (ويلي) الذي عفا عنه من قبل.

والمشهد المحوري الأخير من الفيلم هو نهاية سياق البعد الإنساني الحقيقي للفيلم.. أو ما يمكن تسميته التعامل بإنسانية.

اليهود والأمهات

في واحد من مشاهد الفيلم المدسوسة بمهارة بين أحداثه يقف يهودي بين جنود الحلفاء معلنًا يهوديته وباحثًا عن أمثال له.. ويبدو أنها إحدى إشارات «سبيبلرغ» الغامضة التي دأب الراحل المخرج المصري «يوسف شاهين» على تكرارها في أفلامه لكن بمهارة أقل، وإن كان مشهد «سبيبلرغ» يمكن فهمه على أن الجنود اليهود كانوا موجودين هناك مع الحلفاء في نورماندي وإن كانوا قلة.

كان لابد من مزج إنساني لإثبات جدارة الأمريكي حربيًا وإنسانيًا وحضاريًا وهي الخلطة التي إن أبدينا اعتراضًا عليها لا نملك إلا نعجب بكيفية مزجها في كثير من أحداث الفيلم، ففي ظل أحداث الحرب العبثية بحسب أبطال الفيلم، أو البهارات التي أجادها المخرج لتتسلل المعاني عبرها.

ففي خضم الأجواء الكارثية للحرب تكتشف الموظفة مديرة القسم الخاص برسائل الرثاء الجذابة لأهالي القتلى الأمريكيين أن هناك 3 إخوة تم قتلهم في معارك متقاربة ينتمون إلى عائلة «ريان»، وبقي الرابع مجهول المصير «جيمس فرانسيس رايان» أو (مات ديمون)، ويصل الأمر لرئيس الأركان الأمريكي وقيل رئيس الجمهورية وقتها فيأمر في إنسانية مفرطة بتكليف مجموعة حربية لإنقاذ «بريان» لئلا تفقد الأم أربعة أبناء في دفعات متتالية.

وتتكون المجموعة فورًا من معلم مدني له خبرة عسكرية «ميلر»، وسبعة أفراد للبحث عن «ريان» وسط الجنود الأمريكيين المنتشرين في أماكن متفرقة قبل نجاح عملية نورماندي، ولا معلومة عن «ريان» سوى أنه هبط في فرنسا مع الفرقة 101 المحمولة.

ويتم فقد اثنين من القوة في حادثين متفرقين «ديزل» (سابارزو فين)، و«وايد» أو (جيوفاني رابيسي) في أثناء رحلة البحث، ما يشكك في جدوى العملية كلها إذ إن أميهما فقدتاهما أيضا، فلماذا التعلق براحة قلب والدة بـ«ريان» إذن؟

هذه الإشكالية التي تنتشر في الفيلم وتشغل جزءًا كبيرًا من نقاش الأبطال تتلاشى تمامًا قبل قرابة الثلث الأخير منه.. فقد كانت ذريعة لا أكثر من المؤلف «روبرت رودات» و«سبيلبرغ» لإضفاء مسحة رومانسية على الفيلم البالغ القتامة والأجواء الكابوسية، فحين يتم العثور على الابن المُختفي يرفض العودة لأمه باختصار.. ويضطر «ميلر» للبقاء مع مجموعة «ريان» المرابطة على جسر استراتيجي على نهر «مارديريت» قرب بلدة «راميل»، ومن هنا يقترح العريف أول المشاركة مع «ميلر» في قيادة المجموعة «هورفاث» أو (توم سيزمور) البقاء للدفاع عن الجسر مع مجموعة «ريان» القليلة العدد.

ومع دوران آلات التصوير لتجسيد المعارك الرهيبة من جديد يكون الفيلم أهال التراب على البعد الإنساني له تمامًا، لتبدأ قسوة المعارك من جديد ولا تقلل منها أغنية تسمعها المجموعتان المتلاحمتان للحلفاء في سياق مقحم على الفيلم قبل تجدد المعارك، او محاولة «ميلر» إضفاء روح الفكاهة على مواقف مختلفة.

وتدور المعركة بقسوة أكثر هذه المرة بين القوات الألمانية التي بلا عدد ومجموعتين محدودتين من جنود الحلفاء، ومع قتل كثير من المجموعتين يهاجم دبابة من طراز «تيجر» «ميلر»، فيما يفجرها بعد قتل الجندي الألماني الذي سبق له أسره وتركه، ليفيق الجندي «إبهام» أو «غريمي» ديفيز من جبنه ويقتل قاتل قائده (ميلر)، قبل أن تنتشر طائرات الحلفاء المضادة للطيران وتدك القوات الألمانية أو المحور عمومًا في إشارة لقرب هزيمة الأخيرة.

ومع نهاية الفيلم يكون المشاهد تعلق بالحلفاء الرحيمين الذين يقتلون وهم يرددون الإنجيل ويدعون الله، ويُودعون الأمهات والأطفال من أجل تحرير البشرية من عدوان «هتلر» وحده!

أجاد «كانوش كامنسكي» تصوير لقطات كثيرة في الفيلم من زوايا متعددة واستحق إحدى جوائز الأوسكار، وساهم في تحقيق الفيلم أكثر من 480 مليون دولار.

حاول المخرج في نهاية الفيلم استعادة الجانب الإنساني بزيارة «ريان» لمقبرة «ميلر» قائده في مقابر «نورماندي» والتأكيد عليه أنه صار مواطنًا صالحًا من بعده، وهو المشهد البالغ الفجاجة مثل أدائه له التحية العسكرية والموسيقى الجنائزية في نهاية الفيلم، وكذلك «الفلاش باك» أو تقنية استرجاع الأحداث من مشهد الفيلم الأخير لبدايته، وكل الأمور الأخيرة جاءت باهتة غير موفقة كمثل الأم التي كان على البطل «هانكس» أو«ميلر» أن يعيد لها ابنها ولم يخبرنا الفيلم لاحقًا عن مصيرها.

فيلم «إنقاذ الجندي ريان» مثال صارخ لسينما الرؤية الآحادية للأحداث وتطريزها في الإطار الحربي والإنساني مع استخدام تقنيات المونتاج والماكيير والتصوير والموسيقى التصويرية باحترافية للتغطية على مضمون قصة مكررة آحادية الرؤية لتمجيد الأمريكيين!

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي سبليبرغ إنقاذ الجندي ريان Saving Private Ryan الحرب العالمية الثانية ألمانيا الحلفاء المحور

فيلم «الجزيرة الغامضة».. مجانين العالم يتهمون المقاومين بانعدام الضمير!

فيلم «الشريط الأبيض»: هل فجر الأطفال الألمان حربين عالميتين؟!