فيلم «غير قابل للكسر»: «بروس ويلز» من «السوبرمان» لـ«المسيح»!

الأربعاء 29 نوفمبر 2017 02:11 ص

الفيلم الأمريكي «Unbreakable أو غير قابل للكسر» إنتاج 2000 للمخرج والكاتب والمنتج الهندي من أصول هندية «مانوغ نايت شايمالان» اعتبره نقاد عرب أفضل أفلامه على الإطلاق، وهو ما يثير إشكالية تتجاوز المعيارية التي قيموا الفيلم على أساسها إلى شيء غير قليل ولا يسير من عقدة العنصرية الأمريكية لما تتجاوز الحدود.

فإن كان من المسلم به غربيا أن الأمريكيين يرون أنفسهم الجنس الأفضل الآن، وبالتالي فهم جديرون بحكم العالم فيما مضى ولسنوات طويلة مقبلة، والتخيل نفسه يتعرض له فيلم الليلة ضمن منظومة السادية الأمريكية، فيما يشير إلى اضمحلال منظومة القيم الروحية التي يتكئ عليها أحد جناحي التقدم الحضاري (مع القوة المادية)، إلا أن الإشكالية الأكثر مرارة اليوم هي أن نقادا عربا يشاركون في المنظومة الاستبدادية الأمريكية هذا مع وجود مخرج ومؤلف الفيلم نفسه في صفهم وهو الأسمر البشرة الذي كثف مجهوداته وقدراته التأليفية والإخراجية للتأكيد على أن حكم «العم سام» لعالمنا .. حكم عادل بل وجوبي قدري مستحق لتفوقهم الخلقي والخلقي .. أي في صنعة الله لهم بالإضافة إلى أخلاقهم.

عالم «شايمالان» المبدع

وللأمانة النقدية والفنية فإن عالم المخرج والمؤلف فيه ما يستحق أكثر من التوقف؛ من قدرة فذة على الإيغال في الغموض والاستناد على شيء من المنطقية فيه احتراما لعقل المشاهد، مع التزواج بين الغموض الذي يلف العمل السينمائي كله مع لغز أخير أو توقيع يحفز النفس أكثر في نهاية الفيلم إلى تحمل مفآجأة دائما تعيد قراءة الفيلم كله.

كان فيلم «The Sixth Sense أو الحاسة السادسة» أول أفلام مخرج فيلم اليوم إثارة للانتباه، رغم أنه الثالث في مسيرته، كما كان التعاون الأول مع الممثل المعروف «بروس ويلز»، وقد حقق به إيرادات قدرها قرابة 300 مليون دولار إلى جانب 6 ترشيحات لجائزة الأوسكار، من بينها أفضل فيلم ومخرج وسيناريو أصلي؛ لكن «الحاسة السادسة» تجاوز كل ذلك ببصمة مميزة عرفها الشرقيون أو المعتزون بالأديان، من استخدام للطابع الروحي المسلم بل المتأمل للخير من وجود الله تعالى، رغم أن النهاية حملت إشكاليات دينية غير قليلة تخص الحياة البرزخية؛ وإمكانية تعامل الأحياء مع أرواح الأموات، وهي تيمة سينمائية إن كانت متناولة في أفلام من نوعية «الزومبي» وغيرها، فإنه لا وجه مقارنة بينها وبين ما قدمه «شايمالان» و«ويلز» في «الحاسة السادسة»، هذا مع اعترافنا بأن الإسلام يقف موقفا معارضا من افتراض عودة الروح المتوفاة إلى الدنيا بعد مفارقتها.

إغراء العمل الناجح

حينما يوافق النجاح الطاغي عملا فنيا على نحو غير متوقع فإن فريق العمل ينصرف ذهنه إلى ما يشبه لعبة إخفاء معالم العمل الناجح عبر عمل آخر جديد، أو ما يشبه الفسيفساء التغيير داخل نفس منظومة العمل الأول، وهي وصفة ناجحة في مختلف فروع الأدب والسينما والإبداع بوجه عام.

على أن الأمر لدى المخرج اختلف.. فإبداعه سمح له بإيجاد فكرة جديدة تضاف إلى الفيلم السابق؛ لكن الرغبة القوية لديه في ضمان النجاح أوجدت مساحات من إدانة الجنس الأسمر البشرة (المعروف بالأسود)، بالإضافة إلى اللامنطقية غير المبررة في الأحداث، ولكي نتعرف على الأمر جيدا يجب أن نلخص الفيلم الأول له مع «ويلز».

في «الحاسة السادسة» يعالج الطبيب «مالكوم كرو» أو (بروس ويلز) مصابا بالهلاوس علاجا خاطئا يؤدي إلى انتحار المريض بعد إطلاقه الرصاص على الطبيب، وبعد أشهر يلتقي الطبيب بالحالة من جديد لكن لدى الطفل «كول سير» (هالي جول أوزمنت)، وفي سياق إثارة ورعب مضاعف يتضح أن الطفل محق فيما يرى، وأنه يرى أمواتا بالفعل لأنهم ماتوا مظلومين ويريدون حقوقهم من ظالميهم، ورغم غرابة الفكرة وعدم قبولها منطقيا بسرعة إلا أن المفآجأة الثانية كانت مباغتة من أن «كرو» الطبيب النفسي نفسه متوفى برصاصة مريضه الأول، وهو يأتي إلى الطفل لا ليعالجه بل ليشكو إليه خيانة زوجته بعد وفاته.

التجربة الثانية الأضعف

مع «دان براون» و«توم هانكس» في «ملائكة وشياطين»، كما مع «إحسان عبدالقدوس» في «الراقصة والطبال» و«الراقصة والسياسي»، مثلما كان الحال مع «ريتشارد غير» و«جوليا روبرتس» في «امرأة جميلة» و«عروس هاربة»، كما مع «نجيب محفوظ» في «الحب تحت المطر»، و«ثرثرة فوق النيل»، كما مع «أم كلثوم» و«محمد عبدالوهاب» في «أنت عمري» و«أنت الحب» .. التيمة الفنية والأدبية الناجحة تنسخ نفسها، على أن ذلك لا يعني بالفعل نجاح التجربة الثانية على نفس نحو الأولى، وربما حالفها التوفيق.. لكن في تجربة فيلم «غير قابل للكسر» دخل «شايمالان» و«ويلز» إلى الفيلم وفي ذهنيهما المخالفة للفيلم الأول «الحاسة السادسة» أو فكرة جديدة مع الإبقاء على التيمة الأولى لكن معكوسة.

أما الفكرة الجديدة فهي مجلات «الكوميكس» أو الرسوم المتحركة الأمريكية تلك التي تطبع قرابة 172 ألف نسخة سنويا في أمريكا، وتجتذب أشباه المثقفين وأحيانا تقارب الأدب كما في «هاري بوتر»، واستند الفيلم على صور وقصص السوبر مان البطل الأمريكي الذي يحارب الشيطان وصولا إلى المسيح الذي يجيء الأرض ليخلصها من الخطايا لتتعاقب الأحداث فيلم.

البطل «ويلز» هذه المرة هو «ديفيد دان» أو عامل أمن ملعب كرة قدم في فيلاديفيا (نفس الولاية التي دارت فيها أحداث الحاسة السادسة)، والبطل يدخل 3 حوادث كبرى على مراحل من حياته أبرزها انقلاب سيارة وقطار دون أن يصاب بخدش رغم وفاة من حوله تقريبا، وهو ما يثير نقيضه الزنجي صمويل «جاكسون» أو (إيليا برايز) ليطارد «دان» حتى يثبت له أنه النسخة البشرية من «السوبرمان».. او الإنسان الأمريكي الكامل الصحة الذي لا يؤثر الزمان في أعضاء جسده أو إمكاناته، رغم عجزه الجنسي (!).

وفي الأجواء التقليدية الكلاسيكية يدور أكثر من ثلثي الفيلم من عدم تصديق «دان» لأنه البطل الأمريكي الخارق متجسدا في لحم ودم؛ حتى ابنه الفتى «جوزيف» أو (سبينسر تريت كلارك) يكاد يطلق الرصاص عليه ليجعله يصدق، عوضا عن أنه يدفعه ليحمل أثقالا تمثل وزنه مضاعفا، رغم عدم مزاولته التمارين منذ سنوات، في استعادة للبطولة الأمريكية الخارقة للعادة المتجاوزة للبشرية بمراحل.

لكن الأنكى والأفدح وفق الفيلم هو أن «دان» البطل ينطلق إلى محطة السكة الحديدية ليضبط إيقاع الحياة الأمريكية، فيترك السارقة، والمعتدي على اللاجئين الأفارقة، والمغتصب لفتاة أمريكية، وكلها أحداث يستشعرها بـ«الحاسة السادسة» التي كانت لطفل الفيلم الأول الذي حمل نفس الاسم؛ حتى إذا وصل الأمر إلى حد قتل أب وأم واغتصاب ابنتيهما صار البطل الأمريكي بالبالطو من أعلى شعره لأخمص قدميه لينقذ الأسرة، ويتعرض لضربات القاتل القوية التي تكاد تغرقه.. فمكمن قتله يقع في تعرضه للمياه.

أما مفاجأة المخرج الأخيرة فهي أن الزنجي «برايز» هو المدبر والمخطط لعدة حوادث في فلاديفيا لتحقيق رغبته في الوصول أو العثور على السوبرمان.. حتى وجده، وبالتالي يبلغ السوبرمان أو «دان» الشرطة لتحبس «برايز» بصفته مجنونا وتترك «دان» القاتل المنفذ العدالة على طريقته الخاصة بقتل الزوجين بيده دون عودة للقوانين أو حتى اعتراف بها.

أما المفاجأة الحقيقية على طريقة المخرج الهندي الأصول فهي أن المخرج أعد جزءا ثانية من الفيلم هو «انفصام» الذي أنتج هذا العام.

جاءت حركة الكاميرا مناسبة بخاصة المشهد ذي الكادر الضيق المتكرر في الأستاد وفي محل بيع مجلات «الكوميكس»، والكادر نفسه ينفتح في نفس الوقت على ما هو أرحب موفقة.. في إشارة إلى أن الحياة فيها جزء مخفي اختلفنا أو اتفقنا مع ماهيته، وجاءت الموسيقى التصويرية متناغمة مع إيقاع الفيلم الذي خلا من عيوب المونتاج.

فيلم «غير قابل للكسر» يساوي مخرج هندي شرقي الأصول يثبت لأمريكا التفرد قفزا على سيناريو أنجح وأفضل لفيلم «الحاسة السادسة».

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي غير قابل للكسر Unbreakable ويلز عنصرية غربية هزيمة فكرية