استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أبو متعب «مَلِكُ الإنسانية» !

الأحد 25 يناير 2015 05:01 ص

من أسخف ما ابتدعه أفراد حاشية الملك السعودي الراحل عبدالله، اختراعهم احتفالية سنوية لم يعهدها الناس في البلد من قبل، سمّوها «ذكرى تجديد البيعة لخادم الحرمين الشريفين». لكنّ يوم هذا العيد الجديد جعل يتمطط حتى صار يستغرق أياماً وليالي.

وأمّا أشكاله فتطورت، وأخذت تتخلله مهرجانات دينية وإعلامية وغنائية وشعرية... وكلها طبعاً تسبِّحُ بحمد أبي متعب، وتمجّد حكمته، وتتبارى في تعداد مناقبه ومواهبه.

ثمّ إنّ النفاق في السعودية لم يلبث حتى شق له أنفاقاً جديدة وسككاً ومتحلقات، فصار الناس يرون عجباً!

وكلما اقترب موسم الاحتفالية السنوية، ينبري رجال مأجورون ليطلقوا حملات في مواقع التواصل الاجتماعي تحث الرعيّة على تجديد البيعة والولاء لراعيها، وتدعوهم إلى كتابة تعليقاتٍ أو تغريداتٍ أو منشوراتٍ تمدحه وتؤيده وتزكّيه. (أطلق الناس على أولئك المأجورين، وأغلبهم من صغار المخبرين في الأجهزة السعودية، لقباً ساخراً هازئاً، فسمّوهم «البيض»).

#أبو_متعب_نجدد_لك_الولاء

منذ عامين حاول «البيض» إطلاق حملتهم السنوية لإحياء الذكرى السابعة لتولّي عبدالله المُلك. فساقوا هذا الهاشتاغ: (#أبو_متعب_نجدد_لك_الولاء). لكنّ المغرّدين السعوديين تلقفوا تلك الفرصة لكي يسخروا من العاهل شبه الأمّي، وليسيطروا على الحملة الدعائية الملكية، بتعليقات لاذعة، مثل:
-أبو متعب نجدد لك الولاء؛ بشرط: تتعلم القراءة والكتابة، ولا تعد إلى تسمية (تويتر) بـ(تتر).
-لو أبو متعب استثمر السبع سنوات ذي، وكمّل دراسته، مش كان خلـَّص المرحلة الابتدائية ع الأقل؟!
-(أبو متعب نجدد لك الولاء؟) بس مين «ولاء»؟!.. بنتك؟
-من عيوننا نجدد لك الولاء.. هات 100 ريال، طال عمرك، رسوم التجديد.
-لا والله.. ما أجدد لك الولاء إلاّ إذا أعطيتني سطل نفط.
-طيب، ليه ما نجدد له البراء؟
-السؤال: (هل نجدد لك الولاء؟) ـ ممكن الاتصال بصديق؟
-استشرت ابنتي. وقالت: إذا فيه إجازة، جدّد يا بابا.
-يقولون اللي ما يجدد راح يموت ميتة جاهلية! لكن اللي يجدد ترى يعيش بجاهلية، ويموت في جاهلية!
-اللهم إني أستغفرك عدد الريالات التي سرقها آل سعود!
-لتجديد البيعه يلزم التالي: النفث كل صباح ثلاث مرات على الخوارج والروافض والمرجفين، ثمّ رقص العرضة النجدية لمن استطاع.
-السبع العجاف من حكمك لا يبدو أنه سيتبعها سبع سمان، إلا إذا رحلتم وإخوانكم وعشيرتكم...
-بتحطو نفسكو في مواقف بايخة!!!

أيّوب ونوح

من العجيب أن قد نبتت لعبدالله من بعد موته كل تلك الخصال التي تصدح بها اليومَ وسائلُ الإعلام السعودية. فلم يكن أحدٌ يَعرفُ للرجل مزايا أو مناقب أو براعات أيام كان شاباً ولا أيام أصبح كهلاً، أو حينما عُيّن وليَّ عهد، أو حين أشرف على الدولة بعد إصابة الملك فهد بجلطة دماغية في كانون الثاني 1996، أقعدته جسدياً وقضت عليه عقلياً.. بل إنّ عبدالله ظلّ دوماً محل استهزاء إخوانه، لا سيّما «عصابة السديريين» منهم، لأجل ما دأب على إظهاره من خنوع وخضوع وبلادة. وأمّا بعدما تولى عبدالله الحكم إثر موت فهد في الأول من آب 2005، فإنه لم يخالف في بادئ عهده عادته في التقوقع والحذر المفرط، حتى تحقق له جليّاً من بعد وفاة وليّي عهده النافذين سلطان ونايف، أنّ أنجم منافسيه قد أفلت. فإذاك خلع عنه التردد والتمهل، وشرع يسارع في مسعاه لتوريث مقاليد المُلك لابنه متعب من بعده.

ولقد بقي عبد الله منتظراً مجيء فرصته تلك في الحكم زهاء أربعين عاماً. وإنه خلال كل تلك المدة الطويلة، ظلّ متوكلاً على أمنيات تتذرّع بالصبر، منذ أن ولّاه أخوه سعود في سنة 1963 رئاسة الحرس الوطني. لكنّ زمن فهد الحاكم بأمره استطال عشرين عاماً..

ثمّ إنّ زمن فهد العليل الذي لا يموت استمرّ عشر سنين أخرى؛ حتى لقد بدا أنّ ذلك العصر لا تلوح له تباشير نهاية! وطال الاصطبار على عبدالله كثيراً حتى كادت تنطفئ فيه جذوة الأماني.

في تلك الأيام انتشرت نكتة بين السعوديين تزعم أن الأمير عبدالله ملّ انتظار موت الملك فهد الذي لا يموت. ووصل الحنق بولي العهد السعودي حدّ أن عاف اسمه أيضاً، ففكّر في تبديله. ولقد هداه رأيه إلى أن يختار لنفسه اسم أيوب، علّ نبيّ الصبر (عليه السلام) يعينه على مزيد من التحمّل والجَلد. ولكنّ عبدالله وهو يلج إلى الإدارة المسؤولة عن تغيير الأسماء، فوجئ بالملك فهد على كرسيه المتحرك يخرج من أحد المكاتب.

فسأله عبدالله مستغرباً عن سبب مجيئه إلى هنا. ولقد ضحك فهد، وأجاب أخاه: «والله، طال عمرك، أنا جئت لأغيّر اسمي إلى نوح».

قاهر الجلطات!

كان فهد هو لعنة عبدالله! فبإضافة إلى أنّ الملك الراحل دأب على تهميش دور وليّ عهده في الحياة السياسية السعودية تماماً، فإنه لم يتوان أيضاً عن تدبير كل ما يلزم لـ«تطفيشه»، أو لجعله يستقيل طوعاً من منصبه. وكان فهد يحبّ أن يورث العرشَ لأحد أبنائه، لا لأحد إخوته. وودّ لو أنّ ابنه الأصغر المدلل عبدالعزيز هو من يرثه. وإنّ فهداً سعى حقاً في أن يجعل منصب ولاية العهد خاضعاً لمشيئته، وليس مفروضاً عليه بحكم التراتب والتسلسل العمري لأبناء أبيه.

وحينما قرّر الملك الراحل في 3 كانون الثاني 1992 أن يجعل لمملكته دستوراً سمّاه النظام الأساسي للحكم، فإنه دسّ في المادة الخامسة من الباب الثاني (البند ج) هذه العبارة: «المَلك هو من يختار ولي العهد ويعفيه، بأمر ملكي». ولقد رضي «السديريون» بهذه المادة، حينما أعلم فهد شقيقه الأمير سلطان بأنه إنما يبتغي بما صنعه إزاحة نائبه الأول عبدالله عن الطريق إلى العرش، لإفساح ولاية العهد له هو، باعتباره النائب الثاني. 

والحقيقة أنّ فهد كان يكيد لغاية أخرى؛ ذلك أنه أخذ يسعى لمعرفة رأي الحلفاء في واشنطن في ما يشتهيه من تبديل لتوارث المُلك في السعودية عمودياً بين الأبناء، بعد أن استمر أفقياً بين الإخوة. ولكنّ الأميركيين رغبوا عن تزيين الفكرة لفهد، فانكفأ مؤقتاً عن مساعيه إلى أن تحين له فرصة أخرى أفضل.

ثمّ إنّ خبر المَلك فهد ما لبث حتى فاح في واشنطن، وبلغ إلى أذن بندر بن سلطان سفير المملكة هناك، وسريعاً ما نبّه الولد أباه إلى مكائد عمّه. وكذلك انتهى فهد عن مساعيه، واستقرّت الحال على ما كانت عليه دون مغامرات تبديل، فبقي عبدالله في مركزه. وكان ذلك حظاً لم يَسْعَ الرجل فيه، ردّ عنه كيداً لم يكن بمستطاعه أن يتوَقى منه!

على أنّ الملك فهد ما لبث حتى تناوبت عليه سلسلة من الجلطات. وكان طبيعياً أن تتناوب عليه الأمراض؛ فهو كان حياته كلها، يأكل ويشرب بأكثر مما يجب لمعدةٍ، ويدخن بأكثر مما ينبغي لرئتين وقلب. وإنّ أطباءه طالما نصحوه بأن يقلل من هذه الأمور، فلم يأبه ولم يبال.. حتى جاءته الجلطاتُ، في آخر عمره، تترى!

لكنّ الملك فهد استطاع في بادئ الأمر أن يفلت بأعجوبة من عوارض تبعاتها وارتداداتها الأولية، حتى لقد سُمِّيَ الرجل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، «قاهرَ الجلطات».

ومن النكت التي كان يتناقلها السعوديون عن فهد، أنّه كان مرّة على مأدبة غداء فدخل في نوبة صمت مفاجئة، ثمّ شحب لونه، وانفرجت حدقتا عينيه أكثر من العادة. لكنّ المَلك ما لبث أن انفرجت أساريره أخيراً، وابتسم. فسأله الحاضرون: إن كان الصمتُ لفكرة عرضت له؟.. فردّ عليهم فهد قائلاً: «لا والله، جلطة وعدّت.. الحمد لله!».

أبو متعب في القصر

ومرّت الأيام... ومكّن الله لأبي متعب في الأرض. وآتاه حُكماً، ولم يؤته علماً، وصار «ملكاً». وتروي لنا وثائق «ويكيليكس» مشاهد للملك عبدالله من بعد أن استوى على عرش السعودية.

ومن أطرف ما روت «ويكيليكس» هذه القصة التي أوردتها جريدة «دايلي تلغراف» البريطانية في عددها بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، والتي كانت حدثت في 15 مارس/آذار 2009.

يومها التقى «ملك الإنسانية» بالمدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان، وكان حينذاك يشغل منصب مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب. ودار الحديث بين الملك وضيفه عن معضلة إدارة الرئيس باراك أوباما مع المعتقلين في «غوانتنامو».

فالرئيس وعد في حملته الانتخابية بإغلاق معسكر الاعتقال السيّئ الصيت، ولكنه لا يستطيع أن يضع معتقلي غوانتنامو في سجون الولايات المتحدة لأن بعضهم لن تنطبق عليه شروط المحاكمات، وبعضهم الآخر قد يُبَرّأ، وتضطر أميركا إلى إطلاق سراحهم، مع علمها بأنهم ما زالوا مصدر خطر على أمنها.

وهنا ابتسم أبو متعب، ومال برأسه قليلاً إلى المبعوث الأميركي، ثمّ قال له: «تريد أعطيك حل لمشكلتك؟». قال برينان متعجباً: «طبعاً، أنا أصغي إليك». زادت الابتسامة في التمطط على ثغر أبي متعب، وقد وثق أكثر من حاله، ثمّ قال للأميركي: «حنّا في البادية، نحط حلقة في رجل الصقر، ونعمل ذات الشيء مع الحصان. فهذي الحلقة تكون أمارة على اللي يملك الصقر. فأنتم لازم تعملوا مثلنا».

سأل المسؤولُ الأميركي ملكَ السعودية: «كيف يعني؟». فشرح الملك لجون برينان الـ«بطيء الفهم» ما يقصده قائلاً: «يعني، انتم تجيبوا هذول المساجين، وتتقبوا لهم رجليهم، وتحطوا لكل واحد منهم، في نقب رجله، شريحة الكترونية صغيرة. ووقتها ما فيهم يروحوا على أي محل إلاّ وتعلمكم الشريحة اللي في رجليهم بمكانهم».

كتم جون برينان ابتسامة ساخرة، ثمّ قال لأبي متعب: «طال عمرك، الخيول والصقور تبعك ما عندهم محامين يدافعون عنهم إذا انكشف الأمر. هذول الصقور ما راح يفكروا يرفعوا قضايا ضد الحكومة الأميركية في المحاكم، بتهمة زرع شريحة إلكترونية في أجسامهم».

* جعفر البكلي كاتب عربي

 

المصدر | الأخبار اللبنانية

  كلمات مفتاحية

الملك فهد الملك عبد الله أبو متعب جون برينان

الملك الجديد وتصفية تركة سلفه

تأبين إسرائيلي للعاهل السعودي الراحل

هيومن رايتس ووتش تدعو الملك سلمان لتحسين وضع حقوق الانسان في السعودية

مصادر: «مبارك» يدخل في حالة بكاء هستيري بعد علمه بنبأ وفاة الملك «عبدالله»

محطات في حكم الملك «عبدالله» .. إصلاحات داخلية حذرة وسياسة إقليمية مثيرة للجدل

الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» في ذمة الله ... ومبايعة الأمير «سلمان» ملكا للسعودية

الملك الجديد وتصفية تركة سلفه