نيويورك تايمز: مرحلة حاسمة في العلاقات بانتظار العاهل السعودي الجديد والولايات المتحدة

الاثنين 26 يناير 2015 09:01 ص

شبّه أحد الدبلوماسيين العرب العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية قبل حوالي عشر سنوات بالزواج الكاثوليكي الذي «لا طلاق فيه».

لكن يمكننا أن نقول إنه قد يحدث انفصال. ففي الوقت الذي بدأت فيه إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» مهمتها الشاقة المتمثلة في تقييم أسرة آل سعود التي أُعيد تشكيلها مؤخرًا بعد وفاة الملك «عبد الله بن عبد العزيز» الجمعة الماضية، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وحليفتها العربية الأكثر أهمية - والتي عززتها الظروف والأحداث على مر السنين - دخلت مرحلة حاسمة تتسم بالاضطراب.

ويرث العاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» – البالغ من العمر 79 عاما - السياسات التي وضعها الأخ الراحل «عبد الله» الأكثر حزما، بالإضافة إلى الصراعات التي اتسمت بها العلاقات مع واشنطن خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها الاختلافات الكبيرة بين المسئولين الأمريكيين والعائلة المالكة في السعودية بشأن القضايا التي تبدأ بإيران وتنتهي بالربيع العربي، مرورا بسوريا والقضايا الداخلية في المملكة العربية السعودية مثل عملية جلد المدون الليبرالي «رائف بدوي» التي أثارت جدلا واسعا.

وأفسحت الروابط المتينة التي حظيت برعاية من إدارة الرئيس الأمريكي السابق «جورج دبليو بوش» الطريق نحو توجيه السعوديين انتقادات إلى الرئيس الحالي «أوباما» الذي يظهر مُتحفظًا في علاقته معهم، والذي كان يجب عليه - من وجهة نظر السعوديين - أن يبذل مجهودًا أكثر للإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد»، وألا يقوم بما قام به لإسقاط الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك». وينظر السعوديون بعين الريبة للجهود التي يبذلها «أوباما» للتفاوض حول البرنامج النووي الإيراني.

ومن جانبه؛ قال «جون ألترمان» - مدير وحدة دراسات الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية - إن «هناك ضغوطًا على السعوديين مُتمثلة في التفكير بشأن حقيقة أن أي دولة أو حتى مجموعة دول لن تستطيع أن تقوم بما تقوم به الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه ينتاب السعوديون قلق من إمكانية تغيير نوايا واشنطن في أي وقت، في حين أنه لا يديل  لديهم أو آلية لاختيار البديل الذي يُمكنه القيام بدور الولايات المتحدة».

ولا تزال المملكة العربية السعودية - رغم هذا كله - تناور بتغيير الاقتصاد العالمي في مرحلة حاسمة من خلال إغراق أسواق النفط، والحفاظ على إنتاج النفط مرتفعًا مما يساعد الرئيس «أوباما» في عدد من الجبهات. ومنحت المملكة العربية السعودية إدارة «أوباما» بخفض أسعار النفط دفعة قوية في الداخل الأمريكي. كما ساعد السعوديون «أوباما» في الخارج أيضا؛ لأن انخفاض أسعار النفط يساعد في الضغط على إيران بشأن طموحاتها النووية، وروسيا بشأن عدوانها على أوكرانيا، وبناءً على ذلك؛ يتعامل مسؤولو إدارة «أوباما» بحذر أثناء دراستهم للخلافة السعودية.

وقال مسؤولون في البيت الأبيض، السبت الماضي، إن الرئيس «أوباما» قرر خفض عدد أيام زيارته إلى الهند والتوجه إلى المملكة العربية السعودية لتقديم العزاء في وفاة الملك «عبد الله» والاجتماع مع العاهل الجديد الملك «سلمان».

استمرار العلاقات القوية

وقال «جوش آرنست» - المتحدث باسم البيت الأبيض - مساء الجمعة الماضية «يأمل الرئيس أوباما - ونحن نتوقع ذلك - التأكيد على استمرار العلاقة القوية القائمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في ظل قيادة العاهل الجديد». واعتمد السعوديون منذ فترة طويلة على الولايات المتحدة باعتبارها مظلة عسكرية، إلا أن هذه العلاقة توترت بعدما شعر الملك الراحل «عبد الله» أن «أوباما» يتجاهل المنطقة، أو على الأقل لا يعبأ بمخاوف المملكة العربية السعودية. ووفقًا لمذكرة دبلوماسية مُسرّبة؛ طالب الملك الراحل «عبد الله» في عام 2008 الولايات المتحدة بدراسة عمل عسكري ضد إيران لـ «قطع رأس الأفعى»، وبات السعوديون في الوقت الراهن يشعرون بالقلق إزاء صفقة أمريكية مع إيران، وتستمتع المملكة العربية السعودية – مثلها مثل إسرائيل - بالانقسام بين الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض بشأن فرض مزيد من العقوبات على إيران واحتمالية عرقلة الاتفاقية.

وتميل مصالح البلدين إلى التباعد في قضايا أخرى؛ وخاصة مكافحة تنظيم القاعدة والمنظمات المتطرفة الأخرى التي تتلقى بعض تمويلها من مصادر سعودية. «أعتقد أن السعوديين والأمريكيين طوروا من إمكانية التعايش مع وجود خلافات بينهم»؛ بحسب «خالد الدخيل»؛ أستاذ العلوم السياسية المقيم بالعاصمة السعودية الرياض.

وأعرب مسؤولون فى البيت الأبيض عن ثقتهم في أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ستواصلان العمل معًا بشأن مجموعة من القضايا؛ بما فى ذلك مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، والرد على زعزعة الاستقرار فى اليمن فى الآونة الأخيرة. وأكدوا على أن العلاقة بين واشنطن والرياض تحسنت فى الأشهر الأخيرة جزئيًا بسبب قرار أوباما شن ضربات جوية ضد «الدولة الإسلامية» ضمن حملة انضمت إليها المملكة العربية السعودية، وأنّ صعود الملك «سلمان» إلى العرش لن يُغير من الأمر شيئًا.

«نحن أقرب بكثير الآن»؛ بحسب مسئول كبير في الإدارة الإمريكية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، مُضيفًا: «لن أقول نحن متفقون تمامًا، لكنه أقل بكثير مما كان عليه في بعض الأحيان». وفي الوقت ذاته فإن هناك كثيرين غير متأكدين من ذلك.

«التحول الأخير في العلاقات الإقليمية والخارجية السعودية ليس في صراحتها بقدر ما هو في قوتها»؛ بحسب فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والذي أردف: «إنها تتباهى بنفسها بسبب العمل لمدة طويلة بعيدًا عن الأضواء».

ويوضح عشاء «المخابرات» السنوي في فندق بواشنطن هذه النقطة. فالمُضيف هو السفير السعودي لدى الولايات المتحدة - «عادل الجبير» - والضيوف مجموعة من الجواسيس الأمريكيين والعرب ومسئولي الاستخبارات وخبراء السياسة في الشرق الأوسط وكبار مسئولي الأمن الوطني في الحكومة الأمريكية مثل «جون برينان» مدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي شغل منصب رئيس محطة المملكة العربية السعودية في الوكالة في آواخر التسعينيات. ومع حفظ الألقاب والاحترام للسيد «الجبير»، فإنه لا يوجد أي برنامج مُعدّ، ولا كلمة رئيسية، فقط شبكة من مسئوليين أمن وطني وخبراء سياسة خارجية. ويصف الحضور ما يتمّ بأنه استعراض قوة من السعودية.

«ليس هناك رغبة حتى في التحدث إلى الجمهور المحتشد»؛ هكذا علّق خبير في السياسة الخارجية حضر العشاء في العام الماضي، مُشترطًا عدم الكشف عن هويته لأنه لا يريد أن يخسر دعوته لتناول العشاء هذا العام، وتابع «يبدو أن لب الأمر هو القول: مرحبًا يمكننا جمع 300 شخص مهم في الغرفة. والآن دعنا ننتقل».

تحرك منفرد

وفي ظل افتقارها إلى الدعم الأمريكي في مجالات رئيسية؛ فإن المملكة العربية السعودية تتحرك بقوة من تلقاء نفسها. ففي ظل غياب الوسائل العسكرية للتأثير على الأحداث في سوريا، وامتناع الرئيس «أوباما» عن إزالة الأسد بالقوة في سوريا، بدأت السعودية استخدام النفط في محاولة للتأثير على اثنين من المساندين الرئيسيين لسوريا؛ إيران وروسيا. وفي الوقت الذي تراجع فيه الطلب في جميع أنحاء العالم، فقد واصلت المملكة العربية السعودية ضخ النفط حتى مع هبوط الأسعار إلى ما دون 50 دولار للبرميل بعد أن كانت فوق 100 دولار.

وللحفاظ على الإنفاق الاجتماعي الخاص بها - بما في ذلك 130 مليار دولار في صورة إعانات تم تصميمها لضمان الاستقرار الداخلي- فإن المملكة تحتاج سعرًا للنفط عند 100 دولار. ويقول محللون إنه بالنظر إلى الاحتياطيات الأجنبية المُقدّرة بحوالي 730 مليار دولار أمريكي، فإنه يمكن للمملكة أن تستمر على هذا الحال لبضع سنوات في ظل انخفاض الأسعار.

ولم يتم جرّ المملكة العربية السعودية مُباشرة إلى الثورات العربية في تونس – التي هي مُستقرة نسبيًا،- أو ليبيا؛ على الرغم من أن ذلك حدث لاحقًا. لكن مشكلة المملكة الرئيسية حاليًا في اليمن المجاور.

ونجحت مليشيات حوثية - تنتمي إلى الطائفة الزيدية الشيعية ويعتبرون أنفسهم حكام اليمن التقليديين - في السيطرة على السلطة. رؤية الحوثيين كحزب الله في لبنان جعل المملكة العربية السعودية توقف بالفعل 4 مليار دولار من المساعدات السنوية لحكومة موالية للولايات المتحدة. وقد بدت الولايات المتحدة أكثر ميلاً إلى محاولة التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين؛ على الأقل لمكافحة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باعتباره أحد أنشط فروع القاعدة في العالم.

ولكن على الرغم من هذه الاختلافات؛ فإن نمط التسوية التي ظهرت في عهد الملك «عبد الله» من المرجح أن يدوم. «إن الإعداد الافتراضي للسعوديين دائمًا هو البقاء على الوضع القائم» بحسب «يوجين روجان» مدير مركز الشرق الأوسط في كلية «سانت أنتوني» في أكسفورد.

ومع ذلك، فإنه خلال الأيام التي عمل فيها القادة الأمريكيين والسعوديين في انسجام تام في الشرق الأوسط، وتحديدًا عندما كان الأمير «بندر بن سلطان» - السفير السعودي - هو محور العلاقة مع واشنطن ويتواجد باستمرار في البيت الأبيض خلال فترة حكم «بوش»، فإن هذا كله صار من الماضي. وإذا كان الملك «سلمان» مثل أخيه الراحل في أي شيء فإننا سنرى قدرًا مُعينًا من الاحتكاك والتواصل يحدث عما قريب. وفي وقت متأخر من يناير عام 2011، ظهر الملك «عبد الله» غاضبًا جدًا خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس «أوباما» بسبب عزم واشنطن التخلي عن دعم «حسني مبارك» الأكثر قربًا من العاهل السعودي.

لقد كان المساعدون السعوديون أكثر سرعة في تسريب ما دار بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الملك سلمان خلافة الملك عبدالله العلاقات السعودية الأمريكية

أولويات الملك «سلمان»: عودة الثقة بواشنطن وتنويع الاقتصاد

لا تغييرات حيال الملفات الإقليمية الساخنة

«فورين بولسي»: العلاقات السعودية الأمريكية لن تتغير في عهد الملك «سلمان»

«أوباما» يختصر زيارته للهند ويتوجه للسعودية لتقديم العزاء في الملك «عبدالله»

«أوباما» يرفض إقرار عقوبات جديدة على إيران ويتعهد مجددا بإغلاق «غوانتانامو»

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

رويترز: «أوباما» يعزز علاقته بالملك الجديد .. و«سلمان» يؤكد: لاتغير في سياسة المملكة النفطية

لقاء الرياض: أوباما يجتمع مع العاهل السعودي الجديد

الأيديولوجي والبراغماتي في السياسة السعودية