حلايب وشلاتين.. إجراءات مصرية وشكوى سودانية بالأمم المتحدة

الثلاثاء 2 يناير 2018 12:01 م

لا يزال مثلث حلايب وشلاتين وأبي رماد المتنازع عليه، يشكل أزمة متصاعدة بين مصر والسودان،  منذ سنوات.

وتصاعدت هذه الأزمة مؤخرا، بإجراءات مصرية عدة على الأرض، تقابلها شكوى سودانية رسمية على المستوى الدبلوماسي، وسط تصريحات متبادلة بين البلدين حول أحقية كل منهما في المثلث.

وبحسب رصد لوكالة «الأناضول»، فإن السلطات المصرية، اتخذت بشكل لافت وغير مسبوق، خلال الشهر الماضي، سبعة إجراءات، ثلاثة منهم في يوم واحد، مقابل إجراءين سوادنيين، بشأن مثلث حلايب وشلاتين وأبي رماد الحدودي المتنازع عليه.

وتطل منطقة «مثلث حلايب وشلاتين» على ساحل البحر الأحمر، وتقع على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني، وتبلغ مساحتها الإجمالية 20.5 ألف كيلومتر مربع.

ويطلق على هذه المنطقة اسم مثلث؛ نظرا لأنها تضم ثلاث بلدات كبرى هي «حلايب» و«أبورماد» و«شلاتين»، ويتوزع سكانها بين عدة قبائل من أصول سودانية، أشهرها «البشارية» و«العبابدة».

وتتنازع مصر والسودان على هذا المثلث الحدودي، التي تصر مصر على أن هذه المنطقة «أراض مصرية، وتخضع للسيادة المصرية»، فيما بدأت الخرطوم مؤخرا في تسمية الوجود المصري فيها بـ«سلطات الاحتلال المصري»، وبات الأمر محل تصعيد من الجانبين، ونقطة التوتر الرئيسية بين القاهرة والخرطوم.

إجراءات متبادلة

والإجراءات المصرية السبعة والإجراء السوداني بحسب التسلسل الزمن، جاء على النحو التالي:

9 ديسمبر/كانون الأول: كشف رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية والري المصرية «سامح صقر»، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية المصرية «أ ش أ»، أنه تمت معاينة موقع لإنشاء سد كبير في منطقة شلاتين بمحافظة البحر الأحمر (شرق)، لتخزين 7 ملايين متر مكعب من مياه السيول.

وأكد المسؤول المصري ذاته، أن هذا الإجراء «ضمن منظومة حصاد الاستفادة من مياه الأمطار والسيول، وتقليل المخاطر التي قد تنجم عنها»، وتكررت التصريحات ذاتها على مدار أيام تالية.

وبعد يوم من الإعلان المصري عن السد، أوضح رئيس كتلة نواب حلايب بالمجلس الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان السوداني)، «أحمد عيسى عمر»، أن هناك اتصالات بين المجلس ووزارة الخارجية السوادنية لتقصي أمر السد.

وأضاف في تصريحات وقتها: «دائماً ما تحاول مصر إظهار تقديم الخدمات لمواطني المثلث لاستمالتهم إليها، لكن قبول المواطنين لتلك الخدمات لا يعني أنهم مصريون ولن يغير من قضيتهم في إثبات سودانية المنطقة»، حسب قوله.

كما قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري والكهرباء السودانية «محمد عبدالرحيم جاويش» حينها في تصريحات: «قناعتنا أن أية منشآت سواء كانت سدود أو غيرها يتم تنفيذها في مناطق المثلث ستعود حتما للسيادة السودانية».

15 ديسمبر/كانون الأول: طالب وزير الخارجية السوداني «إبراهيم غندور»، الحكومة المصرية بالتوصل إلى حد لأزمة «حلايب وشلاتين» على غرار جزيرتي «تيران وصنافير»، أو مدينة «طابا».

وطرح «غندور» في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، سيناريوهين لحل الخلاف المصري السوداني حول الإقليم الحدودي المتنازع عليه «حلايب وشلاتين»، هما الحوار كما فعلت مصر مع السعودية بشأن «تيران وصنافير»، أو الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية كما فعلت مع (إسرائيل) حول طابا.

ويتطلب التحكيم الدولي للبت في النزاع حول المنطقة أن تقبل الدولتان المتنازعتان باللجوء إليه، وهو ما ترفضه مصر.

20 ديسمبر/كانون الأول: أعلنت وزارة الخارجية السودانية، في خطاب للأمم المتحدة رفض بلادها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية لشموله «حلايب».

وأرجعت الخرطوم هذا الإجراء إلى تضمين الاتفاقية تبعية مثلث «حلايب وشلاتين»، المتنازع عليه مع السودان لمصر، بما يمس سيادة جمهورية السودان وحقوقها التاريخية على الحدود البرية والبحرية للمثلث.

واتفاقية تعيين الحدود، شملت إقرارا مصريا رئاسيا في 24 يونيو/حزيران 2017، بأحقية السعودية في جزيرتي «تيران وصنافير» المطلتين على البحر الأحمر، واللتين كانتا تحت السيادة المصرية، دون دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بعد، وسط رفض واسع من قطاعات من المصريين.

21 ديسمبر/كانون الأول: أعلنت الخارجية المصرية، أنها ستخاطب الأمم المتحدة، للتأكيد على مصرية المثلث الحدودي، دون تحديد موعد لذلك، رافضة ما وصفته بـ«مزاعم السودان».

وتعتبر خطوة التوجه المصري للأمم المتحدة نادرة، بينما في بداية كل عام، درج السودان على تجديد شكواه سنويًا أمام مجلس الأمن الدولي بشأن السيادة على المثلث.

26 ديسمبر/كانون الأول: أعلنت مصر، بناء 100 منزل متكامل لأهالي مدينة حلايب الحدودية، ذلك عقب اجتماع عقده الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، مع رئيس المخابرات العامة «خالد فوزي»، ووزير الأوقاف «محمد مختار جمعة».

26 ديسمبر/كانون الأول: أعلنت مصر اعتزامها بث برنامج تليفزيوني وإذاعي أسبوعي من منطقة حلايب وشلاتين الحدودية، وفق بيان الهيئة الوطنية للإعلام (أعلى جهاز إعلامي رسمي بمصر) دون توضيح موعده وطبيعته وآلية بثه.

26 ديسمبر/كانون الأول: نقل التليفزيون المصري شعائر صلاة الجمعة، من حلايب، حيث ألقى وزير الأوقاف «مختار جمعة»، الخطبة من هناك، في سابقة هي الأولى من نوعها.

28 ديسمبر/كانون الأول: أعلنت وزارة الدفاع المصرية عن إتمام تسوية للمواقف التجنيدية للشباب من أبناء مثلث حلايب وشلاتين الذين تخلفوا عن التجنيد حتى تجاوزوا سن ثلاثين عاماً، وتسليمهم شهادات المعاملة التجنيدية الخاصة بهم.

30 ديسمبر/كانون الأول: تفقد محافظ البحر الأحمر «أحمد عبدالله»، مدينة شلاتين، ووجه بسرعة الانتهاء من أعمال الإنشاءات بميناء الصيد.

وكشف محافظ البحر الأحمر، أنه بنهاية عام 2018 ستتسلم كل أسر مدينة شلاتين وحدات سكنية.

أزمة سيادة

ومن آن إلى آخر، تشهد العلاقات بين البلدين توترًا بسب النزاع على المثلث الحدودي، وموقف السودان من سد «النهضة الإثيوبي»، حيث تتهم القاهرة الخرطوم بدعم موقف أديس أبابا، وتخشى تأثير السد سلبًا على حصة مصر من مياه نهر النيل، في مقابل نفي سوداني متكرر للاتهامات المصرية.

وإضافة إلى الخلافات بين الجارتين بشأن المثلث الحدودي وسد «النهضة»، تتهم السودان مصر بدعم متمردين سودانيين مناهضين لحكم الرئيس السوداني «عمر البشير»، وهو ما تنفيه القاهرة مرارا.

وتقابل مصر هذا الاتهام، بآخر للسودان، بإيواء معارضين منتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، فروا إليها عقب الانقلاب العسكري ضد أول رئيس مدني منتخب «محمد مرسي» في يوليو/تموز 2013.

ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي، منذ استقلال السودان، عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه، إثر محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» في أديس أبابا، حيث اتهمت القاهرة وقتها الخرطوم بالوقوف وراءها.

ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر؛ حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة علي هذه المنطقة.

يشار إلى أنه لم يكن للحدود السياسية بين مصر والسودان أية دلالة؛ حيث إن الدولتين كانتا ينظر إليهما كبلد واحد، وكانت أهمية الحدود بينهما قاصرة على الأمور الإدارية فقط ولذلك كانت الحدود مفتوحة للعبور دون قيود.

واستقر الوضع على هذا المنوال حتى أوائل القرن الـ19 وبالتحديد حتى عام 1820 حين ضم والي مصر، «محمد علي» السودان، ووضعه تحت سلطته السياسية، وبذلك امتدت حدود مصر السياسية جنوبًا لتضم الإقليم السوداني بأكمله.

وحينها اعترف السلطان «محمود الثاني» (حيث كانت مصر، آنذاك، إحدى ولايات الخلافة العثمانية)، بسلطة الوالي المصري على المناطق التي فتحها من الجنوب، وأقرّ عدم أحقية ولاة مصر في التنازل عن أية امتيازات تكون قد أعطيت لهم سواء في مصر أو في السودان، كما منعتهم من التخلي عن أي جزء من هذين الإقليمين، أو إبرام أية معاهدات سياسية بشأنهما.

نزاع قديم

وبدأ النزاع المصري السوداني بشكل فعلي على «مثلث حلايب وشلاتين» في أواخر يناير/كانون الثاني من عام 1958، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الخرطوم على خلفية إجراء الانتخابات البرلمانية في السودان في 27 فبراير/شباط 1958، محتجة على أن الجهة السودانية المشرفة على هذه الانتخابات «خالفت» اتفاق عام 1899 بشأن الحدود المشتركة بين الدولتين؛ وذلك لإدخالها المثلث ضمن الدوائر الانتخابية السودانية.

ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر؛ حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة علي هذه المنطقة.

وتعتمد مصر على اتفاق بين السودان وهيئة المساحة المصرية (حكومية) عام 1909، قام بمقتضاه الطرفان برسم خريطة للمنطقة أشير فيها إلى الحدود السياسية وفق دائرة عرض 22 شمالا (خط الحدود بين البلدين)، بما يشمل تبعية «حلايب» لمصر، جنبًا إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية، يضع «حلايب» تحت تبعية السودان.

ويعتمد الموقف المصري على فكرة أساسية، وهي أن السودان لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالا، وهي اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود، وهذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.

بينما يقول السودان، إنه على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحتة، لكن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899 (بداية الاحتلال الإنجليزي للسودان) و1958 يدل على أن مصر قد تنازلت عن حقوقها السيادية في هذه المناطق.

كما يعد ذلك سندًا للسودان للتمسك بالمناطق المذكورة تأسيسًا على فكرة التقادم القائمة على مبدأ الحيازة الفعلية وغير المنقطعة من السودان من جانب، وعدم وجود معارضة لهذه الحيازة من مصر من جانب آخر.

وتؤكد السودان أن مصر عندما اعترفت بها كدولة مستقلة ذات سيادة عام 1956، لم تشر في اعترافها إلى أية تحفظات بشأن الحدود؛ وهذا يعني أنها كانت ترى عدم وجود أية مطالب لها في هذه المناطق، أو أنها قد تنازلت عن هذه المطالب.

 

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

مصر السودان حلايب حلايب وشلاتين خلاف الأمم المتحدة