«ستراتفور»: القومية الجديدة.. كيف يغير الحصار قطر؟

الجمعة 5 يناير 2018 12:01 م

ما الفرق الذي قد يحصل في عام واحد؟ في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، تفوق التضامن العربي على القومية عندما ألغت قطر الاحتفالات الرسمية بالاستقلال في يومها الوطني، بعد سقوط حلب في يد الموالين لـ«بشار الأسد». والآن، وبعد أكثر من ستة أشهر من بدء الحصار المفروض على قطر من قبل جيرانها العرب، كان هذا الموسم من أيام الأعياد الوطنية في دول الخليج (احتفلت سلطنة عمان يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، تلتها الإمارات العربية المتحدة يوم 2 ديسمبر/كانون الأول، ثم البحرين في 16 ديسمبر/كانون الأول، وفي الأخير قطر في 18 ديسمبر/كانون الأول) الأكثر ازدحاما بالنزاعات البينية العربية أكثر من أي وقت مضى. ومع الانقسامات، تزهر أزهار قومية قطرية جديدة أقوى.

وقد تحولت الأيام الوطنية في الخليج من مجرد بعض أشكال الاحتفالات البسيطة والألعاب النارية والمسيرات على الكورنيش، إلى ممارسات لترسيخ قومية الدولة لدى مواطني المنطقة. وحتى المملكة العربية السعودية - التي اعترفت رسميا باليوم الوطني لأول مرة عام 2005، احتضنت احتفالات عامة أكثر تطورا. وكانت الذكرى السنوية الأربعين لاستقلال عمان والإمارات وقطر عام 2010 و2011 قد جاءت في شكل فخم مقارنة بالأعوام السابقة، حيث يتم تلافي آثار الربيع العربي عبر استغلال الأعياد الوطنية في ممارسات أساسية لتعزيز شرعية الحكومات.

ومع ذلك، فقد شهد هذا العام بالنسبة لقطر يوم وطني لا مثيل له.

تحول كبير

وفي عام 2007، حول الأمير - آنذاك - الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني» الاحتفال القطري بالعطلة من 3 سبتمبر/أيلول، الذي كان يرمز إلى الاحتفال بالصعود شبه الأسطوري للشيخ «جاسم بن محمد آل ثاني». وفي التاريخ القطري الرسمي، لعب جاسم دورا كبيرا ضد العثمانيين والبريطانيين للحصول على اعتراف دبلوماسي بالدوحة عام 1878. وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينظر فيها إلى شبه الجزيرة القطرية على أنها امتداد لشبه الجزيرة العربية.

كان التحول في تاريخ العطلات ملحوظا في رمزيته؛ حيث أنه بدلا من الاحتفال بإنهاء الاستعمار - مثل دول خليجية أخرى مثل البحرين والإمارات - عاد «حمد آل ثاني» مرة أخرى إلى ذكرى بين الأشقاء، عندما سيطرت البحرين على الدوحة والقرى العربية الأخرى من الخليج. وكان «جاسم» قد حارب البحرين وأبوظبي للإطاحة بالسلطة البحرينية في ستينات القرن التاسع عشر، وهي حرب وضعت قطر على الخريطة ككيان مستقل خاص بها. وخلال الحرب، أحرقت قطر أسطول البحرين الفائق، وفتحت الباب أمام الهيمنة البريطانية على الخليج العربي. وهكذا، فإن إعلان اليوم الوطني في 18 ديسمبر/كانون الأول جاء بإشارة قطرية واضحة، بأن الدوحة ترى - في الواقع - الاستقلال عن الإمبراطورية الأوروبية البعيدة أقل أهمية من حادث الاستقلال عن جار من الخليج العربي.

وكان شعار احتفال هذا العام «وعود الازدهار والمجد». وأوضح وزير الخارجية القطري الشيخ «محمد عبدالرحمن آل ثاني» أنه «رسالة موجهة إلى البحرين ومصر والسعودية والإمارات». وفي مواجهة المقاطعة الرباعية، انضم المغتربون في قطر والسكان المحليون - على حد سواء - إلى الكورنيش في الدوحة في عرض وتحدٍ وطني.

وقبل الحصار، تميزت الثقافة القطرية والقبلية والسياسية بقرون من التجارة والتفاعل مع جميع أنحاء الخليج. كما كان التجار والبدو يسافرون بين آبار الماء في القرون قبل النفط، وكانت الروابط بالأرض أقل أهمية من الشبكات القبلية. وأنتج ذلك خريطة قبائل ضبابية مع مناطق غير واضحة تمتد عبر شبه الجزيرة العربية. وكانت القبائل الكبيرة مثل الشامسي تمتد من الكويت إلى عمان. ولدى قبيلة العامري فروع من الإمارات إلى اليمن.

وحتى أن الهوية السياسية في قطر كانت مشوشة، حيث أن قطر إمارة يحكمها أمير، مثلها في ذلك مثل كل إمارة من الإمارات العربية المتحدة السبع. وكان من المفترض أن تنضم قطر في البداية إلى دولة الإمارات عام 1971، إلى أن قررت أن تسير بطريقتها الخاصة. ومن ثم فإن الهوية السياسية القطرية غاليا ما يشكك فيها الإماراتيون، ومن بينهم ضاحي «خلفان تميم» - رئيس شرطة دبي - الذي دعا الإمارات إلى ضم قطر، حتى قبل الحصار.

لكن الحصار الذي تم فرضه في يونيو/حزيران، أحدث صدعا شديدا في الرمال. وقد تم تقسيم القبائل والطوائف الدينية بسبب جواز السفر، مما أثار شكاوى من أفراد الأسرة الواحدة، الذين أصبحوا منقطعين الآن عن بعضهم البعض. وتحدد الهوية الوطنية الآن حرية التنقل والفرص الاقتصادية؛ حيث وجد القطريون - الذين كانوا قادرين على العمل والسفر والعيش بحرية في أي مكان في دول مجلس التعاون الخليجي - أنفسهم فجأة مطرودين من 3 دول من جيرانهم.

القومية الجديدة

وبهذه الطريقة، عززت سلطات الحصار - عن غير قصد - التمييز السياسي في قطر؛ حيث كانت شكاواهم الرئيسية هي عدم التزام قطر بالخط الذي حدده شركاؤها الآخرون في مجلس التعاون الخليجي. وقد أدى ذلك إلى ظهور قومية فريدة من نوعها لصالح الأمير «تميم بن حمد» آل ثاني. وقبل المقاطعة، كانت صورته الرسمية معلقة بالفعل في معظم المباني في الدوحة. وبعد أن بدأ الحصار، ظهرت صورة جديد له من قبل الفنان القطري أحمد بن ماجد المعاضيد، والتي انتشرت كالنار في الهشيم، وأصبحت تظهر الآن على اللافتات والسيارات والقمصان.

وفي جميع أنحاء قطر، بدأت الصناعات والأعمال التجارية تتكيف مع الحصار، وتبنت أوراق اعتماد القومية الجديدة كذلك. وقد صعد الأمن الغذائي - الذي تعرض للخطر جراء إغلاق الحدود البرية السعودية - إلى قمة جدول الأعمال. وعادت العاصمة القطرية - التي كانت تعتمد على دبي أو الرياض أو المنامة - إلى ديارها. وأصدرت الخطوط الجوية القطرية - الناقل الوطني - إعلانا ينتقد بشكل غير مباشر الحصار، ويحظى باهتمام كبير عبر الإنترنت. وقال الإعلان: «إن هذا العالم ملك لنا جميعا لاستكشافه، وإنه لأمر غريب أن نكون بمنأى عنه». وحقق هذا الفيديو 1.4 مليون مشاهدة، أي ما يعادل عدة أضعاف عدد سكان قطر، البالغ عددهم 300 ألف مواطن.

وبعد أن حاربت قطر إلى جانب السعوديين والإماراتيين في اليمن، جلبت القوات التركية لتعزيز جدارها الدفاعي ضد أي غزو عسكري محتمل. وأبرمت الدوحة صفقات تجارية جديدة مع تركيا وإيران لضمان أقل قدر ممكن من الانقطاع في أساليب حياة المواطنين العاديين. ثم، في اليوم الوطني نفسه، عرضت قطر ترسانتها التي لم تكن قد كشفت عنها حتى ذلك الوقت من أنظمة الصواريخ الباليستية سي-400 الصينية. ولا يزال من غير الواضح متى اشترت قطر هذا النظام الجديد للأسلحة، ولكنها حقيقة تدل على استعداد الدوحة لتجربة بكين كشريك رئيسي جديد للأسلحة. وبما أن الصواريخ الحوثية من اليمن تستهدف الرياض، فإن الظهور المفاجئ لهذا النظام كان مظهرا واضحا للاستقلال العسكري عن كتلة مجلس التعاون الخليجي.

ويعد ذلك تحولا صارخا عن أحلام الأمس، عندما كانت دول مجلس التعاون الخليجي تأمل في بناء عملة موحدة، واتحاد دفاع مشترك، وجوازات سفر موحدة من المجلس. وبغض النظر عن نتائج الحصار، فقد شهدت الهوية القطرية تغييرا عميقا في فترة قصيرة من الزمن.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

قطر حصار قطر تميم بن حمد القومية القطرية اليوم الوطني القومية الأزمة الخليجية