«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: الهجوم على «حميميم» يحطم رواية الانتصار الروسي

الأحد 7 يناير 2018 12:01 م

مضى أقل من شهر على إعلان الرئيس «فلاديمير بوتين» تحقيق نهاية ناجحة لتدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية، وإعلان انسحاب القوات الروسية من البلاد. لكن بعد أسبوعين من ذلك، شن مسلحون إسلاميون هجوما مميتا على القوات الروسية في سوريا.

ويبدو أن الحرب الأهلية السورية لم تنته، ولن يكون ذلك في أي وقت قريب. وقد يكون ضرر ذلك خطيرا -على المدى القصير- على الصورة العامة لروسيا. ولكن الأهم من ذلك بكثير هو ما إذا كانت روسيا ستتخلى عن نهجها في الشرق الأوسط، وما يعنيه ذلك بالنسبة للقوى المختلفة التي تتنافس على السلطة في سوريا.

وفى يوم 3 يناير/كانون الثاني، ذكرت صحيفة «كومرسانت» اليومية الروسية أن هجوما إسلاميا بقذائف الهاون على قاعدة حميميم الجوية يوم 31 ديسمبر/كانون الأول قد أصابت 4 قاذفات من طراز سو 24، ومقاتلتين من طراز سو-إس35 وطائرة نقل عسكرية. ونفت وزارة الدفاع الروسية التفاصيل التي وردت بتقرير «كومرسانت»، لكنها لم تنف الهجوم نفسه. وقالت الوزارة إن القاعدة تعرضت لقصف بقذائف الهاون من «جماعة تخريبية متنقلة»، وأن جنديين روسيين قد قتلا في الهجوم.

وحتى الآن، من الصعب أن نعرف بالتأكيد مدى الضرر في حميميم. وتعد «كومرسانت» عموما مصدرا موثوقا للمعلومات، وليس لديها سبب يذكر لتلفيق هذه القصة. وبالإضافة إلى ذلك، نشر مراسل حرب روسي واحد على الأقل صورا على وسائل التواصل الاجتماعي يزعم أنها للطائرات المتضررة. وإذا قبلنا للحظة أن التقارير صحيحة، فإن هذا الهجوم يعد مدمرا للغاية. ولا نعرف عدد الطائرات الروسية التي تتمركز في حميميم حاليا، ولكن في ذروة التدخل الروسي في سوريا عام 2016، كان لديها نحو 70 طائرة و4 آلاف موظف في القاعدة. وقال وزير الدفاع الروسي مؤخرا إن 36 طائرة عادت إلى قواعدها الدائمة في روسيا. وإذا كانت تقارير «كومرسانت» صحيحة، فإن ذلك يعني أن ما لا يقل عن 20% من الأصول الجوية الروسية في القاعدة -ونصف مقاتلاتها من طراز سو-35 المتمركزة هناك- قد أصيبت بأضرار.

وقد يكون مدى الدمار مهما جدا لتحديد درجة الضرر الذي لحق بروسيا، ولكن حتى نحصل على هذه المعلومات فعلينا الانتظار. وفي كلتا الحالتين، يمكننا أن نقول -على وجه اليقين- إن الهجوم قد أخذ القوات الروسية على حين غرة. وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية بالفعل أن روسيا سوف توسع المنطقة الأمنية حول القاعدة، وأن القوات الروسية ستكون الآن مسؤولة عن أمنها، وليس القوات السورية كما كان عليه الحال. وإذا كان أي نوع من هذه الأحداث -أو مزيج منها- صحيح، فإن ذلك لا يغير حقيقة أن هذه ضربة كبيرة لروسيا، وقد تم التخطيط لها بعناية، وتضر بصورة روسيا هناك. وهناك عدد قليل من الحوادث من هذا القبيل سيجعل من الصعب جدا على روسيا أن تدعي أن تدخلها في سوريا قد حقق أهدافه.

وفي خضم الحديث حول هذا الهجوم، تم إهمال العديد من العمليات العسكرية الأخرى التي قامت بها روسيا في سوريا هذا الأسبوع. وفي وقت سابق من يوم 3 يناير/كانون الثاني، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن مروحية من طراز مى-24 قد تحطمت بالقرب من مطار حماة العسكري، مما أسفر عن مصرع طيارين كانا على متن الطائرة. وفي الوقت نفسه، ذكرت رويترز -في نفس اليوم- أن الأصول الجوية الروسية قد دعمت هجوما للجيش السوري على مجموعة متمردة شرق دمشق. ولم يحدد «بوتين» موعدا لانسحاب القوات الروسية من سوريا عندما أعلن الانتصار الشهر الماضي، ولا تكاد الأنشطة الأخيرة على الأرض توحي بأن روسيا سوف تسحب الجزء الأكبر من قواتها في وقت قريب. وسيكون على روسيا الآن إثبات أنها يمكنها الانتهاء من عمل قالت أنها أنجزته بالفعل.

والسؤال المطروح الآن هو ماذا قد يبدو عليه مستقبل سوريا. وقد حاولت روسيا أن تجهز حلا دبلوماسيا ينهي الوضع الراهن. وفي هذه اللحظة، لا يمكن لأي كيان يتنافس على النفوذ في سوريا أن يكون له اليد العليا. والمشكلة بالنسبة لروسيا هي أنه لا أحد - عدا الأكراد السوريين - مهتم بالحفاظ على الوضع الراهن. ولا يتناسب الوضع الراهن مع إيران، التي تريد استعادة نظام «بشار الأسد» للسيطرة الكاملة واستئناف دمشق لدورها كوكيل إيراني، واستئناف حلم إيران بتوسيع النفوذ إلى البحر الأبيض المتوسط. كما أنه لا يتناسب مع تركيا، التي عرضت هذا الأسبوع فقط دعمها لإنشاء جيش جديد، وهو قوة قوامها 22 ألف شخص، من شأنها أن تقاتل ضد «الأسد» وتنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعة الكردية المسلحة، ولكن الهدف الأول سيكون أكراد سوريا في عفرين. أما عن نظام «الأسد» -من جانبه- فيود أن تعود إليه بلده دون أن يضطر إلى تقاسم السلطة مع أي طرف، وهذا يعني إبقاء روسيا على الأرض في سوريا إلى أجل غير مسمى، للمساعدة في جهودها الرامية إلى استعادة البلاد.

ما بدأ في سوريا عام 2011 كان حربا أهلية. وقد توقفت هذه الحرب في الواقع عندما خرج تنظيم «الدولة الإسلامية» من رحم الفوضى واستولى على الأراضي في سوريا والعراق. ومع انتهاء «الدولة الإسلامية»، استؤنفت الحرب الأهلية. وليس هذا هو السرد الذي تريده أي من البلدان المعنية لأن يسمعه العالم. وتريد روسيا ونظام «الأسد» أن يعتقد العالم أن الشيء الوحيد الذي يجب القيام به هو القضاء على عدد قليل من جيوب المتمردين الجهاديين. وتأمل إيران في تعزيز الوجود الإيراني، فيما لا تزال تركيا تأمل في أن تتمكن من إعادة وضع الأكراد السوريين بطريقة ما، مع استبدال «الأسد» بحكومة سنية تخدم المصالح التركية. وتستخدم كل دولة من هذه البلدان الوكلاء الخاصين بها لمحاولة تحقيق أهدافها الخاصة، وكل منها يحاول تدوير الحالة بطريقة تعكس نجاحها الخاص.

ومع ذلك، فمفهوم النجاح مضلل بعض الشيء في هذا الجزء من العالم. فإذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» قد هزم، ولم يتبق سوى عدد قليل من المتمردين، فكيف يتم قصف إحدى القواعد الروسية الرئيسية في المنطقة بقذائف الهاون؟ حسنا، يبدو أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به من قبل روسيا. ولن يكون ذلك مشكلة إذا لم تكن روسيا قد حاولت بالفعل استخدام تدخلها في سوريا كدليل على نفوذها في المنطقة وفي العالم. لكن روسيا حاولت الإشارة إلى مهمتها السورية كدليل على القوة الروسية، وهذا يجعل في هذا الهجوم تحطيما لهذا السرد، سواء أكان قد دمر الطائرات المذكورة أم لا. وكانت روسيا قد ذهبت إلى سوريا في حين كان الاقتصاد في حالة يرثى لها، بسبب انخفاض أسعار النفط عن المتوقع، وعندما كانت مصداقية «بوتين» تعاني بعد ثورة أوكرانيا عام 2014. وتحتاج الحكومة الروسية إلى مغادرة سوريا بانتصار واضح أمام الشعب الروسي. وكلما قلت إمكانية هذا الاحتمال، كلما ازدادت قدرة هذا التدخل على تحقيق نتائج عكسية.

  كلمات مفتاحية

قاعدة حميميم بوتين سوريا روسيا