استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إيران تستقبل ذكرى ثورتها وسط توترات محلية وإقليمية

الاثنين 8 يناير 2018 08:01 ص

الاحتجاجات التي شهدتها المدن الإيرانية الاسبوع الماضي كانت في اساسها بدوافع اقتصادية، بعد ان تضافرت عوامل عديدة لترفع معدلات التضخم والاسعار ونسب البطالة. ولكنها سرعان ما تحولت إلى حوادث شغب ودعوات تستهدف النظام الاسلامي الذي تأسس بعد انتصار الثورة قبل اربعة عقود.

والاحتجاجات من هذا النوع طبيعية خصوصا في الدول الكبرى والديمقراطية. وما اكثرها في العواصم الغربية التي تشهد احتجاجات وتظاهرات للاسباب نفسها. وتشهد عواصم مثل لندن وباريس حوادث مشابهة بين الحين والآخر خصوصا في ظل سياسات التقشف التي تنتهجها حكومات هذه الدول.

بل ان جوهر الممارسة الديمقراطية في اغلب هذه البلدان يتأثر كثيرا بالاوضاع الاقتصادية ويتم انتخاب حزب دون غيره لأن سياساته الاقتصادية او أداءه في الحكم يستهوي الناخبين.

ومنذ عقود تعاني الجمهورية الاسلامية الإيرانية من اوضاع اقتصادية ضاغطة لاسباب عديدة:

أولها القيود التي فرضت عليها بعد الثورة التي اخرجتها من الفلك الغربي. وساهمت ازمة الرهائن الامريكيين في فرض حصار استمر حتى الآن.

ثانيها: ان الحرب العراقية ـ الإيرانية ساهمت في الضعف الاقتصادي، فقد استهلكت قسما كبيرا من الدخل القومي واحدثت دمارا احتاج عقودا لاصلاحه، وقلصت الصادرات النفطية اما نتيجة قصف موانئ التصدير في جزيرتي خرج وسيري او بسبب الحصار وامتناع الدول الغربية عن استيراد النفط الإيراني.

ثالثها: بروز الملف النووي قبل خمسة عشر عاما الذي ساهم في إحكام الحصار ليشمل الجانب المصرفي، فلم تستطع إيران استلام العائدات النفطية عبر الوسائل المصرفية المعتادة.

رابعها الزيادة الكبيرة في عدد السكان، اذ تجاوز 80 مليونا، مع تراجع العائدات في الوقت نفسه.

ويسجل لإيران ان اربعة عقود من الحصار الاقتصادي ساهمت في تحريك ادمغة قادتها وعلمائها ليتوجهوا نحو التصنيع باشكاله المتعددة والاهتمام بالإنتاج الزراعي لتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي.

وثمة من يقول ان التحاق إيران بما يسمى «الاقتصاد الحر» كان من عوامل تأزيم الاوضاع الاقتصادية. فبعد توقيع الاتفاق النووي في العام 2015 تصاعدت توقعات الشعب وآماله بانفراج اقتصادي واسع، خصوصا ان الدول التي وقعت عليه (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الامن بالاضافة إلى المانيا) قدمت وعودا مغرية برفع الحصار واعادة الاموال المحتجزة في الخارج.

ويتضح اليوم ان العائد الاقتصادي من ذلك الاتفاق لم يكن بمستوى طموح الجماهير وآمالها. ففي مقابل استعادة إيران جزءا من مستحقاتها المالية من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، إلا أنها قليلة جدا اذا قورنت بالموازنة السنوية التي تبلغ 110 مليارات دولار.

في الوقت نفسه انخفضت اسعار النفط إلى ما دون النصف مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة اعوام تقريبا. ومع ان إيران سعت لزيادة صادراتها النفطية وأطلق مسؤولوها تصريحات تشير إلى امكان رفع الصادرات إلى اكثر من اربعة ملايين برميل يوميا، الا انها لم تتجاوز 3 ملايين في ذروتها في شهر آذار/مارس الماضي.

هكذا تقلصت العائدات النفطية في الموازنة إلى اقل من 40 مليارا في العام. وكان حريا بالرئيس الشيخ حسن روحاني ان يدرك بشكل واقعي الصعوبات الاقتصادية التي يعاني المواطنون منها وان لا يلجأ لرفع الدعم عن بعض الاحتياجات الحياتية الملحة كالخبز والبنزين.

وفي خطابه امام البرلمان الشهر الماضي الذي طرح فيه موازنة للسنة المالية المقبلة (التي تبدأ في شهر آذار/مارس) قال انها ستؤدي إلى «توفير فرص عمل وبذلك يتقلص معدل البطالة (الذي وصل إلى 13 بالمائة حسب الارقام الرسمية) وتتراجع حالة الفقر وتتحقق العدالة الاجتماعية».

لذلك فحين اندلعت الاضطرابات تساءل الكثيرون عن مدى واقعية التوقعات من تلك الموازنة. هذا مع العلم ان ارقام صندوق النقد الدولي تشير إلى نمو الناتج المحلي بمعدل 12.5 بالمائة في العام الذي سبقها.

مناهضو النظام الاسلامي يركزون على مخصصات بعض القطاعات العسكرية والامنية، ويرون فيها توسعا غير مقبول. وخلال الاحتجاجات الاخيرة اشار البعض إلى دعم إيران لما تسميه «حركات المقاومة» وهو عنوان ارتبط بهوية الثورة واهداف قادتها منذ اربعة عقود.

فهناك دعم لمجموعات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وبعض المجموعات المسلحة العراقية، بالاضافة للانفاق على الحرس الثوري وقوات التعبئة الشعبية ومكتب الولي الفقيه.

وليس في هذا جديد، لأن موازنات دول العالم تتضمن بنودا مشابهة. فنظام الحكم الإيراني يعتبر الحرس الثوري ضمانة ضد اية محاولة لزعزعة امن النظام او الانقلاب العسكري عليه.

وقد تعلم القادة الإيرانيون درسا بليغا من تجربة الانقلاب على الرمز الوطني التاريخي، محمد مصدق، الذي دبرت الاستخبارات الامريكية والبريطانية انقلابا عليه في 1952.

ولدى الدول الاخرى مؤسسات على غرار الحرس الثوري. فقد كان لدى النظام العراقي في عهد صدام حسين «الحرس الجمهوري» المكلف بحماية النظام ورئيسه وحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.

ولدى المملكة العربية السعودية «الحرس الوطني» الذي بقي عقودا تحت قيادة الامير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

وحتى الحكومات «الديمقراطية» الغربية تمتلك اجهزة استخباراتية او امنية خاصة، فلدى بريطانيا قوات SAS التي تفتخر بها المؤسسة الحاكمة وتستخدمها لحماية النظام في الداخل وبسط النفوذ خارج الحدود.

وهكذا اصبحت تعقيدات الدولة الحديثة تتطلب تشكيلات خاصة لحماية نظامها السياسي ومنع الانقلابات او التصدي للارهاب المنظم وكافة محاولات التخريب والشغب. ويعتبر النظام الإيراني من أبلغ مصاديق الادلجة السياسية. فهو لا يخفي طبيعته واهدافه بل يطرحها ويدافع عنها.

إيران بين الضغوط الاقتصادية داخليا والاستهداف السياسي الخارجي، إلى اين تسير؟ وما مدى الاخطار الداخلية والخارجية التي تهدد امنها ونظامها؟ ثمة حقائق يجدر ذكرها:

الاولى ان المواطن الإيراني يواجه صعوبات معيشية كبرى لا يجوز التقليل من شأنها، واسبابها عديدة تم التطرق لبعضها اعلاه.

الثانية ان إيران مستهدفة من اعداء يزدادون شراسة، تتصدرهم الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي لاسباب معروفة.

ثالثها ان هناك قوى إقليمية تستهدف إيران بدعوى تمدد نفوذها الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

رابعها ان إيران، كغيرها من البلدان، تعاني من تعدد مراكز القوى والتباين الفكري والاختلاف الايديولوجي، وان هناك تيارات تعتقد بضرورة التركيز على الداخل والانكماش في الخارج، وترفض توسع النفوذ الإيراني في المناطق المذكورة.

خامسها ان الاستهداف الخارجي ليس موجها لإيران فحسب، بل ان دولا اسلامية كبرى اصبحت في مرمى إدارة الرئيس الامريكي، دونالد ترامب. فقد استهدفت تركيا العام قبل الماضي بمحاولة انقلابية خطيرة لا تنفصل عن الرغبات الامريكية، ووجه ترامب مؤخرا سهامه نحو باكستان مهددا بقطع المعونات عنها ومدعيا بدعوى ان امريكا تدفع ولا تحصل شيئا في المقابل.

وقال في احدى تغريداته مؤخرا: «ان باكستان لم تعطنا شيئا سوى الخداع والكذب». واضاف ان باكستان «تؤوي الارهابيين الذين نتعقبهم في افغانستان». وقد قررت ادارته الاسبوع الماضي تعليق الدعم المالي الذي يتجاوز المليار دولار سنويا.

وباستهداف هذه الدول الثلاث اتضحت الرسالة الامريكية للعالم الاسلامي بانه يسعى لتركيعها جميعا كما فعل بالسعودية.

وجاء في الكتاب الذي غطى كبير مستشاري الرئيس الامريكي السابق، ستيف بانون، أهم قضاياه بعنوان «النار والغضب: فى بيت ترامب الأبيض»: إن الرئيس الأمريكي أخبر أصدقاءه أنه هندَس انقلابا في السعودية مع صهره جاريد كوشنر، وذلك بعد تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد في السعودية.

ونسب إلى ترامب تغريدة تقول: «لقد وضعنا رجلنا في القمة». هذه الحقائق دفعت الرئيس التركي، طيب اردوغان، الذي يزور فرنسا للقول: «لا يمكننا أن نقبل تدخل بعض الدول على رأسها إسرائيل وأمريكا في شؤون إيران وباكستان».

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

إيران احتجاجات إيرانية أزمة الاقتصاد الإيراني الاستهداف الخارجي تركيا باكستان أميركا إسرائيل السعودية اقتصاد السوق (الحر)