لماذا يغضب الإيرانيون من «روحاني»؟

الثلاثاء 9 يناير 2018 01:01 ص

منذ أن بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران - في 28 ديسمبر/كانون الأول - ركزت التغطية الإعلامية الغربية - بشكل غير متناسب - على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، باعتبارها الدوافع الرئيسية وراء غضب المواطنين. ولا يمكن إنكار أن المشقة الاقتصادية هي السبب الجذري الأساسي، ولكن تجاهل المظالم السياسية الكامنة وراءها يعد إغفالا للنضال الأكبر من أجل مستقبل البلاد.

وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني «حسن روحاني» قد لا يكون الهدف الرئيسي ولا السبب المباشر للتظاهرات، إلا أن سجله في منصبه - منذ فوزه بإعادة انتخابه في مايو/أيار الماضي - كان خيبة أمل كبيرة لنحو 24 مليون إيراني صوتوا له في ولايته الثانية. فبدلا من أن يسعى «روحاني» إلى اتباع طريقه الخاص، عاد مرارا وتكرارا إلى اتباع مسرحية المرشد الأعلى - غير المنتخب - «آية الله علي خامنئي»، مما وسع من الفجوة - الخطيرة أصلا - بين الإيرانيين العاديين والنخبة الإسلامية الشيعية الحاكمة التي تهدف إلى تمثيلهم.

ولا يمكن للإصلاح الكبير المنتظر أن ينقذ الجمهورية الإسلامية على المدى الطويل.

فجوة بين الشعارات والواقع

وعلى الرغم من تصويره بالإصلاحي في بعض وسائل الإعلام الغربية، إلا أن «روحاني» لم يسم نفسه بالإصلاحي السياسي، ولا يعتبره الجمهور الإيراني كذلك. وكان فوزه الانتخابي أقل ارتباطا بشعبيته، وارتبط أكثر بعدم شعبية خصمه المتشدد «إبراهيم رئيسي». غير أنه خلال الحملة، تعهد «روحاني» بتعهد رئيسي أمام الناخبين، من خلال وعده للمواطنين بقدر أكبر من الحرية السياسية عندما يعاد انتخابه. وقال إن حكومته ستعمل - في فترة ولايته الثانية - «100% للإيرانيين»، وأنه سيسعى إلى فتح الطريق أمام المشاركة السياسية للشباب والنساء والأقليات العرقية والدينية. وتعهد مرة أخرى بالسعي لإطلاق سراح زعماء المعارضة الذين هم قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2011، وهو تعهد كان قد تعهد به سابقا قبل انتخابه الأول في عام 2013.

ويعد الإفراط في الوعود الانتخابية سنة ليست فريدة من نوعها بالنسبة لإيران، ولكن في حالة «روحاني»، كانت الفجوة بين الشعارات والواقع مبهرة.

وبدأت خيبة الأمل في أول مؤتمر صحفي له بعد إعادة انتخابه. كان الخطاب الأول لـ«روحاني» حذرا وغير ملهم، حتى أنه لم يذكر السجناء السياسيين في البلاد، الذين كان الإفراج عنهم حجر الزاوية في حملته الانتخابية. كان ذلك فظا وسيئا.

والأسوأ من ذلك، عين «روحاني» وزراء الحكومة من الأسماء التي وافق عليها خامنئي مسبقا. وخلال حملته الانتخابية، أعرب عن تعاطفه مع الناشطات والناخبات الإيرانيات، ثم لم يعين أي امرأة في حكومته، على الرغم من مخاطبتهن بشكل خاص أثناء الحملة. وبالانتقال أيضا إلى السُنّة في إيران - الذين يمثلون نحو 10% من السكان - فقد منحوه دعما قياسيا في صندوق الاقتراع. (في كردستان وبلوشستان - أكبر المقاطعات ذات الأغلبية السنية - أيده 7 من كل 10 ناخبين). واختار «روحاني» بدلا من ذلك استرضاء رجال الدين الشيعة المتشددين، الذين دعموا منافسه «رئيسي»، وأبعد السنة عن حكومته، فلم تعين حاكما سنيا واحدا لأي من محافظات البلاد البالغ عددها 31 محافظة.

فجوة ديمغرافية كبيرة

وسلطت هذه المظاهرات الضوء على فجوة ديموغرافية كبيرة بين حكام إيران ومن يحكمونهم. فرئيس مجلس صيانة الدستور «أحمد جنتي» الذي يدعم النظام أيدلوجيا يبلغ 90 عاما، في حين أن 90% من المتظاهرين - الذين اعتقلوا في الأيام الأخيرة - كانوا تحت سن 25 عاما.

ومنذ إعادة انتخابه، تخلى «روحاني» عن التركيبة السكانية الرئيسية التي صوتت له، وسعى بدلا من ذلك إلى خلق منصة للتعايش الدائم مع المتشددين. وبصفته رجلا يطمح إلى منصب «خامنئي» كمرشد أعلى، يرى هذا الفصيل في الجمهورية الإسلامية محوريا لفرصه لمواصلة الترقي في سلم السلطة. وتبدو الحملة التي وعد بها قبل بضعة أشهر على ما يبدو ذكريات بعيدة.

وكان من أبرز الوعود التي تخلف عنها «روحاني» تحدي الحرس الثوري، وهي القوة السياسية والعسكرية التي تقود العمليات العسكرية الإيرانية في المنطقة، في أماكن مثل العراق وسوريا، بينما تواجه الاحتجاجات في الداخل.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أعلن عن زيادة في ميزانيتها، وقاوم الضغوط الدولية للحد من الأنشطة المثيرة للجدل للقوات. ولم يكن «روحاني» قد أدرج المزيد من الأموال لبرنامج الصواريخ الباليستية الخاضع لسيطرة الحرس الثوري أو فيلق القدس - الفرع الخارجي للحرس الثوري - على جدول الأعمال، عندما قام بتنظيم حملة إعادة انتخابه في مايو/أيار. ويمكن للمرء أن يلحظ الاستياء العام المتزايد ضد الحرس الثوري في هتافات المتظاهرين مثل «لا غزة، لا لبنان، حياتي فداء لإيران». وفي الأشهر الأخيرة، فيما تعرضت إيران لعدد من الزلازل المميتة، كان رد الدولة ضعيفا، وبدا أن الأولويات الخارجية للجمهورية الإسلامية أصبحت فوق كل شيء.

وحتى عندما تحدى الحرس الثوري «روحاني» صراحة، عندما قام فرع الاستخبارات الخاص به باعتقال عدد من المواطنين مزدوجي الجنسية، وخاطر بتخويف المستثمرين الأجانب، اختار الرئيس المنتخب الاستمرار في العمل مع أكثر العناصر المتشددة في النظام. وفي المناظرات الرئاسية التي جرت في مايو/أيار، والتي بثها التلفزيون على الهواء مباشرة، هاجم «روحاني» المتشددين كثيرا، بمن فيهم الحرس الثوري، بسبب تكتيكات حروب العصابات التي تقوض صورة إيران العالمية. غير أنه لم يفعل شيئا يذكر منذ ذلك الحين لمواجهة نفس العناصر التي سخر منها. ومع عدم القيام بذلك، لم يفشل فقط في تحقيق توازن أكبر في توزيع السلطة بين الأجهزة المنتخبة وغير المنتخبة في الجمهورية الإسلامية، ولكنه أثار أيضا مسألة ما إذا كان هذا النظام قادرا على الإصلاح الذاتي عن طريق صندوق الاقتراع على الإطلاق.

وفي عام 2009، عندما كانت إيران قد خرجت في احتجاجات شعبية واسعة النطاق، كان الطلب الشعبي الرئيسي هو إعادة الانتخابات، التي اعتبرها الكثيرون مزورة بشكل واضح. أما في هذه المرة، كان المتظاهرون غاضبين جدا، مطالبين باستبدال النظام السياسي بأكمله. وتم اعتبار هتافات مثل «الموت لخامنئي» و«الرحيل لرجال الدين» من قبل المتظاهرين هي الأكثر تطرفا في مطالب التغيير منذ ولادة الجمهورية الإسلامية عام 1979. ويبدو أن تعنت هذا النموذج السياسي قد أقنع جيل الشباب من الإيرانيين أن إصلاح النظام غير ممكن. وبطبيعة الحال، لا يمكن إلقاء اللوم على «روحاني» وحده. فمنذ احتجاجات عام 2009، كان «خامنئي» وأفواجه - مثل الحرس الثوري - قد اتخذوا تدابيرا أكبر لخنق عملية الإصلاح السياسي في إيران.

ومع ذلك، يمكن أن ينظر «روحاني» إلى الاحتجاجات الأخيرة باعتبارها فرصة لإثبات قوته وولائه للنظام. ومنذ مايو/أيار الماضي، تحول إلى مغازلة المتشددين من أجل إعطاء نفسه فرصة حاسمة ليصبح المرشد الأعلى التالي. ومع الصدمة من حجم الغضب الشعبي في صفوف النظام، ينبغي لـ «روحاني» النظر في تحويل سهام النقد إلى منافسيه.

ولكن لديه خيار واحد للرسالة التي يجب أن ينقلها: أن الطريقة الوحيدة الصالحة للحفاظ على الجمهورية الإسلامية باقية هي إطلاق إصلاح سياسي عميق وهادف. قد يكون الوقت متأخرا جدا، لكن «روحاني» يدين بقدر كبير لما يقرب من 24 مليون أعادوا انتخابه.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

حسن روحاني الاحتجاجات الإيرانية المرشد الأعلى علي خامنئي