يبني الباحث «شفيق شقير» دراسته (الموقف التركي والقطري من القضية الفلسطينية)، الصادرة عن مركز «الزيتونة»، هذه على وجود قواسم مشتركة بين الموقفين التركي والقطري تجاه القضية الفلسطينية خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في 2002 بالرغم من اختلاف الموفقين وفقا لظروف البلدين ومسارات الحكم فيهما.
لقد أظهرت تركيا و قطر تشابها لافتا في مواقفهما من القضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال التعامل مع نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي فازت بها حركة حماس وحتى في الموقف من عملية السلام وحل الدولتين.
لكن تركيا وقطر تميزتا عما سمي بمحور المقاومة ومحور الاعتدال بموقفهما الإيجابي من عملية التسوية في نفس الوقت الذي ربطتهما علاقات جيدة مع المقاومة الفلسطينية على عكس العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى.
ما قبل انتخابات عام 2006
في حين انقسمت دول المنطقة إلى دول ممانعة واعتدال منذ بداية التسعينيات، فإن كل من تركيا وقطر لعبتا دور الجسر أو الوسيط بين المحورين وكونتا علاقات جيدة مع الطرفين حيث كانت لهما علاقات مع إسرائيل وفي نفس الوقت جمعتهما علاقات جيدة مع فصائل المقاومة.
جمعت تركيا علاقات مميزة مع إسرائيل وكانت أفضل فترة للعلاقات منذ 1996 إلى 2002، وقام رموز الحزب الحاكم في تركيا وعلى رأسهم الرئيس التركي الحالي «رجب طيب أردوغان» بزيارة إسرائيل بعد ذلك في إطار تشجيع عملية السلام، لكن اللهجة التركية لم تخل من انتقاد لإسرائيل، حيث وصفت تركيا مذبحة جنين بأنها مذبحة جماعية، وفي وقت سابق أدانت حصار الرئيس «عرفات» كما حسنت تركيا في تلك الفترة علاقاتها مع سوريا. وقامت بالانفتاح أكثر على إيران.
ثم جاء الاعتراف التركي بفوز حماس في الانتخابات في 2006 لتراه إسرائيل بمثابة تغير في السياسة الخارجية التركية تجاهها.
بالنسبة لقطر، فإن موقفها قبل التسعينيات لم يكن بدعا من السياسة العربية بشكل عام. لكنها وثقت علاقاتها مع إسرائيل التي افتتحت مكتبا تجاريا في الدوحة. و في 2003 رفضت قطر حصار الرئيس «عرفات»، وبدت كأنها تدعم «عرفات» في هامش المقاومة الذي احتفظ به مع مسيرة السلام، وفي الوقت الذي كانت تربطها علاقات مع إسرائيل، فإنها أطلقت يد الجزيرة في الانحياز لثوابت الشعب الفلسطيني وفي هذا الوقت عززت دورها كوسيط نشيط في المنطقة.
بعد تولي الرئيس «عباس» السلطة في 2005 وظهور الخلافات مع حماس، حاولت قطر رأب الصدع وإنهاء الانقسام لكن سياستها في تفهم حركة حماس بدت أقرب إلى (استدعاء بعض المقاومة إلى عملية السلام). وفي هذه الفترة قدمت قطر دعما لحكومة حماس ولقطاع غزة. واستفادت حماس من دعم دول من خارج محور المقاومة.
حرب الفرقان (2008)
عملت خلالها الدبلوماسية التركية والقطرية على إيجاد مخرج سياسي من خلال إقرار هدنة، ودعت لقمة طارئة قاطعتها قوى الاعتدال ورأت اسرائيل أن قطر ققد فزت قفزة نوعية في دعم حماس.
وفي هذا السياق جاءت إدانات متكررة من الزعماء الأتراك وخاصة «أردوغان» لسلوك إسرائيل، وأخذت العقلاات في التدهور إلى أن وصلت للانقطاع في 2010 بعد اعتداء إسرائيل على أسطول الحرية حيث أعلنت تركيا أن إسرائيل لا تصلح كشريك لها.
ويمكن القول أن تركيا وقطر في هذه المرحلة شكلتا مظلة فوق حماس على المستوى الاقليمي والدولي من منطلق دعم الديموقراطية بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية.
الربيع العربي
انحازت كل من تركيا وقطر للثورات العربية، في حين وقفت دول مثل السعودية والإمارات ضدها، وتحول الموقفان التركي والقطري من موقف الوسيط بين محوري المقاومة والاعتدال إلى مركز مستقل.
في 2012 وقفت قطر وتركيا بجانب مصر في ظل ولاية الرئيس «مرسي»، ولعبتا دورا مهما في إيقاف الحرب على غزة في 2012 كما قامت قطر بدور كبير لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وتوصلت لذلك في فبراير 2012 ونجحت في اقناع الفلسطينيين بإقامة حكومة وفاق وطني.
في ذات العام وتحديدا في 29 نوفمبر 2012، لعبت تركيا دورا مهما في دعم فلسطين للحصول على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وفي 2012 تم قراءة السياستين التركية والقطرية في ظل الحراك الثوري على أنهما تعملان في سياق تحالف مع الإخوان المسلمين وأيضا مع حماس في محاولة لإبعادها عن إيران وسوريا.
ولكن بعد الانقلاب في مصر، ظهر عدم الانسجام بين تركيا وقطر من جهة ومصر من جهة أخرى، خاصة أثناء العمل على وقف الحرب على غزة في 2014. ولكن قطر وتركيا واصلتا التنسيق مع كل من حماس والرئيس «عباس». أما مصر فقد قطعت علاقتها تقريباً مع حركة حماس وشنت حملة أمنية وإعلامية ممنهجة ضدها.
كثرت التكهنات مؤخرا (قبيل وفاة العاهل السعودي) حول قيام السعودية برعاية تقارب مصري قطري، ومدى تأثير ذلك على توتر علاقة قطر مع حركة حماس، وترددت أنباء عن خروج «مشعل» من الدوحة تم نفيها لاحقاً، ومن المرجح استمرار الخلاف حول التعامل مع «حماس» بين مصر وقطر ولكن أي تحسن في العلاقات بينهما قد يعطي بعداً إيجابياً.
اعتمدت كل من تركيا وقطر فوز حماس في الانتخابات كوسيلة للتعامل مع الحركة بشكل رسمي، وإن تركيا تحديدا لم تكن ترغب في توتير علاقاتها مع اسرائيل لكن أحداث سفينة مرمرة أدت لذلك، وبعدها قبلت تركيا اعتذار اسرائيل وتم التفاهم على التعويضات، ويبدو تركيا تحاول أن توصل لرسالة لإسرائيل مفادها أن العلاقة بينهما تعتمد بشكل كبير على سلوكها تجاه فلسطين.
لايمكن توظيف الموقفين التركي والقطري في الهدف المباشر لحماس بالتحرير من البحر إلى النهر والاعتماد، ولكن الدولتان توفران شبكة أمان للمقاومة ودعم مباشر لصمود الشعب الفلسطيني في جوانب سياسية وإنسانية ويمكن الاستفادة من موقفهما فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينيةعلى حدود 1967.