53 ألف حالة بـ2017 .. هل استسهل السعوديون «أبغض الحلال»؟

الأربعاء 24 يناير 2018 09:01 ص

مع ارتفاع نسبة الطلاق في السعودية، ترتفع وتيرة النقاشات بين المراقبين والمتابعين لتلك النسب المرتفعة، التي تجاوزت عشرات الآلاف من حالات الانفصال، في محاولة للوصول إلى أسباب تلك الظاهرة، وسهولة الاضطرار إليها.

وحول ذلك، حذر المستشار والباحث الاجتماعي السعودي «سلمان بن محمد العُمري» من انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي، بعدما شهدت المحاكم أحكاما في قضايا الطلاق بلغت 53 ألفا و 675 قضية خلال العام الماضي 2017، بمعدل 149 حالة طلاق يوميا، إضافة إلى 6 آلاف و 163 حالة صادرة من مكتب الطلاق الخاص بمفتي المملكة، بمعدل من 125 إلى 130 قضية أسبوعية، وبزيادة 846 قضية عن عام 2016.

وأكد «العُمري»، في منتدى «العمري» الثقافي، أن مئات الطلاقات لا تسجل في المحاكم، مشيرا إلى أن دراساته تؤكد أن نسبة حالات الطلاق في مجموعها قد تصل 40 - 45% من عقود الزواج البالغة 159 ألفا و 386 عقدا خلال العام الماضي، ما يستوجب ضرورة معالجة الظاهرة بعد تفشيها بشكل كبير في المجتمع السعودي، للحد من تفاقمها والوقوف على أسبابها وآثارها السلبية، للحيلولة دون نبذ المطلقات مجتمعيا، وتعرض المطلقين للأمراض النفسية.

ولفت «العمري» بحسب صحيفة «عكاظ»، إلى تلك التقديرات، مستندا على إحصاءات وزارة العدل، التي تعد الطلاق مشكلة اجتماعية تحتاج إلى المزيد من الدراسات العلمية الميدانية لمحاولة الحد من تفاقمها.

واستدرك: «هناك المئات من حالات الطلاق لم تدون أو تسجل في المحاكم»، مضيفا أن «الطلاق ظاهرة اجتماعية لها جذورها التاريخية وقد سادت لدى الأمم القديمة، واتخذت صورا وأشكالا مختلفة، وغلب عليها الظلم وعدم الإنصاف والفوضى».

وأكد على أهمية استقرار الأسرة كأساس لاستقرار المجتمع وحفظ للرجل وللمرأة حقوقهما على حدٍ سواء.

 

دور وسائل التواصل

وأردف: «الطلاق أبغض الحلال إلى الله، وقد حذر منه الإسلام وكشف خطورته ومساوئه، خصوصا أن الله شرعه في ظروف معينة لا يجوز تجاوزها وتعديها، لما فيه من خطر جسيم على بنيان الأسر وحياة أفرادها وخصوصاً الأبناء، دون أن ننسى الزوج والزوجة بطبيعة الحال».

وتابع: «المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية شهدت تغيرات واسعة في العقود الأخيرة أثرت في بنيتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعد تسارع معدلات التغير الاجتماعي نتيجة عوامل عدة كانتشار وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة، وتكوين المجتمعات الحضرية، والتحول إلى حياة المدن، والتعليم والعمل في أدوار مهنية جديدة، وانفتاح المجتمع على ثقافات أخرى».

واعتبر«العمري» أن هذه التغيرات أدت إلى تغيرات مهمة أخرى في بناء الأسرة ووظائفها، وقال حول ذلك في تصريحات لذات الصحيفة السعودية: «إن النسق الأسري كان من أكثر أنساق البناء الاجتماعي تأثرا بهذه التغيرات التي تجلت بصورة زيادة عالية في معدلات الطلاق بالمجتمع».

وأردف: «لعل أصدق ما يُقال عن وسائل الاتصال أنها قربت البعيد وبعدت القريب، وتسببت في جفوة بين الأم وأبنائها، والزوج وزوجته، والأب وأسرته، ناهيك عن المشاكلِ الأخرى من القيل والقال التي ربما كانت سببا في الهجر والخصومة».

واستطرد «العمري» قائلا: «إن اهتمامي في الشأن الاجتماعي والوطني دفعني لدراسة مشكلة الطلاق إذ أطلقت قبل سنوات دراسة تشخيصية بعنوان «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي»، خرجت بنتائج وتوصيات مهمة، وأتبعتها بدراسة بحثية بعنوان: «قبل إعلان حالة النكد»، وهو استمرار لبعض توصيات دراسة ظاهرة الطلاق.

وأوضح أنه أكد فيها ضرورة وجود دورات تثقيفية للمقبلين والمقبلات على الزواج، من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قبل سنوات، وبالذات عن طريق بعض الجمعيات الخيرية، وصولا إلى تخصيص مجلس الوزراء السعودي دعما سنويا لتنفيذ هذه الدورات.

 

الإكراه على الزواج

ومضى «العمري» متحدثا: «هناك من الباحثين من كشفوا في دراساتهم أسبابا أخرى كثيرة للطلاق أبرزها: تدخل الأهل، وفرض الزوج والزوجة من قبل الأهل، وعدم التحري فترة الخطوبة، الإكراه على الزواج، حجز المرأة للزواج من الأقارب اللصيقين كأولاد العم أو أولاد الخال، والذي يتم عادة منذ الصغر، وجود أولاد للزوج أو الزوجة من زواج سابق، عدم رغبة الزوجة في العيش مع أهل الزوج، إصرار الزوجة على إكمال تعليمها أو الاستمرار في الوظيفة، عدم إعداد الأبناء للزواج وتحمل مسؤولياته».

كما لفت إلى وجود أسباب أخلاقية للطلاق، منها: سوء العشرة من أحد الزوجين، وعدم القيام بالواجبات الشرعية والحقوق الزوجية من أحد الزوجين، وعدم العدل بين الزوجات، الغضب، ارتكاب المعاصي والآثام والخيانة الزوجية، شرب المسكرات وإدمان المخدرات، بخل الزوج، الشذوذ الجنسي عند الرجل.

ومما يتعلق بالأسباب المادية هناك: ضعف إمكانات الزوج المادية، الخلافات على أمور مادية، المغالاة في المهور. علاوة على العديد من الأسباب النفسية والصحية والاجتماعية والأسباب الثقافية.

 

قيود المرأة المقيدة

وتناول «العمري» آثار الطلاق على المرأة، ومنها: معاناتها من قسوة نظرة المجتمع، إذ تبقى أسيرة القيود الاجتماعية، علاوة على فقدانها المورد الاقتصادي الذي كان يوفره الزوج، وبذلك يتردى مستوى معيشتها فتشكل عبئا على عائلتها، التي ربما تعاني من ظروف سيئة، ما يدفعها لطلب المعونة من مراكز الإعانة الاجتماعية والهيئات الخيرية، وهذا في حد ذاته يزيد من عذابها النفسي فتصاب باليأس والاكتئاب.

وأوضح أن المُطلقة تُصبح عرضة لانحرافات سلوكية قد تصل إلى الانتحار، علاوة على تعرضها، كحال المجتمعات العربية، إلى نوع من التمييز والقسوة، مقارنة بنظيرها الرجل المطلق.

وأوضح: «المجتمع العربي عموما والخليجي خاصة، ينظر للمرأة المطلقة نظرة غير مستحبة «إذ تتضاءل فرصها في الزواج ثانية.، ناهيك عن إصابة كل من المطلق والمطلقة بالإحباط وخيبة الأمل ما يعرضها لأمراض نفسية كالقلق المرضي، أو الاكتئاب، أو الهستيريا، أو الوساوس، أو المخاوف المرضية».


الأبناء .. وحيرة الانحياز

أما عن آثار الطلاق على الأبناء، فعددها «العمري» كالتالي: «الطلاق يؤدي إلى التمزق العاطفي للأبناء بسبب الحيرة في الانحياز لأي طرف، الأب أم الأم، فضلا عن فقدهم الشعور بالأمن نتيجة للاضطراب والتمزق الذي حل بالأسرة، كما أن بعض الأطفال يستخدمون الطلاق وسيلة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الزوجين، فالأم تحرم الأب من رؤية أولاده، والأب يحاول أن يضم الأولاد إلى حضانته، ويعيش الأبناء تجربة نفسية قاسية تترك في وجدانهم انطباعا سيئا عن الجو الأسري والعلاقات الزوجية وتدفع المرأة المطلقة ثمنا غاليا لطلاقها».

ولا يقتصر الأمر على ذلك، يقول «العمري»، مضيفا: «يؤدي الطلاق إلى تخلف الأبناء في الدراسة، إضافة إلى نشأتهم في أسرة مفككة لا يعرف بين أفرادها غير النفور والكراهية، ما يرسب في أعماقهم مشاعر الكراهية نحو الحياة، ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد على القيم والنظم والقوانين وإدمان الموبقات والمخدرات فضلا عن العزوف مستقبلا عن الحياة الزوجية، أحيانا انتهاج الحياة الإجرامية.


أثر الطلاق على المجتمع

وعن آثار الطلاق على المجتمع، وصفها «العمري» بالخطيرة، موضحا أن «الأسرة قاعدة الحياة البشرية وقوام المجتمع، فإذا تعرضت للاضطراب والتصدع والصراع، ولم تقم برسالتها في التربية والتوجيه، فإنها بدلا من أن تكون لها عطاء نافعا فيخسر المجتمع بذلك خسارة فادحة».

ولفت أن الطلاق والتفكك الأسري يسببان اختلالا في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده، مثل الترابط والتراحمِ والتعاون والتسامح ومساعدة المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره، وإنتاجيته وتطوره.

المصدر | عكاظ + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

زواج طلاق السعودية أسباب الطلاق وسائل التواصل الاجتماعي الزواج بالإكراه جهل مجتمع