«ذا ناشونال إنترست»: هل تغير طموحات تركيا الجيوسياسية الشرق الأوسط؟

الجمعة 26 يناير 2018 12:01 م

في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، وسعت تركيا وجودها العسكري في قطر، من خلال نشر مئات من قوات قيادة القوات المشتركة في منشآتها العسكرية في الدوحة. واكتسبت هذه القوات اهتماما كبيرا من وسائل الاعلام، إذ جاءت بعد يوم واحد فقط من صدور تقرير يكشف أن الجيش التركي تدخل نيابة عن قطر لمنع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من شن انقلاب ضد أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» في يونيو/حزيران.

ويؤكد قرار الحكومة التركية باستعراض عضلاتها العسكرية - نيابة عن قطر - على تحول كبير في استراتيجية أنقرة في الشرق الأوسط. ومنذ محاولة الانقلاب «الفاشلة» في يوليو/تموز عام 2016، تحولت تركيا من كونها عاملا «ثوريا» مزعزعا للاستقرار، إلى أقوى مؤيد للاستقرار في الشرق الأوسط. وفي الأشهر الأخيرة، أكدت تركيا التزامها بالحفاظ على استقرار الدول في العالم العربي، من خلال دعم إعادة توحيد سوريا في ظل حكومة مركزية قوية، ودعمها بقوة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا.

ويمكن تفسير تبني تركيا لجدول أعمال مؤيد للاستقرار في العالم العربي عبر قلق أنقرة المتزايد بشأن الاضطرابات الداخلية، بعد أن واجهت سلطة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» تحديا بسبب محاولة الانقلاب التي جرت في يوليو/تموز عام 2016. وأعرب «أردوغان» عن اعتقاده أن محاولة الانقلاب نظمتها وحدات عسكرية مارقة موالية لرجل الدين الإسلامي «فتح الله كولن»، بتسهيل من قوى خارجية، ولذلك، سعت تركيا إلى تقويض حركات التمرد القومية ومكافحة التدخل الخارجي المزعزع للاستقرار في الصراعات الإقليمية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى منع محاولات الانقلاب على الطراز التركي من أن تحدث في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، وعملت على إعادة إنشاء شبكة الدول القومية المستقرة التي حافظت على الأمن الجماعي في العالم العربي قبل «حرب العراق» عام 2003.

ومن أجل توطيد مكانتها بوصفها الضامن الرئيسي للأمن الجماعي في الشرق الأوسط، قامت تركيا بتنقيح نهجها تجاه الدبلوماسية بين الدول، وعرضت قدرتها القسرية الهائلة على المجتمع الدولي. وعلى النقيض من التوازن «غير العملي» الذي أيده نهج «أردوغان» قبل «الربيع العربي» من خلال «عدم وجود مشاكل مع الجيران»، فإن دور تركيا الحالي لتحقيق الاستقرار تدعمه شراكات تكتيكية انتقائية مع الجهات الفاعلة الإقليمية التي تمتلك أهدافا جيوسياسية مماثلة. وقد وسعت هذه الشراكات شبكة حلفاء تركيا في العالم العربي، وعالجت الأضرار التي لحقت بسمعة تركيا بسبب ردود «أردوغان» المنحازة تجاه الربيع العربي.

كما أن الأثر الرادع الذي توفره الموارد العسكرية الهائلة في تركيا - التي تضم ثاني أكبر جيش دائم في الناتو - قد عزز أيضا قدرة أنقرة على العمل كضامن للاستقرار الإقليمي. وكثيرا ما اضطرت البلدان التي تسعى إلى مواجهة الأهداف التركية إلى تأجيل خططها بسبب خشيتها من انتقام عدواني من تركيا قد يضر بأمنها وطموحاتها الإقليمية في مجال الهيمنة والنفوذ.

توحيد سوريا

ويتجلى التزام تركيا بتعزيز الدول الهشة في العالم العربي في توسيع نطاق مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا قدمت دعما ماديا حيويا للجماعات المتمردة السنية التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد» في الأعوام الأولى من الصراع - ولا تزال ترى «الأسد» قائدا غير شرعي - فإن خيار أنقرة الحالي هو إعادة توحيد سوريا المستقرة كدولة مركزية.

وعلى الرغم من أن «أردوغان» قد وصف - مؤخرا - «الأسد» بأنه «إرهابي» ليس له مكان على طاولة المفاوضات، فإن استراتيجية تركيا - غير الرسمية - في سوريا تنظر إلى الطموحات السياسية للمجموعات القومية الكردية - مثل القوات الديمقراطية السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي - كأكبر معوقات للاستقرار في سوريا. وتعتقد الحكومة التركية أن إنشاء مركزين للسلطة في سوريا، أحدهما في دمشق بقيادة «الأسد» والآخر في روجافا بقيادة الفصائل القومية الكردية، قد يؤدي إلى موجة من العوائق التي قد تقوض السلامة الإقليمية لدول الشرق الأوسط، وتزعزع الاستقرار في شرق الحدود التركية، من خلال التمكين لـ حزب العمال الكردستاني الـ «بي كا كا».

وترى تركيا أن الحفاظ على دولة موحدة في سوريا سيجنب المنطقة هذه المزالق، ويسهل إعادة إقامة دولة سورية مركزية مستقرة سياسيا. وسيكون لهيكل الدولة الموحد إطار قانوني يضمن إحداث تغيير في النظام في سوريا، بحيث ينتج عنه حكومة معارضة تمارس السلطة السياسية على كامل البلاد. وستكون هذه النتيجة مفيدة للغاية لمصالح تركيا الجيوسياسية، لأنها ستسمح لسوريا بأن تصبح حليفا لتركيا في حال سقوط «الأسد».

ولضمان التوصل إلى تسوية سلمية تحافظ على هيكل الدولة الموحد في سوريا، أقامت تركيا شراكات مع أصحاب المصلحة الإقليميين؛ بهدف الحد من التأثير السياسي للجماعات القومية الكردية. وقد أدت هذه الجهود أيضا إلى تحسين تركيا لعلاقاتها مع إيران وروسيا. وقد وقعت تركيا اتفاقات هامة مع إيران في ملفات أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، الأمر الذي يكفل قيام البلدين بتنسيق الجهود العسكرية ضد الجماعات المسلحة الكردية. كما تعاون الجيش التركي مع روسيا من خلال شن ضربات جوية مشتركة على معاقل المعارضة السنية في شمال سوريا. ولم يتسبب هذا التعاون حتى الآن في تخلي روسيا عن دعمها لدولة اتحادية في سوريا، ولكنه ساهم في إضعاف صلات موسكو مع قوات الدفاع الذاتي الكردية، فضلا عن استعداد روسيا لتسهيل العمليات العسكرية التركية فى مدينة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد.

كما تم عرض البعد «القسري» لدور تركيا في الاستقرار في سوريا، حيث أظهرت أنقرة استعدادها للتدخل عسكريا في النزاع السوري خلال حملة «درع الفرات» ضد «داعش»، في الفترة من أغسطس/آب عام 2016 إلى مارس/آذار عام 2017. ويمكن اعتبار بيان الرئيس «دونالد ترامب» - الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني - الذي يدعو إلى إنهاء المساعدة العسكرية التي تقدمها واشنطن إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (البي واي دي) وسيلة لاسترضاء تركيا ومنع أنقرة من شن حملة عسكرية متهورة ضد القوات الكردية الموالية للولايات المتحدة. ويشير هذا التحول في السياسة إلى أن «أردوغان» قد نجح في تحويل عدم قابلية التنبؤ بتحركاته إلى مصدر للضغط وتعزيز الاحترام للقدرات العسكرية التركية في كل من الغرب والعالم العربي.

الأزمة الليبية

ويعكس دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا أعمالها في سوريا. ومنذ أن أعلنت تركيا عن قرارها بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا في يونيو/حزيران عام 2016، عملت الحكومة التركية جاهدة على توحيد ليبيا تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني - التي تتخذ من طرابلس مقرا لها - مع العمل على تقويض قوة جماعات الميليشيات في شرق ليبيا. كما عارضت تركيا بشدة تدخلات القوى الإقليمية - مثل مصر والإمارات - التي تدعم الحكم الاتحادي في ليبيا، وتسعى إلى تعزيز نفوذ قائد الجيش القائم على طبرق «خليفة حفتر».

وكما هو الحال في سوريا، استخدمت تركيا جهودها لتعزيز مؤسسات الدولة في ليبيا؛ لتوسيع وتعميق شبكة حلفائها داخل الجامعة العربية. ويعتبر حليف تركيا الرئيسي في هذا المسعى هو قطر. ويهدف تعبير الحكومة التركية عن التضامن مع الدوحة في أزمة الخليج إلى إثبات أن التحالف التركي-القطري ضد الإمارات قد يتجاوز نطاق مجلس التعاون الخليجي. كما تقربت تركيا إلى السودان، حيث تتشارك الخرطوم مخاوف أنقرة بشأن التأثير المزعزع للاستقرار لمبيعات الأسلحة غير المشروعة للجيش الليبي.

لكن «البعد القسري» لحملة تركيا لدعم السيادة الليبية أضعف مما هو عليه في سوريا، حيث أن رغبة تركيا في استخدام القوة العسكرية نيابة عن طرابلس لا تزال غير واضحة. وتنظر قوات «حفتر» - تاريخيا - إلى خطر التدخل العسكري التركي في ليبيا على أنه لا يذكر، وقد تعزز هذا الرأي بسبب رد فعل تركيا الصامت على قصف الجيش الليبي - في مايو/أيار عام 2015 - لسفينة تركية متجهة إلى طبرق.

وعلى الرغم من هذه السابقة، أصبح «حفتر» أكثر حذرا بشأن استفزاز تركيا في الأشهر الأخيرة، حيث نشرت أنقرة موارد عسكرية لدول أفريقية - مثل الصومال والسودان - وقد تصاعدت التوترات مع مصر بعد تأييد الرئيس «عبد الفتاح السيسي» لمحاولة الانقلاب التركية عام 2016. ويضمن هذا قدرة تركيا على حماية سيادة ليبيا، مع خطر ضئيل من رد فعل عسكري. ولذلك، فإن أنصار «حفتر» الدوليين - مثل روسيا - قد وسعوا من علاقاتهم الدبلوماسية مع طرابلس، وكان ذلك - في جزء منه - لتجنب عداء تركيا.

وعلى الرغم من أن سلوك «أردوغان» الذي لا يمكن التنبؤ به يعتبر مصدرا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فقد ركزت سياسة تركيا الخارجية - في المرحلة الجديدة - بشكل رئيسي على حماية سيادة الدول في العالم العربي، وإحياء نظام الدولة الموحدة المستقرة قبل عام 2003. وإذا نجحت تركيا في حماية سيادة سوريا وليبيا وقطر، فإن وضعها كضامن للأمن الجماعي في الشرق الأوسط سيزداد بشكل كبير، مما يعزز مجموعة أنقرة من الحلفاء الدبلوماسيين ومكانة «أردوغان» كرجل دولة عالمي.

المصدر | ذا ناشونال إنترست

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان العلاقات القطرية التركية الأزمة الليبية سوريا ترامب الانقلاب التركي الفاشل