«ستراتفور»: الإمارات تقود خطى السعودية.. حتى الآن

الجمعة 2 فبراير 2018 07:02 ص

في خضم صراعات السلطة والهيمنة في الشرق الأوسط، تسعى كل من إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية عبر المعارك بالوكالة وألعاب الشد السياسية والدبلوماسية.

وتعد السعودية القوة العربية الأكثر نفوذا ونشاطا في المعركة، ولكن دولة خليجية أخرى - هي الإمارات العربية المتحدة - بدأت في تحقيق المزيد من النفوذ على الأرض.

ويعد وصف البلد الصغيرة والطموحة - على نحو متزايد - باعتبارها دولة صاعدة تمضي قدما على حساب جارتها الأكبر حجما، يفشل في التعرف على جوهر العلاقة السعودية الإماراتية. وفي الواقع، لدى تثبت أبوظبي أن لديها الكثير لتعلم الرياض إياه.

تلميذ نجيب

وعززت الظروف الجيوسياسية المماثلة التفكير الاستراتيجي المشترك والأهداف السياسة الخارجية المشتركة في البلدين. فالإمارات والمملكة هما في الغالب ملكيتان عربيتان سنيتان تعتمدان اعتمادا كبيرا على العمالة الوافدة. وتعاني الدولتان الصحراويتان من نقص المياه، وتتشارك في استخدام الثروة النفطية لشراء معدات عسكرية متطورة، قبل إنفاق الباقي لتأمين ولاء سكانها. وكلاهما يوسعان وجودهما على المسرح الإقليمي تحت إشراف رجال أقوياء.

وتعتبر أبوظبي - مثل الرياض - نفسها صوتا للقيادة السنية والعربية في الشرق الأوسط. وتتفق الحكومتان السعودية والإماراتية على أن إيران تشكل تهديدا وشيكا، وأن تركيا تحاول ممارسة سيطرة أكبر في المنطقة، وأن الدول الإسلامية الضعيفة في المنطقة تحتاج إلى توجيه. ولكن بعد القيادة الجيوسياسية، تلعب القيادة أيضا دورا في النظرة المتشابهة للبلدين.

وحاول ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» تنفيذ العديد من السياسات والأهداف التي كان يوجهه إليها ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد آل نهيان». وكان «بن زايد» - البالغ 56 عاما - هو رئيس حكومة الإمارات منذ عام 2004، عندما توصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع أحد أخويه غير الشقيقين، الذي يشغل منصب رئيس دولة الإمارات. ومثل ولي العهد السعودي - البالغ من العمر 32 عاما - لا يعتبر ولي عهد أبوظبي - من الناحية الفنية - رئيس بلاده، على الرغم من أنه يسيطر على معظم أوراق السلطة.

وبالنسبة إلى ولي العهد السعودي، فإن نظيره الإماراتي يعتبر مثالا يحتذى به. وانضم «بن سلمان» إلى «بن زايد» - على سبيل المثال - في اتباع استراتيجيات لتنويع الاقتصادات السعودية والإماراتية، إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية التكميلية. وأعطت النجاحات التي حققتها التنمية الاقتصادية في الإمارات سلمان شيئا يسعى جاهدا لتحقيقه. وتحقيقا لهذه الغاية، قام بمحاكاة معلمه الإماراتي عبر التخطيط للمدن التكنولوجية الفائقة، والدفع باتجاه الخصخصة والأشكال الجديدة من الضرائب، وزيادة عدد المواطنين في القوى العاملة.

وربما يحاول «بن سلمان» - في مسعاه الأكثر طموحا - تحويل الأعراف الاجتماعية المحافظة في السعودية إلى أن تقترب المملكة من دولة تشبه الإمارات المتحررة نسبيا. وفهم «بن زايد» وغيره من القادة الإماراتيين - منذ فترة طويلة - قيمة تقديم بلادهم كوجهة صديقة للأجانب للاستثمار والسياحة، وهو ما تسعى السعودية الآن إلى تحقيقه أيضا.

وفي الوقت الذي يحاول فيه هذا التحول، سيبقى «بن سلمان» يتطلع إلى شيخه الإماراتي باعتباره نموذجا يحتذى به. واتبع ولي العهد السعودي استراتيجية «بن زايد» في محاولة إقامة نظام ملكي يعتمد على الشرعية القبلية والدينية أكثر مما يعتمد على شرعية الحاكم باعتباره تجسيدا للأمة.

وفي الوقت نفسه، تعمل السعودية للسيطرة على أصوات رجال الدين والمساجد المستقلة، مستلهمة ذلك من السياسة التي نفذتها الإمارات منذ أعوام. وتناول ولي العهد السعودي تحديات أمام سلطته من خلال المطالبة بمزيد من السلطة لنفسه والإطاحة بأعضاء آخرين من العائلة المالكة من عملية صنع القرار.

حتى أنه خلق لنفسه قوة حراسة خاصة لنشرها ضد منافسيه المحتملين - كما فعل في نوفمبر/تشرين الثاني خلال حملة مكافحة الفساد. وكان «بن زايد» اتخذ نهجا مماثلا لتأكيد قيادته من خلال السيطرة على المؤسسات الأمنية الإماراتية الرئيسية مثل الحرس الوطني.

ويحاول «بن سلمان» - على الرغم من أنه من غير المرجح - إعادة تشكيل المملكة في صورة الإمارات. وعلى الرغم من أوجه التشابه الكثيرة بينهما، فإن لدى البلدين عدة اختلافات هامة. فالمملكة - على سبيل المثال - أكثر تنوعا، وتأثير الوهابية هناك - وهي طائفة صارمة من الإسلام - أكثر وضوحا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن لدى الإمارات تحديات ديموغرافية وأمنية أقل من السعودية، وتتميز بنموذج اتحادي فريد للحكومة. فالبلد عبارة عن النظام الملكي الخليجي الوحيد الذي يضم هيكلا يسمح للمناطق الفقيرة بالاستفادة من المناطق الأكثر ثراء، ويوفر نظاما للمساءلة بين كل إمارة من الـ7 إمارات. كما تحتل الرياض وأبوظبي أدوارا مختلفة على الساحة العالمية.

تحليق خارج نطاق الرادار

وكثيرا ما تعمل السعودية والإمارات جنبا إلى جنب، سواء في دعم الجماعات السنية المتشابهة في المنطقة، أو في دعم الملكيات الفقيرة مثل الأردن والمغرب، في محاولة للحد من مدى وصول إيران، أو احتواء طموحات قطر المجاورة. وتقود الرياض هذه المسؤولية في هذه المساعي المشتركة، وتجذب معظم اهتمام وسائل الإعلام في هذه العملية، وغالبا ما يعود ذلك بالفائدة على دولة الإمارات. ومن خلال تجنب الأضواء، تتمكن أبوظبي - أيضا - من تجنب معظم الانتقادات في مبادراتها المشتركة مع المملكة، مثل محاولة إجبار رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» على اتخاذ موقف أقوى ضد حزب الله. وظلت سمعة الإمارات غير متأثرة إلى حد كبير نتيجة لذلك.

إلا أن تاريخ أبوظبي الضعيف تخفي وراءه طموحا كبيرا. وخارج ظل السعودية، بدأت الإمارات في الظهور كلاعب قوي في حد ذاتها. فعلى سبيل المثال، تزيد البلد بهدوء من وجودها العسكري والدبلوماسي في أفريقيا، حيث تعزز الشركات الإماراتية الاستثمارية البنية التحتية للشحن في جميع أنحاء القارة. وكثير من هذه المشاريع لا علاقة لها بالمصالح الخليجية المشتركة، بل هي رغبة من قبل الإمارات في توسيع نطاق نفوذها في جميع أنحاء العالم، وتوسيع نفوذها العسكري في الممرات الاستراتيجية، مثل البحر الأحمر.

وعلى الرغم من تطلعاتها العالمية، إلا أن النموذج الاتحادي لدولة الإمارات يقيد أبوظبي عن تنفيذ السياسة الخارجية للبلد كما تراها. وتبنت العاصمة في كثير من الأحيان سياسات متشددة، في حين تتمتع الإمارات الأخرى مثل دبي ورأس الخيمة - التي تقوم بالكثير من التجارة مع إيران - بمزيد من الاعتدال.

وأيا كانت مبادرات السياسة الخارجية التي قد تدفعها أبوظبي من تلقاء نفسها أو إلى جانب السعودية، فإن باقي أنحاء البلاد تفضل تجنب أي تبعات في الخارج قد تلحق الضرر بالصورة التي تمتعت بها دولة الإمارات. وكانت دبي - وهي إمارة فقيرة من النفط قد بدأت في التنويع الاقتصادي منذ عقود - تحتفظ بعلاقات ودية إلى حد كبير مع إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية، مما سمح لها بتجارة كبيرة عبر مينائها لدعم الجمهورية الإسلامية. ثم قاوم حاكمها - في وقت لاحق - الجهود لفرض عقوبات على إيران في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأوائل عام 2010، وكان واحدا من الملوك الخليجيين الأوائل الذي دعوا علنا ​​إلى اتفاق نووي مع طهران. ومن خلال اتباع سياسة خارجية أكثر واقعية، تعكر دبي رغبة أبوظبي في إعادة تشكيل البيئة الأمنية في المنطقة.

ومع ذلك، قد يكون الدافع الإماراتي نحو بروز عالمي أكبر كافيا في الوقت المناسب لاختبار علاقة أبوظبي بالرياض. ويبدو أن طموحاتهما طويلة الأمد حول العالم متجهة إلى إدخال السعودية والإمارات في صراع. وفي الوقت الراهن، يسمح «بن زايد» لصديقه السعودي بسرقة الأضواء، في حين يزرع بهدوء الشبكات وقواعد القوة في ظل الرياض. ولكن قد تمثل خطط كل منهما للتوسع في الخارج اختبارا كبيرا لصداقتهما.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الإمارات العربية المتحدة المملكة العربية السعودية محمد بن زايد محمد بن سلمان