رئاسة «السيسي» الثانية.. ضوء أخضر أمريكي و3 تحديات حاسمة

الاثنين 5 فبراير 2018 06:02 ص

أثارت تصريحات الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، المرتجلة، أثناء افتتاح حقل الغاز الطبيعي «ظهر»، الأسبوع الماضي، جدلا حول الطرف المقصود من تلك التحذيرات؛ وما إذا كانت موجهة إلى قيادات المعارضة، الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل، أم إلى أجهزة في الدولة شرعت بشكل غير مسبوق في إظهار معارضة للرئيس.

عزز من حالة الجدل، أن تصريحات «السيسي» الغاضبة - التي هدد فيها بأن أي مساس باستقرار البلاد سيكون على حساب حياته «وحياة الجيش» - جاءت بعد أيام قليلة من إقالة مفاجئة لمدير المخابرات العامة، سبقتها إقالة غير متوقعة بدورها لكل من رئيس أركان القوات المسلحة ومدير قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية.

الأخطر من ذلك أن لغة «السيسي» التي حملت تهديدات واضحة؛ جاءت كذلك بعد أيام من القبض على الفريق «سامي عنان»، الرئيس الأسبق لأركان القوات المسلحة، الذي كان قد أعلن نيته الترشح ضد السيسي في الانتخابات المقبلة، وإيداعه السجن الحربي بعد تفتيش منزله.

رسائل مباشرة

ووفق مصادر سياسية مطلعة، بعضها على تواصل مباشر مع عدد من العسكريين وغيرهم في دوائر الحكم، نقلت أن «السيسي» تحدث بصراحة ومباشرة مع قيادات من القوات المسلحة قبل أن يأمر باتخاذ إجراءات عقابية بحق «عنان»، الذي تحدى السيسي علنًا في رسالة مصورة وجه له فيها ضمنًا اتهامات بالتفريط في أرض مصر ومياه نهرها، في إطار سياق من سوء إدارة البلاد والتلاعب بمقدراتها.

المصادر نفسها قالت إن القبض على «عنان» في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، جاء بعد انقضاء مهلة من 48 ساعة استغرقتها وساطات غير ناجحة لإقناعه بالانسحاب، أجراها عدد من أرفع قيادات القوات المسلحة، وشارك فيها وزير الدفاع الأسبق «حسين طنطاوي».

وأفادت المصادر في تصريحات لـ«مدى مصر»، بأن «السيسي»، طلب من اللواء «ممدوح شاهين»، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، أن يشرع في صياغة البيان الذي صدر باسم القيادة العامة للقوات المسلحة في نفس يوم القبض على عنان»، وقُصد من البيان الذي أذاعه التليفزيون الرسمي أن يكون إشارة تحذير واضحة تصاحبت مع استمرار جهود وضغوط إقناع «عنان» بالعدول عن الترشح، والتي قادها، إلى جانب «طنطاوي»، كل من «محمد الشحات» مدير المخابرات الحربية، و«عباس كامل» مدير مكتب رئيس الجمهورية، والقائم بأعمال مدير المخابرات العامة.

3 محاولات

وتؤكد المصادر، التي لم تفصح عن هويتها، أن «السيسي» أعرب في اجتماعات مع قيادات عسكرية عن شديد غضبه إزاء تكرار ثلاث محاولات متتالية لتحدّيه من قبل عسكريين، هم: «عنان»، و«أحمد شفيق» رئيس أركان القوات الجوية الأسبق، ورئيس وزراء مصر الأسبق، إلى جانب «أحمد قنصوة»، الضابط الذي قضت محكمة عسكرية في ديسمبر الماضي/كانون الأول الماضي، بسجنه ست سنوات بعد إدانته بخرق القواعد العسكرية بعد إعلانه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.

ووفق مصدر عسكري متقاعد، فإن الرئيس المصري لم يقبل باقتراح أن يقتصر التعامل مع «عنان» على مجرد رفض منحه الموافقة المطلوبة قانونيًا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الترشح للانتخابات الرئاسية، بل أصر على أن يكون هناك موقف حاسم يتوافق مع دعم يفترضه من القوات المسلحة التي كانت قد منحته قبل أربعة أعوام الموافقة والتأييد للترشح للرئاسة الجمهورية حين كان في منصب وزير الدفاع.

وتعزز صحة تلك الرواية، ما مع قاله «محمد العصار»، العضو السابق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الإنتاج الحربي الحالي، خلال حفل استقبال أقامته السفارة السعودية في القاهرة قبل أسبوع.

وتحدث «العصار» خلال الحفل مع عدد محدود من الصحفيين المصريين حول ما وصفه بخرق «عنان» للأعراف العسكرية، وليس فقط للقانون.

وقال «العصار»، إن «قيادات القوات المسلحة لم يكن يمكن لها أن تقبل بأن يبدو الأمر وكأن الجيش يدفع بمرشحَين متنافسين على حكم البلاد، وأن القبض على عنان لم يتقرر إلا بعد أن رفض الأخير كافة محاولات إقناعه بالعدول عن الترشح».

وأضاف «العصار»، بحسب ما نقله أحد المشاركين في حفل السفارة، أن «الجيش المصري في الوقت نفسه لن يقبل بإهانة قاسية لأحد قياداته، ولكن توجيه اتهام بخرق القوانين العسكرية لا بد أن يتبعه بالضرورة عقاب لن يزيد عن نحو ستة أشهر سيمضيها الرجل في بيته».

«عنان وشفيق وحجازي وفوزي»

«عنان»، القابع حاليًا في السجن الحربي منذ نحو أسبوعين، قد يصبح في حال محاكمته ووضعه قيد الإقامة الجبرية رابع مسؤول عسكري رفيع تُقيّد حريته على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.

فقد نقل أحد أصدقاء أسرة قائد الأركان السابق «محمود حجازي» أن الأخير خضع منذ إزاحته عن منصبه في 28 أكتوبر/تشرين الثاني لإقامة جبرية لم تنته إلا بظهوره في حفل تكريم محدود له بحضور «السيسي» في 16 ديسمبر/كانون الأول، ليصبح بعدها قيد «إقامة محددة»، وتحت مراقبة لصيقة.

وأكد «مدى مصر» صحة الانفراد الذي نقله في وقت سابق «الخليج الجديد» بشأن وضع مدير المخابرات العامة المقال قيد الإقامة الجبرية، مستندة إلى مصدر تربطه صلة عائلية بـ«خالد فوزي» قال إنه بدوره مقيد الحرية.

ولا يزال «أحمد شفيق»، أيضًا بحسب أصدقاء للأسرة، قيد الإقامة المحددة.

وأعلن «شفيق» تخليه عن رغبة سابقة في الترشح للانتخابات الرئاسية، بعد مساومات وضغوط خضع لها على مدى شهر، بعد وصوله إلى مصر قادما من الإمارات، في مباحثات قادها كل من «عباس كامل ومحمد الشحات وخالد فوزي»، قبل أن تتم الإطاحة بالأخير في أعقاب نشر تسريبات صوتية تحدث فيها رجل يفترض انتماؤه للمخابرات الحربية لبعض رجال الإعلام والفن لمطالبتهم بصياغة موقف متفهم لقرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وأيضًا تجييش الرأي العام ضد كل من الكويت والسعودية بسبب مواقفهما السياسية المزعجة للقاهرة (تقارب الكويت مع قطر والتخوف من تقارب سعودي مع إخوان اليمن وفق زعم التسريبات التي لم تتأكد صحتها بشكل مستقل بعد).

ووفقًا لمصدر في الخارجية المصرية، وكذلك دبلوماسي أوروبي زار كلًا من السعودية والكويت مؤخرًا، فإن التسريبات أزعجت بشدة مسؤولي البلدين، ما اضطر الخارجية المصرية إلى إصدار بيان اعتذاري للكويت، واتخاذ إجراءات غير معلنة لترضية السعودية.

مسؤول حكومي سابق، قال إن «فوزي فقد منصبه بعد اتهامه بضعف السيطرة على الجهاز، وإن الاتهام الأساسي في واقعة التسريبات تم توجيهه إلى بعض أعضاء المخابرات العامة المصرية الذين يخضعون حاليًا للتحقيقات».

وتوقع المسؤول نفسه صدور قرار قريب بإحالة عدد غير قليل من هؤلاء الضباط للتقاعد،  مشيرا إلى أن التحقيقات تشمل أيضًا اتهامات لبعض العاملين في المخابرات العامة بالتواصل المستمر مع «شفيق»، أو بالتعاطف مع فكرة ترشح «عنان».

تحديات جسيمة

ويؤكد دبلوماسيون غربيون في القاهرة أن الولايات المتحدة أخطرت «السيسي» مباشرة بأن الإدارة الأمريكية الحالية تدعم بقاءه في الحكم لمدة إضافية، وتتمنى أن تكون ركائز حكمه قوية، وذلك أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي «مايك بنس» للقاهرة، الشهر الماضي.

وبحسب دبلوماسي غربي مطلع في القاهرة، فإن «المطلب الوحيد للأمريكيين في ما يخص الانتخابات كان أن يبحث السيسي عن أي منافس، بحيث لا يذهب الي الانتخابات وحيدًا لأن العودة إلى ما يشبه الاستفتاء على اسم الرئيس الأوحد دون اختيار بين متنافسين كان من شأنه أن يزيد من الضيق المتصاعد بين أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن تدهور أوضاع الديمقراطية والحريات في مصر».

ويواجه الرئيس المصري، في ولايته الرئاسية الثانية المحسومة بشكل كبير، «ضغوطًا سعودية متجددة على مصر للتحرك نحو إرسال قوات عسكرية لتحسين الوضع على الأرض في اليمن لصالح قوات التحالف في ظل خلافات متزايدة بين السعودية والإمارات هناك، وفي ضوء سعي من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحقيق تقدم عسكري ما يسمح بترتيبات سياسية تغلق الملف الذي فتحه وفشل في إدارته».

التحدي الثاني، وفق دبلوماسي غربي،  يتمثل في الإصرار الإثيوبي والسوداني المشترك على تجاهل مطالب مصر في ما يتعلق بملء خزان سد النهضة، والتي لم يتراجع عنها الطرفان في القمة الثلاثية في أديس أبابا، والتي جمعت الرئيس المصري ونظيره السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي الأسبوع الماضي.

التحدي الثالث يتعلق بمدى نجاح الرئيس المصري، في الحفاظ على ما تبقى له من شعبية يرون أنها ستواصل التراجع حتمًا مع المزيد من إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي سيضطر للاستمرار فيها، وتراجع للدعم المالي الخليجي،  والحرج الأوروبي من استمرار دعم «السيسي» في سبيل الحفاظ على التعاون المصري في مكافحة الهجرة «غير الشرعية» والإرهاب، في الوقت الذي تتصاعد فيه عمليات القمع والتعذيب والإخفاء القسري واستمرار أحكام الإعدام وحالة الطوارئ وتغييب أساسيات الحياة الديمقراطية.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

رئاسيات مصر عبدالفتاح السيسي سامي عنان أحمد شفيق خالد فوزي المخابرات العامة