الفيلم التركي «البيات الشتوي».. هل تتجمد الإنسانية فينا بانتظار الربيع؟

الثلاثاء 13 فبراير 2018 10:02 ص

في الذكرى المئوية لبداية السينما التركي قام المخرج «آيدن هالوك بلجينير» في عام 2014 بتقديم فيلم «البيات الشتوي أوWinter Sleep»، كما عُرفَ بالإنجليزية، ورغم زمن الفيلم البالغ الطول لكنه استوقف النقاد الغربيين وانتزع السعفة الذهبية لمهرجان كان الفرنسي عن عام إنتاجه.

على مدار أكثر من 3 ساعات يأخذنا الفيلم حتى حدود أعمق بكثير من مبالغات الدراما التركية soap opera)) التي أفرزت عشرات الأعمال الدرامية بخاصة المسلسلات مؤخرًا، والمقصود بالمصطلح الأخير المبالغة الميلودرامية البعيدة عن الواقع في عرض المشاعر العاطفية.. بما تميل إليه تلك المشاعر من عرض خصوصية تتنافي مع الواقع الخاص لتعانق طبقة اجتماعية مخملية عليا.

يميل مخرج فيلم اليوم إلى إشراك زوجته «إيبرو» في كتابة سيناريو وحوار أفلامه معه، ما يكسب نكهتها الواقعية السينمائية شاعرية تتضافر وتتزاوج مع حبه لمسار الكاتب الروسي «أنطون تشيخوف» في تحليل ما أسفل القشرة العائلية المظهرية البراقة من خبايا نفسية شديدة التعقيد بين الإخوة من جانب والزوجات والأمهات وهلم جرًا من جانب آخر.

جليد الأناضول وفشل المثقف

يغوص الفيلم في شيخوخة بطله «إيدن» أو الممثل (هالوك بلجينير)، واسم البطل يعني إيدن يعني المثقف في التركية، وهو رجل ورث ثروة هو وأخته «نكلة» آثر وفضل أن يحفظها في نهاية حياته؛ فترك إسطنبول مسقط رأسه واشترى فندقًا في أنطاليا في وسط الأناضول ليقيم وأخته فيه.

ورغم كونه خمسيني العمر لكنه اختار زوجة عشرينية «نيهال» (ميلسيا سوزن)، اضطرتها ظروفها الاجتماعية وعدم وجود أسرة لها بلا أسباب كما في قصة الفيلم، مع جمالها المتوسط، اضطرتها ظروفها الاجتماعية للقبول بـ«إيدن» وهجرت إسطنبول معه.

يبدو «إيدن» حنونًا متفهًا لطبائع الأمور والحياة في بداية الفيلم، يحرص على إكساب فندقه وأجنحة إقامته وزوجته وأخته بقطع ديكور مناسبة للطبيعة أو غربية النكهة، من مثل اللوحات والمنحوتات والحيوانات المحنطة، في ثقافة غربية واضحة حرض المخرج عليها في الشكل لتتأزر مع جنوح الفيلم للثقافة لتمثل الآخر بخاصة الحضارة الأوروبية بعد قليل.

يروي تابع «إيدن» ومساعده له أن مستأجرين لبعض البيوت التي يملكها رفضوا دفع الإيجار لأشهر فاضطر لرفع قضية عليهم، وهو ما يبدو منطقيًا لدى الأول، لكن طفلًا يرمقه بكره أثناء مسيره بالسيارة، ثم يكسر زجاجها بحجر يتضح أنه نجل للمستأجر المفلس، رافض دفع الإيجار، «إسماعيل» أو (نجات إسلر)، يعامل مساعد «إيدن» بقسوة مفرطة ولا ينقذه منه سوى شقيق الأول المقيم معه «حمدي» أو (سرحات كيلتش).

ومع تصاعد الأحداث نكتشف أن «إيدن» الممثل الفاشل ترك دوره الثقافي، وتفرغ لنقد المجتمع في جريدة محلية مغمورة، ثم بدأ يتنصل ويتنكر لدوره في تنمية البشر والبيئة من حوله.

وتتصاعد الأحداث مع سب «إيدن» وشتم إمام المسجد والمتدينين أمام زوجته وأخته، فيما تعترض الأخيرة مؤكدة أنه بقليل من الإنسانية لا الشفقة يمكن إصلاح هؤلاء بل مجرمي العالم، في اللحظة التي يأتي الإمام فيها بالطفل المخطئ ليعتذر ويقبل يد «إيدن»، فيما يقبله الأخير لكن الطفل يغشى عليه رفضًا للفعل المخزي.

وعلى الفور تدخل مشكلة البطل مع أخته حيز حوار طويل جدًا بينهما يستهلك قرابة نصف الساعة، أبدعت الكاميرا خلاله ومدير التصوير في أخذ لقطات مقربة من مقعد «إيدن» تدل على تضخم الذات لديه وعدم قبوله فكر الآخرين، وإن كانوا يرون أنه يضيع حياته في الهباء، وكانت الأخت المطلقة عبر الحوار تريد منه تشجيعًا لعودتها لزوجها السكير في إسطنبول، وكان قد فرغ منذ ساعات من صيد حصان لحبسه في ركن من الفندق لزوم الوجاهة الاجتماعية.

وبعد دقائق تدخل الزوجة بصخب أكثر على خط الاعتراض على أفعال «إيدن»، فهي تنشئ لجنة لجمع التبرعات لخدمة أهالي المنطقة ولا تريد مجرد حضوره الاجتماع الممتلئ بالرجال رغم غيرته الشديدة عليها، ويندفعان في الحوار فيما الكاميرا تنتقل بين صورة وأخرى على الحائط تصور إحداها صيد الحيوانات قديمًا والأخرى التحولات البشرية المعاصرة التي تجعل الإنسان يجلس على الشاطئ وقد تحول رأسه لرأس حيوان مفترس.

وعقب الحوار البالغ القسوة والاتهام من جانب الزوجة «نيهال»، وبعد تأكده مع عدم وجود شبح خيانة في الأفق، وفحصه أوراق الاجتماع رغم انهيار الزوجة بين يديه، لا يملك البطل إلا أن يتبرع بمبلغ من المال كبير لصالح هدف الاجتماع وإعلان ذهابه إلى إسطنبول حتى يأتي الربيع لعل زوجته تعيد النظر في محبته.

هل الفقراء يستحقون القسوة؟

ومع تعاقب مشاهد الفيلم يرفض «إيدن» الذهاب لإسطنبول ويختار الإقامة لبعض الوقت مع صديقه الطبيب النفسي السابق «صافي» (تامر لفنت)، وهناك يشتبك مع شاب حول مسؤولية أمثاله من الأغنياء عن الفقراء، ثم يخرج في رحلة صيد فيقتل جرذًا بلا سبب وأرنبًا بريًا.

في الوقت نفسه تحمل الزوجة «نيهال» التبرع الكبير الخاص بزوجها لأسرة إمام المسجد «حمدي» وأخيه «إسماعيل» السكير المسجون من قبل والعاطل عن العمل، فيلقي الأخير بالمبلغ الهائل في المدفأة ما يشير إلى عدم استحقاق الفقراء لعطف الأغنياء من ناحية، وخطأ مفاهيم الزوجة عن «إيدن» من ناحية مباشرة.

وبعودة البطل من رحلة الصيد يبدأ كتابة كتاب خاص بالمسرح التركي، فيما تتوالى اعترافاته عبر التعليق الصوتي (الناريشين) بمحبته لزوجته لدرجة لا يستطيع الابتعاد فيها عنها، وفي المشهد الأخير يستمر هطول الجليد فيما البطل في مكانه يكتب وزوجته في مكانها تعاني وتفكر في نهاية مفتوحة تقود إلى أمل قدوم الربيع ليزيح كل مفردات الكآبة التي قادنا عبرها الفيلم.

تركيا أم أوروبا؟

رغم حس« تشيخوف» الواضح فإن الفيلم انتصر لفكرة الثقافية الأوروبية المركزية، أي أن كل إبداع ثقافي أو فلسفي وإن أتى من خارج أوروبا فإنه يرد في النهاية إليها، ولعل ذلك، مع حرص المخرج على الإقرار بالهولوكست على نحو مضخم، من أسرار رضا مهرجان كان عن الفيلم بخاصة مع أفكار «سارتر» المندسة فيه بعناية، وما سبق لا ينفي بحال من الأحوال إبداع الفيلم في زوايا التصوير للجليد وجمال الأناضول، وفي الموسيقى التصويرية الهادئة الشجية رغم قلة مساحتها من الفيلم، وفي نجاح المخرج إلا قليلًا في الغوص في داخل النفس البشرية.

فيلم «البيات الشتوي» في النهاية كان رحيمًا بالمشاهد لم يصور الزوجة كخائنة في غياب زوجها، ولم يبد الزوج ناكرًا لحقوقها، وإن غيّب الأخت بعد حوارها البالغ الطول مع البطل لشعورها بالغبن، وأظهر مدينة إسطنبول العريقة كحلم رائق للجميع على النقيض مما فعلت أفلام تركية أخرى.

راعى المخرج الغرب في الفيلم، لكن هذا لا يقارن بما دأب عليه، على سبيل المثال، المخرج الإيراني «أصغر فرهادي» من التنكر الكامل للمجتمع في مقابل رضا الغرب!

المصدر | الخليج الجديد + وكالات

  كلمات مفتاحية

فيلم تركي البيات الشتوي Winter Sleep مهرجان كان سارتر أوروبا الأناضول مثقف مال جليد مشاعر