دلالات ودوافع قرار السعودية إنشاء وزارة للشؤون الأفريقية

الأربعاء 28 فبراير 2018 09:02 ص

حمل قرار العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إنشاء وزارة للشؤون الأفريقية، وتعيين السفير السعودي بالقاهرة «أحمد بن عبدالعزيز قطان» كأول وزير لهذه الوزارة الوليدة، دلالات هامة ورسالة إلى عواصم عديدة خارج القارة السمراء.

فلا يوجد نظير لهذه الوزارة في الدول الأفريقية الكبرى التي تتولى زعامة القارة، فليس في العملاق الأفريقي النيجري، ولا في جنوب أفريقيا أو إثيوبيا أو مصر التي تعد كل واحدة منها من رواد أفريقيا ورموزها، وربما لا تشابهها في قرارها غير المغرب التي اتخذت قرارا مؤخرا بإنشاء وزارة للشؤون الأفريقية.

غير أن اتخاذ المغرب لذلك القرار في هذا التوقيت مفهوم، فالبلد الأفريقي الذي ظل خارج الاتحاد الأفريقي سنوات طويلة، يطمح بعد عودته لمد أواصر التعاون سريعا مع جيرانه وتعويض فترة القطيعة الأخيرة.

ونشر موقع «مصر العربية» تقريرا عن دوافع القرار السعودي وصراع النفوذ والتنافس الإقليمي والدولي على القارة السمراء، خاصة شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي.

وبحسب التقرير، لم يعد الصراع المحتدم في أفريقيا بمنأى عن السعودية التي كانت تدخلاتها طفيفة وعن طريق استثمارات فردية غير مؤسسية، لعل أبرزها اسثمارات رجل الأعمال السعودي الملياردير «محمد حسين العمودي» صاحب الاستثمارات الكبيرة في إثيوبيا.

وأشار التقرير إلى أن استثمارات «العمودي» لا يمكن للنظام السعودي التعويل عليها بشكل كبير، فبالإضافة إلى أنها استثماراته الشخصية وليست بشكل مؤسسي تابع للمملكة، فإن اعتقال «العمودي» نفسه ضمن حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» تحت شعار «مكافحة الفساد» تجعل استغلال استثمارات «العمودي» لصالح النظام في المملكة أمرًا صعبًا.

وأوضح أنه بالرغم من عدم إبداء الاهتمام السعودي أفريقيا بشكل ملموس، فإنها مؤخرا أبدت انزعاجها من تنامي نفوذ بعض الدول في الجهة الغربية لسواحلها على البحر الأحمر، ولعل أبرز هذه المرات التي خرجت فيها السعودية عن صمتها وتحدثت عن نفوذ دولي على البحر الأحمر، ما شهدته تصريحاتها حول الاتفاقية التركية السودانية بتطوير وإدارة جزيرة «سواكن» السودانية، وهو الاتفاق الذي لم يحظ برضا سعودي.

ولا يتعلق النفوذ التركي بالسودان وحدها، فجولات الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» في عدد من الدول الأفريقية، كشفت عن اتفاقات وعقود وشركات تركية وجدت لها مساحات في القارة السمراء، وباتت تركيا ترسم لنفسها صورة جديدة في أفريقيا، ودورا لا يمكن وصفه بأنه مجرد «عقود استثمارية» لا تحمل أي أهداف سياسية، وهو ما ظهر بشكل واضح في حشد تركيا أصوات أفريقيا لصالح المشروع الذي تقدمت به (مشاركة مع اليمن) لمجلس الأمن بشأن القرار الأمريكي المتعلق بالقدس المحتلة واعتبارها عاصمة لـ(إسرائيل)، حيث بدت الاتصالات التركية أسرع وأقوى من الجيران العرب.

النفوذ القطري والإماراتي

ولفت التقرير إلى أن السعودية لا يمكن أن تتجاهل تنامي النفوذ القطري في أفريقيا، إلى الحد الذي باتت فيه قطر راعيا للاتفاقيات بين الفصائل المتنازعة في دارفور، بل حكما دوليا ومراقبا للحدود في النزاع المحتدم بين جيبوتي وإريتريا.

وغزت الاستثمارات القطرية الموجهة والممنهجة بشكل دقيق دولا أخرى في العمق الأفريقي، وهو ما فاجأ السعودية والإمارات أثناء بذل جهود لحشد مواقف دولية مؤيدة لحصار قطر، حيث لم  يشارك في الحصار إلا عدد قليل من الدول الأفريقية، وبعض المنضمين لم يبدوا جدية في المضي قدما في الإجراءات لاحقا.

وقد فاجأ النفوذ القطري في أفريقيا السعوديين، حيث شكل حائط صد أمام انضمام كثير من الدول الأفريقية التي تنظر إليها السعودية على أنها تدور في فلكها، وحرص أمير قطر «تميم بن حمد» على القيام بجولة لتلك الدول الأفريقية التي استقبلها زعماؤها بحفاوة بالغة، وهو ما استدعى إعادة هيكلة لطريقة التعامل السعودي أفريقيا.

وأضاف التقرير أن تنامي نفوذ الحليف الإماراتي في أفريقيا بات يشكل دافعا للسعودية بالسعي لتنمية تواجدها أفريقيا أيضا، فالإمارات التي لا تملك سواحل على البحر الأحمر، ولا تتشارك مع أفريقيا في البحر ذاته والخطوط الملاحية البحرية المباشرة القريبة، باتت تسيطر على كثير من الموانئ التي تقابل السواحل السعودية عن طريق شركتها الشهيرة «موانئ دبي».

وإذا كانت «موانئ دبي» قد منيت بانتكاسة قبل يومين في جيبوتي بعد أن انتزعت منها إدارة الموانئ التي كانت تسيطر عليها، فإنه لا يمكن إغفال الإدارة الإماراتية لعدد من الموانئ الأفريقية، بدءا من الموانئ المصرية شمالا، ومرورا بالموانئ السودانية والإريترية والأفريقية في عدد من الدول الأخرى.

وأكد أن صراع النفوذ أخذ أيضا طابعا مذهبيا، فهناك نشاط إيراني محموم في دول أفريقية عدة، خاصة في دول الغرب الأفريقي التي تعد منسية للعديد من الدول العربية السنية.

ونوه التقرير إلى دخول أطراف دولية بثقلها في سباق النفوذ الأفريقي، إذ بدت (إسرائيل) حاضرة بشكل مؤثر في عدد من البلدان الأفريقية بشكل لافت للنظر، وتحولت دول أفريقية من الجانب المؤيد للقضية الفلسطينية الرافض للتطبيع، إلى الجانب المطبع فعلا مع دولة الاحتلال، وظهر رؤساء أفارقة إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، ورفعت شركات الاحتلال العلم الإسرائيلي في قلب أفريقيا، بل باتت (إسرائيل) مؤثرا على سياسات بعض الدول في أفريقيا ومهددا لمصالح الدول العربية هناك.

النفوذ الصيني والروسي

وأشار التقرير إلى تنامى النفوذ الصيني في أفريقيا بشكل كبير، حيث انتشرت الشركات الصينية والاتفاقات الاقتصادية في عمق أفريقيا، حتى بات طبيعيا أن يجد المشاهد رجال الأعمال الصينيين في عواصم دول أفريقية كبيرة وصغيرة بطول القارة وعرضها.

وإذا كانت الصين لا تستفز سياستها الخارجية المملكة، فإن المملكة لا تنظر بالشكل ذاته إلى مواقف روسيا، حيث لا تحظى المواقف الروسية برضا المملكة بشكل كبير، وحتى رغم الزيارة الأولى من نوعها لملك السعودية «سلمان بن عبدالعزيز» إلى موسكو، وتوقيع عقود أسلحة.. فإنه لا يمكن اعتبار أن مواقف السعودية وروسيا باتت على وفاق.

وخلال الفترة الماضية، زاد الاهتمام الروسي بأفريقيا، وتصاعدت لهجتها بالنسبة لعدد من الدول، لعل من أبرزها ليبيا التي بدأت روسيا تتدخل في أزمتها بشكل واضح، كما أن مصر نفسها تقترب من المحور الروسي على حساب الأمريكي مؤخرا ولا أدل على ذلك من إسناد إنشاء محطتها النووية الأولى بالضبعة إلى شركة «روس نفط» الروسية، لكن الوضع في ليبيا ينذر بتدخل روسي ووجود عسكري مباشر على غرار ما جرى في سوريا.

وإذا كانت المنافسة على النفوذ الأفريقي سياسيا واقتصاديا قد شهدت وافدين جددا خلال الفترة الماضية، فإنه لا يمكن إغفال المنافس الذي ألقى بثقله عسكريا أيضا منذ نحو 10 أعوام، إذ أسست أمريكا قيادة عسكرية جديدة «أفريكوم» عام 2008 تختص بالأمور الأفريقية فقط.

وأوضح التقرير إلى أنه بجانب الوجود العسكري الأمريكي، توجد أيضا قواعد عسكرية في إريتريا وجيبوتي لكل من فرنسا وبريطانيا والصين، وهو وإن كان أقل حجما من الوجود الأمريكي، فإنه لا يمكن للسعودية أن ترى السباق السياسي والاقتصادي والعسكري في الناحية الأخرى من سواحلها بينما تقف هي مكتوفة الأيدي بعيدة عن التواجد على أرض الواقع.

وسلط تقرير «مصر العربية» الضوء على اختيار السفير «القطان» الذي طرح تساؤلات حول أسباب اختيار الرجل بعينه، دون غيره، كالاستفادة من خبرة الملياردير «العمودي» صاحب الاستثمارات الواسعة في أفريقيا مثلا.

يحظى «قطان» بخبرة واسعة في الشأن المصري، فقد ظل سفيرا للمملكة طيلة 7 سنوات تقريبا هي أكثر فترات البلاد حساسية، لكن «قطان» لم يسبق له العمل في أفريقيا، باستثناء مصر التي لها وضع خاص له عدد من الاختلافات عن العمق الأفريقي.

فقد سبق لـ«قطان» العمل في واشنطن، كما أنه صاحب خبرة واسعة في الشأن العربي، فقد كان المندوب الدائم للمملكة في جامعة الدول العربية فترة معتبرة، وحضر جميع قممها لأكثر من 10 سنين (منذ 2005)، لكنها ليست وزارة الشؤون العربية.

كما أن «قطان» الذي يجيد العربية والإنجليزية، لا يتقن لغة أفريقية محلية واسعة الانتشار (السواحيلية مثلا)، لكن «قطان» يحظى بثقة واسعة لدى دوائر صنع القرار في السعودية، كما أنه بات في موضع رضى من الإدارة الحالية.

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية الأفريقية وزارة الشؤون الإفريقية بالسعودية القطان صراع النفوذ في أفريقيا