استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الهروب إلى الحضن الغريب

الثلاثاء 28 أبريل 2015 05:04 ص

الاختيار بين تعليم الأبناء في المدارس الحكومية أو الخاصة مسألة ذاتية شخصية لا أحد يستطيع التدخل فيها، ويبدو أن الاختيار بين أن تكون عربياً أو غير عربي أصبحت مسألة شخصية أيضاً، ويبدو أيضاً أن الاختيار بين أن تكون وطنياً أو غير وطني، أن تكون لك هوية وطنية أو لا تكون، أن تكون لك ملامح خاصة أو لا تكون، هي مسألة اختيارية!

أي أن تضع خلف ظهرك ثقافتك الأم لتكتسب ثقافة أخرى تختلف كلياً عن ثقافة مجتمعك، أي أن تتحدث لغة أخرى غير لغة مجتمعك، أي أن يكون سلوكك ونمط حياتك مختلفاً أيضاً عن أبناء مجتمعك، كل هذه الأمور أصبحت اختيارية، والوطن، بمعناه الصغير الضيق، وبمعناه الانتمائي الواسع، أصبح قضية اختيارية في نظر البعض. هذه النتيجة مربكة ومحيرة جداً للذين يتحدثون في موضوعات كالانتماء والهوية الوطنية والشخصية الوطنية، والتراث واللغة وغيرها من المفردات التي لم تعد تعني للبعض أكثر من مجرد حروف.

أدهشتني التصريحات التي قرأتها خلال الأسبوع الماضي في صحفنا المحلية، بل أخافتني وجعلتني أراجع معنى الاختيارية في التعامل مع القضايا الذاتية والوطنية والتراثية، وجعلتني أتساءل عن حدود الانتماء والولاء والعطاء والتضحية والالتزام. أنا على يقين بأنه لو سمع هذه المفردات طالب انتظم في المدارس الخاصة، لاسيما تلك التي تدرس مناهج أمريكية أو إنجليزية، سيستهجن كثيراً أو سيقع في حيرةٍ شديدة، أو قد يبتسم خجلاً أو قد يجيب بلامبالاة. وبما أنني ضد التعميم، فإنني سأقول إنه ليس كل الطلاب المنتظمين في المدارس الخاصة قد يكون رد فعلهم مشابها أو بنفس المستوى من المسؤولية.

سبب هذا الكلام هو تصريحات أدلت بها «فاطمة المري»، الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم المدرسي في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، فقد قالت «إن مستوى اللغة العربية لدى طلاب المدارس الخاصة بشكل عام دون الحدّ المطلوب، وهذا المستوى موجود حتى في المدارس التي حصلت على تصنيف متميز ضمن تقييم جهاز الرقابة المدرسية». وعللت «فاطمة» ضعف المستوى بالبيئة التي يعيش فيها الطالب بشكل عام، «بدءاً من المنزل الذي يهمل تعزيز وتطوير استخدام اللغة العربية في التواصل، وصولاً إلى التواصل الاجتماعي الذي تطغى عليه اللغة الإنجليزية، انتهاء بالمدرسة التي لا تبذل جهداً في وضع برامج علاجية».

والقضية لا تقف عند ضعف المستوى في مادة اللغة العربية، وهذا ما يصدم، فقد قالت إن هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي تتلقى طلبات من أسر عربية مواطنة وغير مواطنة، للحصول على استثناء بإعفاء أبنائهم من دراسة اللغة العربية. وتعلل مرة ثانية، ربما حسب ما ورد في طلبات الأهل من مسببات، أن سبب تلقي مثل هذه الطلبات هو عدم رغبة بعض الآباء في دراسة أبنائهم للغة العربية، بينما يتذرع آخرون بأنهم عاشوا فترات طويلة في دول أجنبية.

وبالتالي، فإن الأبناء يجدون صعوبة في تعلّم اللغة، وآخرون أمهاتهم غير عربيات، وتضيف «فاطمة المري»، ومن المؤكد أن هذه الإضافة تنبع من تحليلها الشخصي، حيث تقول إن بعض الأسر العربية تعطي اللغة الانجليزية اهتماماً أكبر مما تعطيه للغة العربية، لأسباب تتعلق بالوجاهة الاجتماعية. وتنقل الصحيفة عن المري رفضها هذا التوجه إجمالاً كون العربية يجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر لدى الآباء والأبناء عن أي لغة أخرى.

أستطيع أن أفهم أن نسبة من الأسر العربية المقتدرة، تسعى للحصول على جنسيات أجنبية لتأمين التعليم الجامعي لأبنائها، وبعض الأسر تخطط للاستقرار في تلك الدول الأجنبية، كرد فعل على حال أمتنا المتشرذم، أو لنظرتهم إلى المجتمعات الغربية على أنها مجتمعات متحضرة ومتطورة «يجد فيها الإنسان إنسانيته ويتم التعامل معه كبني آدم»، كما يقول كثيرون، ومن الأسر من يعتقد جازماً أن فرص العمل تصبح أكثر لحملة جوازات السفر الأجنبية، أو أن حركة التنقل بين دول العالم تصبح سهلة، حتى بين الدول العربية.

وقد نتفق في بعض الأسباب ونختلف في بعضها، كلٌ حسب توجهه ومفاهيمه وقناعاته، لكن الأسر التي تعيش في الإمارات، وأتحدث هنا عن الأسر العربية، فهي تعيش في مجتمع عربي، وربما تخطط للبقاء في الدولة بعد تخرج أبنائها، وبالتالي سيحاولون العمل في الشركات أو المؤسسات، واللغة العربية في هذه الحالة ضرورية جدا للعمل، والتواصل. أما بالنسبة للأسر المواطنة التي لا استثناء لأبنائها من تعلّم اللغة العربية، فربما تخطط لإرسال أبنائها لدول أجنبية لاستكمال تعليمهم الجامعي، ولكن حتى هذا السبب يبدو غير منطقي، إذ سيتخرج الطالب المواطن بلغة واحدة، هي اللغة الأجنبية، وبالتالي لن يتمكن من العمل في المؤسسات الوطنية أو حتى الشركات شبه الحكومية، ناهيك عن الفجوة التي ستفصل بينه وبين أسرته أو مجتمعه أو الأصدقاء القدامى، وللأسف، أقولها بمرارة، إن بعض الطلبة المواطنين، استمروا في العيش في الخارج، لأنه لم يعد بمقدورهم التفاعل مع مجتمعاتهم.

لن نتحدث كثيراً عن المفردات التي قد يعتقدون أنها غير مناسبة في عصر العولمة، أو عصر ثورة المعلومات والاتصالات، وعصر الإنترنت، فهم يرونها غير مناسبة لأنهم أصبحوا ينظرون إلى ثقافتهم الوطنية نظرة دونية، وربما يتندرون على بعض أنواع العادات والتقاليد والفنون والأعراف، ويرونها متخلفة، ولكن تناسوا الدين الذي يجب أن يشعروا به لوطنهم، ويتمثل في التربية منذ الصغر، وتوفير التعليم، ودفع التكاليف الدراسية الكاملة.

وأشدد هنا على كلمة «كاملة» وهم في البلاد الأجنبية، هذا الدين يجب أن يسددوه بطريقة أو بأخرى، وبلادهم الكريمة، لن تطلب منهم استرجاع أو استعادة الأموال المصروفة، كما تفعل الدول التي يقيمون فيها أو درسوا فيها، حيث الطالب يبدأ بتسديد مصاريف وأقساط الجامعة عندما ينتقل إلى الحياة العملية، مضافة إليها الضرائب الباهظة، بلادهم لن تطلب منهم ذلك، ولكن المنطق الأخلاقي له لغة أخرى، وهم يعرفونها جيداً، وعليهم أن يتبعوه بنزاهة وإخلاص.

اللغة العربية ليست مجرد حروف تُنطق، وإنما هي ثقافة كاملة متكاملة، وهي قيمة مهمة، تحمل المعاني الراقية والكريمة والشامخة، والتنازل عنها بهذه السهولة، هو تهرّب من سداد الدين الوطني والأخلاقي، وتهرّب من الولاء والانتماء.

وهذا الكلام يشمل الطالب العربي، والأسر العربية، مواطنة وغير مواطنة، فالتنازل عن اللغة العربية هو هروب إلى الأمام، وقفزٌ عن التحديات. وإذا كان الطالب سيبدأ حياته بهذا الأسلوب أو المنهج في الحياة، فإنه سيهرب إلى الأمام أيضاً في موضوعات أخرى، تاركاً خلفه أحبابه وبلاده، دون النظر إلى فظاعة ما ترك.

  كلمات مفتاحية

اللغة العربية ثقافة قيم هامة الإمارات الدراسة العرب

مجمع اللغة العربية .. ضرورة خليجية

اللغة العربية في التعليم: الجَمَال يُقدَّم مشوَّها

في اليوم العالمي للغة العربية .. شكرا لكل أولئك

المدارس الخاصة في الإمارات بلا رقابة ومخرجات التعليم تتراجع

الإمارات تبحث مع مشيخة الأزهر "تطوير" مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية