لماذا تصمت دول الخليج على قمع المسلمين في تركستان الصينية؟

الأحد 27 يناير 2019 11:01 ص

على عكس حالات القمع الأخرى ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم، مثل "ميانمار"، لم تتم إدانة "التطهير الثقافي" الذي يجري في مقاطعة "شينغيانغ الصينية"، المعروفة باسم "تركستان الشرقية"، من قبل ممالك الخليج.

ويرجع هذا الصمت في الغالب إلى العلاقة الاقتصادية مع الصين، والتي تثير المخاوف من أي رد فعل انتقامي من بكين إذا ما قاومت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي محنة الأقلية المسلمة في الصين.

ولا تخلو المعادلة من حقيقة أن المملكة العربية السعودية، وملكيات شبه الجزيرة العربية الأخرى، قد واجهت انتقادا قويا من الغرب لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، ما منح المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي حافزا أكبر لتجنب انتقاد بكين بشأن القضايا الحساسة التي تعتبرها الصين مسائل داخلية.

الاهتمام العالمي بـ "شينغيانغ"

في عام 2018، ازداد الاهتمام الدولي بشكل كبير بالقمع الذي شنته الصين على "الإيغور" وغيرهم من الأقليات المسلمة.

وفي أغسطس/آب، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء ما تم ذكره عن مليون شخص من الإيغور محتجزين في معسكرات الاعتقال في أنحاء غرب الصين، بعد 4 أشهر من إلقاء الدبلوماسيين الأمريكيين الضوء على المخاوف من تزايد مستويات القمع في "شينغيانغ".

وتصاعد الاحتجاج العالمي في أعقاب تقارير أخرى تفيد بأن السلطات الصينية حظرت النقاب، وأجبرت "الإيغور" على حلق لحاهم وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر.

وقد برزت أدلة أيضا على أن الحكومة الصينية تتعقب نشاط الهواتف المحمولة في "شينغيانغ"، بينما تضغط على "الإيغور" في الشتات لتقديم معلومات شخصية، عن طريق تهديد أفراد عائلاتهم إذا لم يلتزموا بذلك.

عوامل اقتصادية

ومثل العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في جميع أنحاء العالم، فإن لدى دول مجلس التعاون الخليجي علاقات اقتصادية عميقة مع الصين قد تتعرض للخطر إذا ما سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في "شينفيانغ".

وتعد المملكة العربية السعودية المورد الأول للنفط الخام للصين منذ عام 2002، والصين هي الوجهة الأولى لصادرات المملكة من النفط، وقد انضمت جميع دول الخليج إلى السعودية في تحويل محاورها الجيواقتصادية الخاصة إلى الشرق، وإقامة علاقات تجارية قوية مع بكين.

وتعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومصدرها الأول للواردات، كما تقدم خطط الصين الطموحة، وفق مبادرة "حزام واحد.. طريق واحد"، فرصا مربحة لدول المجلس في مجالات التمويل والتجارة والبنية التحتية التي تربط آسيا وأوروبا.

ومع تراجع الطلب الأمريكي على النفط في الخليج في الأعوام القادمة، مع توقع ارتفاع الطلب الصيني، يرى مسؤولو مجلس التعاون الخليجي أن الصين هي الشريك الأكثر موثوقية فيما يتعلق باستمرار الطلب.

وهكذا، وكما ترى الحكومات الخليجية، لا تعد قضية قمع المسلمين غرب الصين مهمة بالدرجة الكافية لتبرير المخاطرة بالتصدي لها في أي منتدى دولي.

الاستقرار فوق حقوق الإنسان

وبالإضافة إلى مصالحها في تأمين علاقات اقتصادية أعمق وفي مجال الطاقة مع الصين، فإن لدى دول المجلس حوافز أخرى من أجل التزام الصمت حيال حملة القمع التي تمارسها بكين.

وبالنظر إلى حساسيتها البالغة للتدقيق الخارجي في انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بها، ترحب ممالك الخليج بعقيدة السياسة الخارجية الصينية المتمثلة في "عدم التدخل"، وترد عليها بالمثل.

وقد استفادت المملكة من الصمت الذي التزمته الصين طوال قضية "خاشقجي" العام الماضي، وسوف يتذكر ولي العهد "محمد بن سلمان"، من دون شك، الحكومات وقادة العالم الذين وقفوا معه خلال ما كان يشكل أكبر تحدٍ له على الساحة الدولية حتى الآن.

وببساطة، فيما يتعلق بالعلاقات الصينية الخليجية، يبدو أن ممارسة بكين، المتمثلة في عدم إثارة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، قد آتت ثمارها.

كما أن نموذج "الاستقرار الاستبدادي"، الذي يدعو إليه كل من مجلس التعاون الخليجي والصين، يرجح أيضا قرار ممالك الخليج بتجنب الضغط في تلك القضية.

ووفقا لرواية الحكومة الصينية، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في "شينغيانغ" لحماية البلاد من التطرف الإسلامي والإرهاب.

ومع التركيز القوي على الاستقرار مقابل الحقوق الفردية، تتعامل الصين في القضايا الأمنية بطريقة تتوافق مع الأنظمة الخليجية، التي تعطي الأولوية للمحافظة على الاستقرار فوق حقوق الإنسان.

وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية، للتعلم من الصين، ونسخ جوانب مهمة من نظامها القانوني، الذي قد يمنح دول مجلس التعاون الخليجي قدرة أكبر على تجنب المشكلات، في الوقت الذي تسعى فيه لتعميق علاقاتها القانونية مع بكين.

وفي العام الماضي، على سبيل المثال، وقع نائب وزير العدل في الرياض ونظيره من بكين مذكرة تعاون لتبادل المعلومات والخبرات القضائية.

بالإضافة إلى ذلك، وكما أوضحت "سيندي يو"، فإن رؤية ولي العهد السعودي لعام 2030 تسير عموما "على نفس مسار بكين"، وهي متمايزة تماما عن قيم الغرب.

وتعد الصين، بحسب "يو"، "نموذجا مثاليا" للمملكة، حيث "يختار الناس الأموال على الحرية".

وفي ذلك، أشاد سفير الصين في الرياض، "لي هوا شين"، بـ"محمد بن سلمان" خلال موجة الاعتقالات في فندق "ريتز كارلتون" الرياض، مدعيا أن حملة "مكافحة الفساد" ستفيد مناخ الاستثمار الأجنبي في المملكة، بسبب التحسينات المتصورة في "سيادة القانون".

ويجب أيضا فهم صمت دول مجلس التعاون الخليجي بشأن "شينغيانغ" في سياق الإعلام السائد في العالم العربي الأكبر، والذي لم يول اهتماما كبيرا للغرب الصيني.

وتراقب السلطات الصينية عن كثب عمل الصحفيين الأجانب في "شينغيانغ"، لذلك فإن العالم الخارجي، حتى وقت قريب نسبيا، لم يكن يتاح له إلا القليل من المعلومات.

وفي منطقة الخليج، هناك نقص عام في الوعي بمحنة "الإيغور"، وحتى الجماعات الجهادية من العالم العربي، والتي غالبا ما تتحدث عن المظالم ضد المسلمين في مناطق أخرى من العالم، فإنها لا تولي اهتماما يذكر لـ"شينغيانغ".

تركيا

وتعد الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي أدانت الصين، في مسألة حقوق الإنسان في "شينغيانغ"، هي تركيا، ومع ذلك، تضيف الدروس الأساسية المستفادة من موقف "أنقرة" بشأن هذه المسألة إلى حوافز دول مجلس التعاون الخليجي لاستمرار قرارها بالتزام الصمت.

وقبل 10 أعوام، ذهب "رجب طيب أردوغان"، رئيس الوزراء التركي آنذاك، إلى حد اتهام الصين بارتكاب "نوع من الإبادة الجماعية" في "شينغيانغ" ضد الإيغور، الذين يشتركون في علاقات عرقية ولغوية وثقافية ودينية مع الأتراك.

بيد أن لغة أنقرة القوية فيما يتعلق بمحنة "الإيغور"، قد خلقت توترا كبيرا في العلاقات الصينية التركية، خاصة بعد أن بدأ المسؤولون الأتراك في توفير ملاجئ للاجئين من "الإيغور" في بلادهم.

وبسبب مجموعة من القضايا، بما في ذلك خطة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، والتي دفعت تركيا إلى التحوط ضد رهاناتها على الغرب من خلال تعميق الروابط مع بكين، ومع موسكو وطهران، تجنب المسؤولون الأتراك التحدث عن الهوية الإسلامية وحقوق الإنسان في "شينغيانغ" في الأعوام الأخيرة.

ومع ذلك، لم تنس القيادة الصينية دعم تركيا للإيغور في "شينغيانغ"، وتحرص دول مجلس التعاون الخليجي على تجنب خلق مثل هذا الاحتكاك في علاقاتها مع بكين.

معضلة

ومن المحتمل أن تشكل "الحرب على الإرهاب" في بكين غربي الصين أقسى حملة لإعادة الهيكلة الاجتماعية القسرية في فترة ما بعد "ماو تسي تونغ".

وعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين يصورونها على أنها "حملة تهدئة"، تعد حملة القمع ضد المسلمين في "شينغيانغ" هي الأكثر جهدا في إطار الاستيعاب العرقي.

وتشكل استراتيجيات "مكافحة التطرف" المتطرفة في الصين معضلة بالنسبة للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وفي حين أن صمت هذه الدول في مواجهة الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق المسلمين الصينيين قد يقوض مصداقية وشرعية ادعاءاتها بالدفاع عن المجتمع الإسلامي العالمي الأكبر، فمن المرجح أن تواصل دول المجلس التزام الهدوء في ظل العلاقات الجيواقتصادية والجيوسياسية المتزايدة بينها وبين الصين.

وبالنظر إلى المستقبل، ومع استمرار الصين في صعودها الاقتصادي والجيوسياسي، سوف تتعمق علاقات بكين مع دول المجلس.

وفي الوقت الذي تصبح فيه السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية مربكة ومتناقضة، تتطلع ملكيات الخليج إلى الصين للتحوط في رهاناتها على واشنطن، وسط رئاسة "ترامب" التي لا يمكن التنبؤ بها.

وبالنظر إلى مدى تقدير الأنظمة الخليجية لعلاقاتها مع بكين، تفهم القيادة الصينية أنه ليس لديها ما يدعو للقلق من أزمة محتملة في العلاقات بين بكين ودول المجلس نتيجة التطورات في "شينغيانغ"، رغم ما يثيره الوضع هناك من غضب الحكومات الغربية ومنظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

  كلمات مفتاحية

تركستان الشرقية الإيغور مجلس التعاون الخليجي تركيا السعودية

تركيا تعتزم إرسال وفد إلى الصين للوقوف على أوضاع الإيغور

صحيفة: الصين تحقق مع مسؤول بعد مطالبته باحترام الإسلام في البلاد