جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا ترسخ روسيا نفوذها في العراق؟

الأحد 15 سبتمبر 2019 11:04 م

مع اندلاع الحرب في سوريا، كان من السهل نسيان مسار إعادة إعمار العراق في الجوار، ويخرج العراق الآن من مرحلة من الدمار الذي خلفته الحرب الأمريكية المستمرة منذ أعوام هناك وما تلاها من وصول تنظيم "الدولة الإسلامية".

وتتنافس دول عديدة للمساعدة في تشكيل مستقبل العراق ليناسب مصالحها الخاصة، في مقدمتها روسيا، حيث من المنتظر أن يقوم وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بزيارة إلى العراق وكردستان العراق في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.

وبالنسبة لروسيا، فمن شأن لعب دور حاسم في إعادة إعمار العراق أن يعزز أهداف موسكو على المدى الطويل في الشرق الأوسط.

فمن ناحية، فإنه يقدم فرصة لروسيا لتوطيد نفوذها في الشرق الأوسط لأعوام قادمة، ما يمكّنها من الاستمرار في التركيز على الشؤون الإقليمية.

وقد أقامت روسيا علاقات مع دول إقليمية متعددة، ووضعت نفسها في مقدمة "المشرفين السياسيين" على شؤون على المنطقة.

وفي سوريا، على سبيل المثال، استخدمت موسكو هذه المرونة والتأثير للحفاظ على العلاقات مع كل من (إسرائيل) وإيران، حتى عندما هاجم الطرفان بعضهما البعض.

ومن ناحية أخرى، سوف يسمح اكتساب موطئ قدم في العراق لروسيا بوضع نفسها في موقف أفضل لمواجهة الجهود التوسعية التي يقوم بها الخصمان الإقليميان الرئيسيان لها وهما إيران وتركيا، لذلك، على الرغم من إمكانياتها المحدودة إلى حد ما، تحاول موسكو تأمين مكان في إعادة إعمار العراق.

المنافسون

وتواجه روسيا منافسة قوية ومتنامية في العراق، خاصة في قطاع الطاقة في البلاد، ويجلب إنتاج النفط إيرادات مهمة للحكومة في بغداد، لكن المشكلات المتعلقة بتوليد الكهرباء قد أعاقت التنمية الاقتصادية، ويدرك العراق أن إعادة بناء اقتصاده يتطلب مبالغ هائلة من الاستثمار والتمويل، لذا فهو يحتاج إلى رعاة محتملين متعددين.

وبالفعل، عرض لاعبون من جميع أنحاء العالم خدماتهم للمساعدة في بناء هذا القطاع، ووافقت تركيا، التي أدارت بالفعل سلسلة من العمليات العسكرية في كردستان العراق، مؤخرا على بدء تداول الكهرباء مع العراق بمجرد تلقي البنية التحتية للأخيرة "التحديثات الضرورية".

وقد تستغرق هذه التحديثات أعواما حتى تكتمل، لكن هذه الخطوة تؤكد اهتمام أنقرة بمستقبل العراق بشكل كبير بعد توقف العمليات العسكرية، ودخلت شركة "سيمنز" الألمانية في المرحلة الأولى من خطة من 3 مراحل لإضافة 11 جيجاوات إلى الشبكات الكهربائية في العراق، حيث تمت إضافة 700 ميجاوات بالفعل.

وفي الوقت نفسه، تعمل إيران كمورد رئيسي للنفط لتوليد الكهرباء في العراق، وزادت حملة الضغط الأمريكية على إيران من الضغوط على بغداد لإيجاد مصادر بديلة للطاقة عاجلا وليس آجلا.

وتريد روسيا أيضا أن يكون لها دور أكبر في أسواق النفط وكلما زاد الإنتاج وخطوط الأنابيب التي يمكن لروسيا السيطرة عليها أو التأثير عليها، زاد نفوذها عند التفاوض على إنتاج النفط وسياساته مع الدول الأخرى، ولتحقيق هذه الغاية، تتابع روسيا أيضا مشاريع نفطية في العراق وكردستان العراق.

وكان دخول إيران المبكر إلى العراق قد أعطاها ميزة، ما يمثل عقبة أمام دخول روسيا إلى العراق، وعلى الرغم من تعاون موسكو وطهران بعناية في سوريا، لكن لإيران اليد العليا والسيطرة غير المباشرة على الميليشيات في العراق، الأمر الذي يجعل روسيا تشعر بعدم الارتياح.

وقد شملت مساعي إيران للتوسع الإقليمي جهودها لبناء طريق بري من إيران إلى البحر المتوسط يشمل العراق وسوريا ولبنان. لذلك أنفقت إيران الكثير من الوقت والموارد في بناء وجودها في العراق، وأنشأت طهران العديد من الميليشيات ذات الولاء لإيران، التي تعمل تحت مظلة قوات الحشد الشعبي العراقية المدعومة من الدولة، ودعمت الأحزاب السياسية والمرشحين في البلاد.

وتمتلك إيران أيضا القدرة على التحكم في المعابر الحدودية، وهو ما قد يجعل لها نفوذا على التجارة، وقد وضعت نفسها كمورد مهم للطاقة في العراق.

ومع ذلك، توجد مجموعات داخل الحكومة العراقية تعارض النفوذ الإيراني، بما في ذلك القوميون والبراغماتيون، الذين يرون قيمة في الحفاظ على العلاقات مع منافسي إيران، مثل الولايات المتحدة.

بعبارة أخرى، في حين أن لإيران وجودا قويا في العراق، فهي لا تمسك بكل الخيوط بأي حال من الأحوال.

وقد أدت العقوبات الأمريكية على إيران، والأزمة الاقتصادية المحلية، والعداء الإقليمي ضد الميليشيات الموالية لها، إلى إضعاف قدرة إيران على إظهار نفوذها في الشرق الأوسط.

وقد فتح هذا بدوره العراق أمام عدة جهات فاعلة خارجية أخرى تسعى إلى إنشاء نفوذ هناك أو تنميته. ويتعرض الوكلاء الإيرانيون لنيران أشد من المعارضين لتوسع إيران، مثل المملكة العربية السعودية و(إسرائيل).

وتهاجم (إسرائيل) بانتظام القوات المرتبطة بإيران، خاصة "حزب الله"، في سوريا، وفي الأسابيع القليلة الماضية، تعرض وكلاء إيران في العراق للهجوم أيضا.

ومنذ منتصف يوليو/تموز، وقعت 5 هجمات جوية على أهداف عسكرية تابعة لقوات الحشد الشعبي وإيران في العراق، بما في ذلك مخازن أسلحة يشتبه في أنها كانت تعمل كمراكز للصواريخ.

ووفقا للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقد نقلت إيران الجزء الأكبر من أنظمة صواريخها العاملة خارج الحدود إلى العراق، بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة في سوريا.

ونظرا لأن العراق يجد نفسه مرارا وتكرارا في مرمى النيران، فإنه سيبحث عن أطراف ثالثة للمساعدة في حماية مصالحه، وتعد روسيا في وضع جيد يؤهلها لخدمة هذا الغرض، بالنظر إلى التطورات في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.

لكن لدى موسكو أيضا اهتمامات استراتيجية أكبر، وإذا خففت روسيا وجودها في الشرق الأوسط، فسوف يصبح الأمر أسهل لدول مثل إيران أو تركيا، ويمكن لأي من تلك الدول أن تحول تركيزها إلى القوقاز.

ويعد القوقاز منطقة عازلة حاسمة بالنسبة لروسيا، وإذا اختارت إيران أو تركيا إبراز النفوذ هناك، فسوف ترى روسيا ذلك تهديدا مباشرا لها، لذا فإن البقاء في الشرق الأوسط لا يسمح لروسيا فقط بتعزيز نفوذها في مجالات نفوذ منافسيها، ولكن أيضا بتحويل موارد هؤلاء المنافسين واهتمامهم بعيدا عن القوقاز.

الدور الروسي

ولدى روسيا خيارات محدودة إلى حد ما فيما يتعلق بدورها في إعادة إعمار العراق، وقد أثمرت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها موسكو بعض التأثير السياسي في العراق، لكنها لا تستطيع الاعتماد على الدبلوماسية وحدها.

ولا تعد العمليات العسكرية خيارا لروسيا؛ لأن الاقتصاد العراقي ليس مستقرا بينما تبدو الاضطرابات الاجتماعية في ازدياد، وبالتالي فإن الحملة العسكرية هناك لن تكون مكلفة فحسب، بل ستؤدي أيضا إلى ردود فعل اجتماعية خطيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخطوات الروسية في سوريا، والمناخ الداخلي الحالي في روسيا، يجعل موسكو ترفض التدخل العسكري كخيار، لذلك فإنها ستركز على مجال خبرتها، وهو الطاقة. وتتوافق احتياجات العراق وإمكانياته في مجال الطاقة بشكل جيد مع خبرة روسيا واهتمامها بزيادة نفوذها في مجال إنتاج النفط وتدفقاته.

وفي الواقع، بدأت خطط روسيا بشأن العراق في التبلور، وبدأت موسكو في وضع الأسس لتلك الخطة في أوائل العام الماضي، ومنذ ذلك الحين، تطورت تداولاتها مع العراق من مجرد كلام إلى توقيع اتفاقيات جوهرية.

ووقعت وزارة النفط العراقية مؤخرا عقدا مدته 34 عاما مع شركة "سويوز نفط غاز" الروسية لاستكشاف وتطوير حقل للنفط والغاز في محافظة "الأنبار".

وتتراوح التقديرات الأولية لاحتياطيات النفط في المنطقة بين ملياري و4 مليارات برميل من المعادلات النفطية، ولدى شركات الطاقة الروسية مثل "لوك أويل" و"غازبروم نفط" أيضا عمليات في العراق.

وفي هذا الأسبوع فقط، أعلنت موسكو وبغداد حل مشاكل تتعلق بالتنقيب عن النفط وعقود الإنتاج بين "روس نفط" وإقليم كردستان العراق، كما كشفت "روس اتوم" هذا الشهر أن روسيا والعراق استأنفا المناقشات حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وخارج نطاق الطاقة، أبدى العراق أيضا رغبته في شراء نظام الدفاع الجوي "إس-300" من روسيا.

وتتجذر مساعي روسيا في الشرق الأوسط في نهاية المطاف في دعم اثنين من الأولويات الاستراتيحية للبلاد، وهما منع إيران وتركيا من تحدي النفوذ الروسي بشكل خطير في القوقاز، والحصول على نفوذ أكبر في مجال إنتاج النفط وتدفقاته.

ويرتبط توقيت التحركات الروسية الأخيرة بزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على إيران، وسوف يستمر التنافس على كعكة إعادة إعمار العراق لأعوام قادمة، وتعد جهود موسكو الحالية تجاه العراق علامة على أنها تريد قطعة من هذه الكعكة.

المصدر | أليسون فيدركا - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية