أسرار الشيوخ.. لماذا تتمتع ملكيات الخليج بالاستقرار؟

الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 08:52 م

حين تتجول في مدينة قديمة في الخليج العربي، فإنك ترى أسواقا ومساجد وأبراجا وقصورا على مدار الساعة. وعن بُعد، قد تشاهد لمحة عن منصات النفط وناقلات النفط المستقرة في المياه. ولكن حتى المغترب المخضرم قد يفوته ما قد يكون أهم مساحة في المدينة؛ حيث تقع في الطابق الثاني من العديد من المنازل، حتى في الفيلات الحديثة التي تنتشر في الأحياء الحديثة، تقع غرفة طويلة، مزينة غالبا بنوافذ مقوسة، وزخارف معقدة، ووسائد ناعمة. هذه الغرفة هي "المجلس"، وهي غرفة مخصصة لاستقبال الضيوف في البيوت العربية القبلية. ويناسب "المجلس" جميع الرجال والنساء، الذين يجتمعون بشكل منفصل، في تقليد منتشر في العائلات والقبائل الخليجية.

ويساعد وجود "المجلس" في تفسير واحدة من أكثر سمات الحياة السياسية إثارة للحيرة في الخليج، وهي حقيقة أن معظم المنطقة لا يزال يحكمها الملوك والأمراء. ومن الناحية النظرية، ينبغي على ملوك الخليج أن يخشوا على مناصبهم. حيث تعاني اقتصادات بلادهم من الفساد والاعتماد المفرط على النفط وعدم المساواة وزيادة عدد المهاجرين بينما تنذر تيارات الإسلام السياسي المتنامية، إلى جانب التحديث الثقافي وتدفق المعلومات رغما سيطرة الدولة، بمزيد من الخطر على عروشهم.

ولا يملك معظم ملوك الخليج شرعية دينية كبيرة للاستناد إليها في أوقات الشدة مثل الحكام في الأردن والمغرب، لأنه لا يوجد منهم من يدعي وجود صلة دم بالنبي "محمد" (صلى الله عليه وسلم). ووفقا لذلك، مال الكثير من الخبراء إلى التنبؤ بالسقوط الوشيك للملوك. ولكن حتى الآن لم يحدث هذا الانهيار في أي من بلدان الخليج من الكويت إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان وصولا إلى المملكة العربية السعودية، حتى أن الهزة التي أحدثها الربيع العربي لم تؤثر كثيرا على الهياكل السياسية في الخليج.

الممالك المستدامة

ولا يعد طول عمر ممالك الخليج فقط نتاج النفط أو قوة وجاذبية حكام معينين. بل ينبع جزء كبير منه "المجالس"، التي تلعب دورا غير مفسر إلى حد كبير في التوسط بين القبائل والدولة. ومع ذلك، فقد تعرّضت هذه العلاقة لضغط شديد في الأعوام الأخيرة، مما قد يهدد العقد الاجتماعي الضمني الذي سمح للحكومات الملكية بالبقاء وحتى الازدهار.

وفي الفكر السياسي الغربي، يتكون المجتمع المدني، الذي هو أساس الديمقراطية التمثيلية الحقيقية، من كوكبة من المنظمات غير الحكومية التي ينظم المواطنون أنفسهم خلالها ويحددون مصالحهم المشتركة. ويشمل هذا الجامعات، والجمعيات المهنية، والنقابات، والمنظمات الدينية، ووسائل الإعلام، وأكثر من ذلك. ويجتمع المجتمع المدني الغربي بشكل عفوي في الساحات وسائر فضاءات في المجال العام. وفي الخليج، يسيطر الانتماء القبلي، وليس المواطنة، على المشاركة السياسية. وفي أكثر الأحيان، تكون المراكز السياسية الحوارية مركزة في "المجالس". وفي غرف المعيشة الكبيرة الفاخرة هذه، أو حتى في الخيم المتنقلة البدائية، يتم توصيل المظالم وإدارة الحوار بين الحكام والمحكومين.

ويعود تاريخ "المجلس" إلى عصر ما قبل الإسلام. وكان زعيم القبيلة، أو شيخ القبيلة، يدعو بانتظام عائلته الممتدة إلى تلك الاجتماعات التي كان يحضرها الأمراء والملوك. وكحاكم للجزيرة العربية في القرن السابع، عقد النبي "محمد" تجمعات مماثلة لحل النزاعات بين مختلف قبائل المدينة، وأنشأ شبكة من "المجالس" التي تم ربطها من خلال التبادلات الدبلوماسية الدورية.

ويدوم هذا النظام إلى اليوم. ومن الناحية الرسمية، تستند الحكومة في الخليج إلى السلطة الدستورية للأمير الحاكم، التي في كثير من الحالات تكون مطلقة تقريبا. ولدى الكويت برلمان لديه بعض الصلاحيات الحقيقية، لكن معظم السلطات ما زالت في يد الأمير. وكانت القوانين الرسمية والمؤسسات الحكومية إلى حد كبير من إنشاء الضباط الاستعماريين أو المستشارين الغربيين للحكام المحليين، وهم الغرباء الذين لم يقدروا بالضرورة التقاليد والروابط التقليدية غير الرسمية التي كونت المجتمع في الخليج.

وتعد "المجالس" هي الغراء الذي يربط المجتمع بالدولة. وفي اجتماعات "المجلس"، يناقش الأعضاء جميع المسائل من الزيجات إلى توفير المياه إلى حل النزاعات القضائية المحتملة. والأهم من ذلك، تتعهد "المجالس" بالولاء للأمير أو الملك مقابل زيارات معتادة لممثليهم لدى السلطة لعرض مصالحهم ووجهات نظرهم، بما يعني أن ما يناقش في "المجالس" يشق طريقه بسرعة طريقه إلى الديوان التابع للأمير أو الملك، الذي يجلس على قمة هذه الشبكة من المجتمعات غير الرسمية.

المجالس الخليجية

ويميل المواطنون إلى تقدير "المجلس" باعتباره وسيلة لإسماع أصواتهم مع تجنب الإحراج الذي قد يأتي من المناقشة العلنية للقضايا الحساسة. ويدرك الحكام، من جانبهم، قيمة "المجلس" كوسيلة لدعم هياكل السلطة التقليدية. وتُحظر معظم التجمعات والأنشطة العامة في دول الخليج، لكن "المجالس" تعمل بدعم حكومي نشط. وقام حاكم إمارة الشارقة، التي تعد جزءا من دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ فترة طويلة برعاية "مجالس" جديدة تم بناؤها لاستيعاب عدد متزايد من السكان المحليين.

واختارت دول أخرى، مثل الكويت، الوسيلة الأكثر رسمية، وهي الانتخابات، لاختيار هيئة من الممثلين الشعبيين. لكن بدلا من تقويض المجالس القبلية، عززت الانتخابات في الكويت نفوذ "المجالس". ونظرا لأن المجالس القبلية هي فقط المستثناة من الحظر القانوني على التجمعات التي تضم أكثر من 20 شخصا، فقد أصبحت موقعا طبيعيا للحملات السياسية، حيث يحضر السياسيون اجتماعات مختلف القبائل طلبا لدعمهم.

ومع ذلك، لا يعد "المجلس" مؤسسة ديمقراطية رسمية. كما أنه ليس محصنا ضد التغيرات في السياسة والمجتمع. ونظرا لأن دول المنطقة أصبحت أكثر رسمية في العقود الأخيرة، فقد خسر النمط الشخصي بعضا من فعاليته في الأعوام الماضية. وتنتشر الآن الجلسات الحوارية ذات النمط الغربي، ويتشكل قطاع خاص قوي ويعزز الإنترنت المطالبات الديمقراطية. وفي مواجهة هذه التحولات، تواجه "المجالس" غير الرسمية المتحورة حول مبدأ الانتماء القبلي خطر أن تفقد وظيفتها.

وهناك المزيد من التغييرات القادمة في الطريق. ومثلها مثل معظم دول العالم العربي، لا تزال دول الخليج تعمل، إلى حد ما، باعتبارها "قبائل مجتمعة تحت راية واحدة"، وهي مجتمعات قائمة على العشائر تتنكر في زي دول قومية. ومع ذلك، يبدو أن قادة المنطقة عازمون على إنشاء ما يمكن وصفها بأنه "مجتمعات صحية "تتمتع فيها المواطنة بالأسبقية على الانتماء القبلي. وتبرز المؤسسات العامة الجديدة التي ترعاها الدولة التراث القبلي، لمنها تبدو مصممة لغرس هوية وطنية جديدة قائمة على أساس المواطنة. وفي الدول غير الديمقراطية، غالبا ما يصبح هذا الإحساس بالهوية الوطنية مرادفا للولاء للأمير أو الملك وأسرته.

لقد سمح النموذج الاجتماعي القديم، المستند بشكل صريح إلى هويات قبلية متعددة، بدرجة من تقاسم السلطة من خلال "المجالس". والآن، تتآكل أسس هذا النظام دون ترتيب بديل شامل في الأفق. وحتى الجامعات والنوادي والأماكن العامة الجديدة التي تنتشر في جميع أنحاء المنطقة، تقع كلها تقريبا تحت رعاية الأسر الحاكمة، وتكون في بعض الأحيان أقل وصولا إلى القبائل من "المجالس".

ويعتمد مستقبل ملوك الخليج على قدرتهم على الحفاظ على شرعيتهم من خلال الوسائل التقليدية للتشاور. أما أولئك الحكام الذين يحاولون الخروج من هذا النموذج دون تقديم بديل عملي، مثل الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية، فهم يتحملون وحدهم المسؤولية عن النتائج المحتملة.

المصدر | ألين جيمس وخافيير ألونسو - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

قادة الدول الخليجية الملكيات الخليجية

جمهوريات ملكية وملكيات عائلية