و.س.جورنال: إيران لن تكون قادرة على قمع الاحتجاجات إلى الأبد

الأربعاء 4 ديسمبر 2019 02:52 م

لقي "حميد رسولي"، البالغ من العمر 32 عامًا، حتفه بعد أيام من انضمامه إلى الاحتجاجات في إيران، حيث قُتل على يد قوات الأمن، ووفقاً لأحد أصدقائه فقد قامت الدولة بتسليم جثته لعائلته بشرطين؛ دفع ما يقرب من 8000 دولار، والإعلان أن ابنهم لقى حتفه على أيدي المتظاهرين.

وقال "بهزاد مهراني"، وهو إيراني في الولايات المتحدة عرف العائلة منذ عقود، إن عائلة "رسولي" اضطرت لرهن منزلها لدفع ثمن جثته، ولم يُسمح لهم بعمل سوى جنازة صغيرة بحضور قوات الأمن ورجل دين حكومي.

ويتناسب هذا السلوك مع نمط الترهيب الذي تستخدمه السلطات الإيرانية التي تحاول وقف استئناف الاحتجاجات التي سادت البلاد، وفقًا لما ذكره ناشطون وخبراء إيرانيون.

وأدى التعتيم الإعلامي أثناء الاحتجاجات إلى صعوبة التحقق من أعداد الضحايا، لكن منظمة "العفو الدولية" تقول إن 161 متظاهراً على الأقل قتلوا، وقال موقع إيراني معارض إن 366 شخصًا على الأقل قتلوا، ووصفت الحكومة الإيرانية هذه الأرقام بأنها "مبالغ فيها".

يقول محللون إن مثل هذه التكتيكات قد تضاعف الغضب بين بعض الإيرانيين، خاصة الشباب؛ لأن الاستياء من عدم وجود الحريات السياسية والاجتماعية يساعد في تكثيف دائرة الاضطرابات.

وقال "أمير هاندجاني"، زميل مشروع ترومان للأمن القومي، وهو منظمة أمنية وطنية ذات نزعة يسارية، إن القمع، الذي شمل إغلاق الإنترنت "يجعل الناس يفكرون، هل هذا هو نوع المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه؟"، وأضاف: "إنهم يجبرون الناس على إعادة تقييم عقدهم الاجتماعي مع الحكومة".

احتجاجات اقتصادية

وبينما شهدت إيران فترة طويلة من الهدوء في أعقاب احتجاجات الحركة الخضراء، لكن الاحتجاجات الاقتصادية أصبحت أكثر تواترا في السنوات الأخيرة، ما أدى بدوره إلى مزيد من القمع الوحشي من جانب الحكومة.

وفي عامي 2017 و 2018، واجهت الحكومة المتظاهرين الذين انتقدوا الظروف الاقتصادية السيئة والفساد الحكومي بالعنف، وتقول السلطات إنها تقاتل مثيري الشغب المدعومين من قوى أجنبية.

وكان السبب وراء الاحتجاجات الأخيرة هو الإزالة المفاجئة للدعم على البنزين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، لكن الاستياء يعد أعمق بكثير من قضية البنزين، في ظل فقدان الأمل لدى الشباب والشلل السياسي الذي تعاني منه البلاد.

وكان "رسولي"، الذي فقد مؤخرا وظيفته كعامل في مصنع، يكافح من أجل تلبية احتياجاته عير قيادة أحد سيارات الأجرة، وقد دفعه ارتفاع أسعار الوقود للنزول إلى الشارع.

وقال "بهزاد مهراني"، الذي فر من إيران بعد قضاء شهرين في السجن خلال احتجاجات عام 2009، "إنه لم يكن يكسب ما يكفي من المال، حتى من أجل عيش حياة بسيطة".

ومن المحتمل أن يكون حظر الإنترنت، الذي هدف إلى منع انتشار الاحتجاجات، إلى جانب زيادة الأسعار، قد ساعدا في تأجيج الاحتجاجات، حيث أثر كلا الأمرين تقريبًا على جميع الإيرانيين وكلف الشركات المحلية خسارة كبيرة.

وقال نائب إيراني متشدد هذا الأسبوع إن السلطات ألقت القبض على ما يقرب من 7000 محتج، منهم 8 قالت السلطات إنهم على صلة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتعتقل إيران بشكل روتيني المواطنين الإيرانيين بسبب مثل هذه الادعاءات دون تقديم أدلة.

وقال المسؤولون إنهم اعتقلوا أكثر من 200 ناشط متهم بالتآمر مع تنظيم "الدولة الإسلامية" وجماعات المعارضة المنفية والمتشددين الأكراد لإثارة الاضطرابات، دون تقديم أي دليل لدعم هذه الادعاءات.

ومنذ عودة الاتصال بالإنترنت، ظهرت العشرات من مقاطع الفيديو التي تُظهر قيام قوات الأمن بضرب المتظاهرين وإطلاق النار عليهم، بما في ذلك من فوق أسطح المنازل.

وأظهرت مقاطع فيديو أخرى متظاهرين يقومون بنهب المباني الحكومية واستهداف البنوك ومحطات الوقود، وتم تصوير بعض المتظاهرين وهم يقومون بتسليم الزهور إلى قوات الأمن.

وقال وزير الداخلية الإيراني إن ما يصل إلى 200 ألف شخص شاركوا في الاحتجاجات، التي دمرت 50 مركز شرطة و 70 محطة وقود وأكثر من 700 بنك في جميع أنحاء البلاد.

ويرفض المتظاهرون الإيرانيون داخل البلاد التحدث إلى مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية. وامتنعت عائلة"رسولي" عن الحديث، مشيرة إلى المخاوف الأمنية.

ابتزاز حكومي

لكن العديد من الملفات الصوتية التي جمعها صحفيون وناشطون إيرانيون خارج البلاد تصف قيام السلطات بطلب الأموال من الأهالي مقابل تسليم جثث أقاربهم الذين قُتلوا في الاحتجاجات، وذكر آخرون أنهم أُجبروا على القول إن أقربائهم قُتلوا على أيدي المناهضين للحكومة.

وقد استخدم تكتيك طلب المال من العائلات للإفراج عن جثث قتلاهم خلال الاحتجاجات التي وقعت في الماضي، وفي الثمانينات من القرن الماضي، فرض نظام "الخميني" رسومًا على أسر ضحايا عمليات الإعدام الجماعي لدفع ثمن الرصاص الذي تم استخدامه لقتل أقاربهم.

وأثارت الاحتجاجات الأخيرة الإحباط المكبوت تجاه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي لا تظهر أي علامات على التحسن.

عندما تفاوض الرئيس "حسن روحاني" على صفقة في عام 2015 لتقييد قدرات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات، كان الكثير من الإيرانيين يأملون في أن تكسر هذه الصفقة العزلة الدولية للبلاد وتفتحها أمام الاستثمار الأجنبي.

ولكن في العام الماضي، انسحب الرئيس "ترامب" من الاتفاق النووي، قائلاً إن الاتفاقية لم تكف لمنع أنشطة إيران النووية ولم تفعل شيئًا لاحتواء السلوك العدواني لطهران في الشرق الأوسط، وفرضت الإدارة عقوبات شديدة أدت إلى عزل البلاد عن الأنظمة المالية الدولية.

ودفعت هذه الآمال المحطمة إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية من قبل النظام الاقتصاد الإيراني إلى الركود، ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بنسبة 9.5% العام المقبل.

وخفضت العقوبات الاقتصادية إيرادات الحكومة الإيرانية من صادرات النفط إلى رقم يتراوح بين 10 و12 مليار دولار، انخفاضا من 50 مليار دولار قبل العقوبات.

وتقول الحكومة إن صادرات النفط ستشكل فقط 7% من الميزانية العام المقبل، وفقا لتليفزيون برس الحكومي، واعتمدت ربع ميزانية العام الماضي على عائدات النفط، مقارنةً بنحو النصف قبل العقوبات، ونتيجة لذلك، أعلن البنك المركزي الإيراني عن عجز قياسي في الميزانية بلغ 5.8 مليار دولار العام الماضي.

بالنسبة للعديد من الإيرانيين، فإن الركود يعني ارتفاع أسعار السلع وتدهور نمط الحياة، وأصبح تناول اللحم في إيران الآن رفاهية، فيما أصبح من الصعب الحصول على بعض الأدوية.

قال رجل أعمال شاب في طهران، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إنه في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة العملة في البلاد بحوالي 70% منذ عام 2018، فقد تضاعفت قيمة الإيجارات، ما أجبره على الانتقال إلى شقة أصغر.

على وشك الانهيار

ويقف الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار، كما يقول "جواد أصفهاني"، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، ورغم توقف انخفاض العملة الهائل الذي حفزته العقوبات العام الماضي فإن الأسعار لا تزال مرتفعة.

وقد أبقت الإعانات أسعار البنزين في إيران أرخص بكثير من الدول المجاورة، وكان قرار خفض الدعم يهدف إلى تمويل برنامج الإعانات النقدية الموجه إلى 60 مليون إيراني.

وسبق أن أجرى تبنى الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" خطة مماثلة لرفع أسعار السلع الأساسية لتمويل المساعدات الاجتماعية من أجل الفقراء.

لكن بينما أعلن "أحمدي نجاد" عن خطته قبل أشهر من تنفيذها، قدم "روحاني" برفع أسعار البنزين دون سابق إنذار، ما أثار غضبًا واسع النطاق، وقالت الحكومة هذا الأسبوع إنها سلمت مدفوعات الرعاية الاجتماعية إلى 60 مليون شخص.

ويحذر المحللون من أن مثل هذا الغضب قد لا يتلاشى بمجرد القمع، منذ نشأتها في عام 1979، دعمت الجمهورية الإسلامية السلع والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والخبز، وإذا استمرت العائدات في الانخفاض، فمن المحتمل أن تضطر الحكومة إلى خفض الدعم على العديد من السلع الأخرى.

وقال "هاندجاني": "هم لم يقوموا بدورهم في تعريف الشعب الإيراني حول ما سيأتي"، وأضاف: "أسعار الوقود هي التي أثارت الاحتجاجات هذه المرة، ولكن في المرة القادمة ستكون هناك مشكلة أخرى تثير الشرارة".

المصدر | وول ستريت جورنال - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

MEI: الاحتجاجات قد تشجع طهران على اعتماد استراتيجية البلطجة

خامنئي يعتبر قتلى الاحتجاجات الإيرانية شهداء

BBC: عاصفة تختمر ضد فريق إيران بالشرق الأوسط

الاحتجاجات الإيرانية ليست حول أسعار الغاز فقط