ستراتفور: ماذا وراء إرسال قوات تركية إلى ليبيا؟

الثلاثاء 7 يناير 2020 01:20 م

للمرة الثانية منذ 4 أشهر، تبدأ تركيا نشر عسكري مثير للجدل في بلد عربي بعد أن طلبت حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًا دعمًا جويًا وبريًا وبحريًا من أنقرة للمساعدة في الدفاع عن طرابلس.

من المؤكد أن الدعم العسكري المتزايد من تركيا سيساعد حكومة الوفاق التي تحاول صد الهجوم الذي شنه "الجيش الوطني الليبي" بقيادة "خليفة حفتر" وبدعم من المرتزقة الروس ومصر والإمارات والسعودية.

قد تفكر تركيا في نشر قوات في طرابلس لحماية حكومة الوفاق الضعيفة وقد يحير سلوك أنقرة البعض ولكن الجواب هو أن أنقرة يجب أن تحمي الحكومة في طرابلس إذا أرادت تحقيق طموحاتها الإقليمية.

لكن المشاركة المتزايدة في ليبيا تأتي مع مخاطرة كبيرة: إن الوجود التركي المتزايد لن يجعل حكومة الوفاق تنتصر في الحرب، ولا شك أن الداعمين الأجانب لـ"حفتر" سيزيدون دعمهم له. تخاطر تركيا بأن تصبح شريان الحياة الوحيد لحكومة الوفاق الوطني، وإذا لم تقم بزيادة دعمها، فمن المحتمل أن تسقط طرابلس مما يؤدي إلى خطر كبير في إمكانية جذب تركيا إلى مستنقع.

تحول السياسة الخارجية التركية

خلال العقد الماضي، سعى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" إلى تحويل سياسة أنقرة الخارجية من تعميق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي (وحتى حلف الناتو) إلى دور أكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والعالم الإسلامي الأكبر.

قدم سقوط الحكومات الاستبدادية مثل حكومة "معمر القذافي" في ليبيا خلال الربيع العربي عام 2011، فرصة لأنقرة لمواصلة هذا التحول في السياسة الخارجية. لم يضع "أردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" سوى القليل من الوقت في القيام بذلك، وقام بدعم جماعات الإسلام السياسي - مثل جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وحزب "العدالة والبناء" في ليبيا – مما أنشأ تحالفًا وثيقًا أيديولوجيًا مع الحالة الإسلامية التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" للإسلام السني.

أزعجت الجهود التركية لاستعادة مكانتها التاريخية في العالم الإسلامي بالإضافة إلى صعود جماعات الإسلام السياسي، كل من مصر والسعودية والإمارات بشدة، والتي ترى تركيا تتعدى على مجال نفوذها التقليدي.

يمكن للقوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التركية أن تحد بشكل فعال من التأثير الإماراتي والسعودي في المنطقة، حيث أن الجماعات الإسلامية التي تدعمها تركيا والديمقراطية التي تروج لها تشكل تهديدًا وجوديًا للممالك الخليجية. وهكذا أصبحت دورة التصادم بين أبوظبي والرياض من جهة وأنقرة من جهة أخرى أمرًا لا مفر منه عندما قررت تركيا أن تصبح أكثر نشاطًا في العالم العربي.

وعلى الرغم من الدعم التركي، تعثرت الحكومات الإسلامية في المنطقة. في مصر، استمر "محمد مرسي" عامًا تقريبًا كرئيس، ولكن جماعة "الإخوان المسلمين" حظرت الآن. في عهد الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، أصبحت القاهرة الآن راسخة في المعسكر السعودي والإماراتي ضد تركيا.

في تونس، شهد حزب "النهضة" الإسلامي انخفاض نصيبه من الأصوات بحوالي 50% منذ عام 2011، واضطر إلى أن يصبح أكثر اعتدالاً للمشاركة في الحكومات الائتلافية. وأثارت الجهود التركية لدعم حزب النهضة ردود فعل شديدة من الأحزاب السياسية الليبرالية والعلمانية والإعلاميين في تونس.

إلى الجنوب في السودان الأكثر تقليديًا للإسلاميين، سقطت حكومة "عمر البشير" في عام 2019، و يربط البلد الآن نفسه مع أبوظبي والرياض. في الوقت نفسه، في ليبيا، بالرغم أن جماعة "الإخوان المسلمين" تتمسك بالسلطة في طرابلس عبر حكومة الوفاق الوطني، إلا أن الإسلاميين لا يزالون يلعبون دورًا بسيطًا فقط في قاعدة الدعم الشاملة.

حماية المصالح التركية في ليبيا

تتضاءل قدرة تركيا على إبراز نفوذها عبر الجماعات الإسلامية في شمال إفريقيا، وربما تكون الفرصة الأخيرة في ليبيا للقيام بذلك. ومع ذلك، سيكون من الصعب عليها أن تفعل ذلك، بالنظر إلى الدعم المالي والأسلحة والمعدات والفضاء الذي لا نهاية له على ما يبدو والذي يتمتع به "الجيش الوطني الليبي" بقيادة "حفتر". لم يتلق جيش حكومةا لوفاق في طرابلس دعما مناسبا مقابل الدعم الذي تلقاه جيش "حفتر"، مما دفع "أردوغان" إلى التدخل خشية انهيار حكومة الوفاق.

وفي حالة انهيار حكومة الوفاق وتثبيت "حفتر" لحكومته، ستتمتع مصر والسعودية والإمارات بشريك أيديولوجي وعسكري قوي آخر. من جانبها، ستفقد تركيا بكل تأكيد جميع روابطها الاقتصادية مع ليبيا، بالنظر إلى أن مجلس النواب المؤيد لـ"حفتر" في طبرق قد منع المقاولين الأتراك من العمل في طرابلس.

تتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية وثقافية مهمة مع ليبيا. يقدر أن ديون الشركات التركية في ليبيا تبلغ أكثر من 15 مليار دولار. ويتطع الجميع إلى إعادة إعمار ليبيا التي ستكون مربحة بمجرد انتهاء الحرب.

على عكس سوريا، تمتلك ليبيا ثروة هائلة من النفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى ما يقرب من 67 مليار دولار من الأصول المجمدة حاليًا من قبل الهيئة الليبية للاستثمار لتمويل إعادة إعمارها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من نصف سكان مدينة مصراتة التجارية القوية - بما في ذلك العديد من الشخصيات البارزة المشاركة في الحرب الأهلية الليبية الحالية - لديهم أصول عثمانية ويحافظون على روابط اقتصادية كبيرة مع تركيا.

ربما تكون المشاركة المتزايدة لتركيا في ليبيا هي الطريقة الوحيدة لإبقاء استراتيجيتها الإقليمية حية. علاوة على ذلك، وكجزء من اتفاقية الدفاع المبرمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت تركيا وحكومة الوفاق صفقة ثانية تحدد الحدود البحرية بين البلدين، مما يعطي تركيا حليفًا نادرًا في شرق البحر المتوسط.

على الرغم من أن اتفاقية الحدود البحرية تتعارض مع القانون البحري الدولي، الذي ينص على أنه لا يمكن لبلدين التفاوض على حدود بحرية تنتهك مطالبات دولة أخرى دون إشراك الدولة الثالثة، فإن هذه الصفقة تهدف إلى منح تركيا صلاحيات موسعة بالقرب من جزيرة كريت اليونانية.

يمكن أن تشير تركيا إلى الاتفاقية كمبرر لمشروعات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة واستغلال الغموض القانوني المتزايد لإعاقة مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط المقترح.

يهدف مشروع خط الأنابيب، المدعوم من قبرص ومصر واليونان و(إسرائيل)، إلى نقل الغاز الطبيعي المنتج في قبرص ومصر وإسرائيل وتصديره إلى أوروبا عبر اليونان.

يزيد خط الأنابيب في شرق البحر الأبيض المتوسط من الحافز التركي لإبقاء حكومة الوفاق الوطني على قيد الحياة. وترى تركيا أن أي استكشاف للطاقة في المياه التي تدعيها قبرص يجب أن يتم بالتعاون مع الحكومة التركية المعترف بها في شمال قبرص.

على الأقل نظريا، فإن الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا سيؤدي بشكل أساسي إلى إنشاء سد أمام خط أنابيب مباشر بين المياه اليونانية و/ أو المصرية و/ أو القبرصية، لأن الخط يمر عبر المياه التي تطالب بها ليبيا أو تركيا.

قد يؤدي هذا التعقيد القانوني الإضافي إلى منح تركيا حق النقض الفعلي على أي خط أنابيب شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.

إذا سقطت حكومة الوفاق، فإن "حفتر" وحلفاءه سيعكسون القرار. وإذا وضعنا المخاطر جانبا فقد يكون تورط تركيا المتزايد في ليبيا هو السبيل الوحيد للحفاظ على استراتيجيتها الإقليمية على قيد الحياة.

المصدر | ستراتفور - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قوات تركية الاتفاق الليبي التركي حكومة الوفاق الليبي قوات حفتر

أردوغان: لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء المتغيرات في منطقتنا

ستراتفور: هل يحقق الدعم التركي النصر لحلفاء أنقرة في ليبيا؟

أردوغان يعلن إرسال قوات إلى ليبيا ويتوعد المتربصين بتركيا