فورين بوليسي: لم يتبق للأمريكيين شيء في العراق

الأربعاء 8 يناير 2020 01:19 م

من المهم النقاش حول حقيقة ما إذا كان قائد "فيلق القدس" الإيراني "قاسم سليماني" يخطط لشن هجوم وشيك على الأفراد والمصالح الأمريكية عندما استهدفته غارة جوية أمريكية الأسبوع الماضي، لكن هناك مخاوف أكثر جوهرية حول وفاة الجنرال الإيراني.

قد يكون قتل "سليماني" وتحمل عبء المخاطر المرتبطة به مؤثرا إذا كانت هناك قضية معقولة يمكن التصرف فيها، بحيث إن التخلص منه سيكون له تأثير مفيد على العراق وقدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث هناك.

هذا يبدو غير مرجح، العراق في حالة انهيار نهائي، والولايات المتحدة معزولة وعاجزة هناك، من الصعب بالتالي فهم ما تريده واشنطن، وما الذي يستطيع الأمريكيون الذين ظلوا عرضة لأمثال "سليماني" فعلاً تحقيقه.

الحقيقة الصعبة هي أن العراق ضائع، وقد حان الوقت للمغادرة.

يتردد مجتمع السياسة الخارجية في التخفيف من تبعات غزو العراق، ربما يكون الأمر كبيرًا بالنسبة للمحللين والمسؤولين السابقين والحاليين، على تحمله، لكن الأمر يستحق أن نفهم كيف؟ ولماذا كانت تريليونات الدولارات التي تم إنفاقها، وفقدان الأرواح، وعدد لا حصر له من المصابين مجرد إهدار لهذه المقدرات؟

العراق ليس دولة بمعنى أنه يحتكر العنف أو يمكنه فرض حقوق الملكية، أدى نظام الغنائم السياسية والاقتصادية التي نشأت بعد غزو عام 2003 إلى السرقة والفساد، وسلب العراق ثروته الطبيعية وأفقر شعبه.

ونتيجة لذلك، فقد العراقيون ثقتهم في كل مؤسسة تقريبًا وتدفقوا إلى الشوارع في أنحاء كثيرة من البلاد للمطالبة بنظام سياسي جديد.

لقد قوبلوا بالعنف على أيدي أشخاص متحالفين مع "سليماني" الذي كانت مهمته ضمان بقاء العراق بعد الغزو ضعيفًا وغير مستقر إلى درجة لا يمكن أن يهدد إيران مرة أخرى.

كانت هذه نتيجة يمكن التنبؤ بها تمامًا، لكن إدارة "جورج دبليو بوش"، و 296 من أعضاء "مجلس النواب"، و 77 من أعضاء "مجلس الشيوخ"، وجحافل من النقاد اختاروا تصديق التخيلات حول أسلحة الدمار الشامل والديمقراطية التي تم تسليمها في النهاية على ظهر دبابة أمريكية.

لم يفهم أحد العراق في الفترة التي سبقت الحرب، وخلال عقدين من الزمان، أثبت الأمريكيون أن البلاد لا تزال بعيدة عن متناول أيديهم.

في الآونة الأخيرة، في الربيع الماضي، كان المحللون والمسؤولون في واشنطن يزعمون أنه بعد هزيمة "الدولة الإسلامية" في الموصل عام 2017، فإن العراق أصبح على طريق الاستقرار.

لا يهم أن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن العراقيين عبر الطوائف والأعراق كانوا يعانون من خلل في بغداد، ربما كان من الممكن أن يكون لدى واشنطن فهم أفضل لو كان دبلوماسيوها قادرين على مغادرة مجمعاتهم التي تشبه القبو، لكنهم لديهم اتصال ضئيل بالعراقيين.

يتطلب الأمر أسابيع من التخطيط والمظلات الأمنية القوية لمسؤولي الولايات المتحدة للذهاب إلى أي مكان، لذلك لا يحدث كل ذلك كثيرًا.

إذا لم يفهم صانعو السياسة كيف يعمل العراق، فلن يكون لديهم أي طريقة لمعرفة الموارد التي يجب استثمارها لمساعدة العراقيين على بناء نظام سياسي أكثر استقرارًا، والنتيجة هي إهدار الجهد والمزيد من الأموال.

ومع ذلك، يصر المسؤولون الأمريكيون على أن هذه الأهداف قابلة للتحقيق، وأن الولايات المتحدة تعمل مع شركائها العراقيين لتحقيق مستقبل مستقر ومزدهر لجميع العراقيين.

من هم هؤلاء الشركاء؟ أشخاص مثل "هادي العامري"، ليس فقط زعيم منظمة "بدر" سيئة السمعة، ولكن أيضًا عضو في البرلمان العراقي.

هل" فالح الفياض" مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء العراقي شريك؟ شارك الرجلان في الحصار المفروض على السفارة الأمريكية إلى جانب قادة الميليشيات البارزين الآخرين المعروفين والمتصلين بإيران في أواخر الشهر الماضي.

ثم هناك رئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي"، وهو تكنوقراطي محترم على ما يبدو، ولكن صوته في الجهود المبذولة لطرد الولايات المتحدة من العراق كان موجودا.

من المؤكد أن مقتل "سليماني" يضع الضغط على أولئك الذين يدعمون العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، لكن هذه المجموعة، باستثناء أكراد العراق، لم تبدو ملتزمة بشكل كبير بنوع العلاقات الاستراتيجية التي سعت إليها واشنطن.

في الغالب، يبدو أن العراقيين يريدون فقط أن تخرج الولايات المتحدة، ومن الصعب إلقاء اللوم عليهم.

سار الأمريكيون إلى بلادهم، وتسببوا في ما يقرب 17 عامًا من الفوضى، ويهددون الآن بحرب بالوكالة سيعانون فيها.

هناك حجة تدعو إلى ضرورة بقاء الولايات المتحدة في العراق لمحاربة "الدولة الإسلامية"، نظريا قد يكون لذلك معنى، لكن الواقع مختلف، فالحكومة المركزية في بغداد تساهم من خلال الفساد والخلل الوظيفي في تهيئة الظروف لكي يعود تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الظهور كتهديد كبير.

قد يكون هذا سببًا للبقاء في العراق، ولكن بالنظر إلى حقيقة أن الولايات المتحدة ليس لها أي تأثير على السياسة العراقية، فإن القوات الأمريكية ستظل في عملية لا تنتهي أبدًا في بيئة فيها مزيد من العداء بين الحكومتين العراقية والأمريكية، وهذا يجعل من الصعب محاربة الإرهابيين.

إن الهجوم والهجوم المضاد الذي أدى إلى مقتل "سليماني" يوم الجمعة الماضي هو نتيجة لعمل للأمريكيين، سواء في القواعد العسكرية أو المجمعات الدبلوماسية، الذين أصبحوا عرضة لوكلاء إيران.

لم يتبق للأمريكيين شيء في العراق، لا يمكن للمسؤولين والمحللين الأمريكيين أن يسمحوا لأنفسهم بالاقتناع أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى في العراق بحجة أنه إذا حاول الدبلوماسيون والضباط العسكريون العمل بوضع أصعب قليلاً، فقد تتحسن الأمور، أو لأن واشنطن قد أنفقت مبالغ طائلة داخل البلاد، أو لأنها بذلك تسلم إيران راية النصر.

لقد فاز الإيرانيون بالفعل بتلك المعركة، وكلما أسرع صناع السياسة في الولايات المتحدة في هضم هذه الحقيقة، كان ذلك أفضل.

كان "سليماني" بلا شك لاعبا جيوسياسيًا خبيثًا، لكن إذا تحققت حتى أجزاء من أسوأ السيناريوهات، فإن قتله بطائرة بدون طيار على طريق مطار بغداد هو حماقة أخرى في سجل المغامرة الأمريكية المستمرة منذ عقدين في العراق.

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني قواعد أمريكية غزو العراق

وزير الخارجية العماني يوضح حقيقة التوسط بين واشنطن وطهران

التحالف الدولي يعلن تعليق أنشطته العسكرية بالعراق