بروكينجز: 3 سمات للسياسة الأمريكية في ضوء التصعيد الأخير مع إيران

السبت 1 فبراير 2020 06:47 م

أصبحت ديناميات العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران أكثر تعقيدا في أعقاب مقتل القائد الإيراني البارز "قاسم سليماني".

وفي هذا السياق المتوتر، تظهر 3 معالم أساسية، وهي أن الاستراتيجية الأمريكية تفتقر إلى الكثير، وأن المشهد في الشرق الأوسط يميل إلى إيران بشكل متزايد، وأن واشنطن بحاجة إلى إيجاد طرق لإعادة ترتيب المنطقة في سلم الأولويات.

1. تعد الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران معقدة وجامدة. وكانت رؤية إدارة "دونالد ترامب" تعتمد على السعي نحو نظام إيراني مختلف اختلافا جوهريا عما هو عليه الآن عبر حملة "أقصى ضغط". ومع ذلك، فقد مارست واشنطن هذه السياسة في الوقت الذي أظهرت فيه جهودا متناقضة.

ومن ناحية، شجعت الإدارة استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني التي تركز على منافسة القوى العظمى، الصين وروسيا.

ومن ناحية أخرى، تفتقر تكتيكاتها لتحقيق هدفها مع إيران إلى استراتيجية واضحة وموحدة، كما يتضح من الانسحاب من الاتفاق النووي، أو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، في غياب أي جهد لبناء مسار أو وضع الأساس لـ"صفقة جديدة"، بينما فشلت في قيادة وحشد تحالف دولي فعال للضغط على إيران.

وأصدرت الإدارة الأمريكية ردود فعل غامضة ومتناقضة على العدوان الإيراني، من القفز إلى قمة سلم التصعيد بقتل "قاسم سليماني"، مرورا بالترنح في محاولة الرد، الذي تم إجهاضه، الصيف الماضي عندما أسقطت إيران طائرة أمريكية دون طيار.

ولا شك أن "سليماني" لديه سجل حافل من الإضرار بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط على مدار عقود، بالنظر إلى قيادته للأنشطة الإقليمية لإيران. ولا يمكن للمرء، ولا ينبغي له، التقليل من شأن الفرص الضائعة لدى صانعي سياسات الأمن القومي الحاليين والسابقين تجاهه. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح سبب قتله، وكذلك أساس اختيار الوقت والمكان.

علاوة على ذلك، فقد تعطلت المعركة ضد "الدولة الإسلامية" بشدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث يبدو العراقيون، من بين أعضاء التحالف الآخرين، غير متأكدين من التعاون.

وقبل كل شيء، يقرأ الإيرانيون المقاربة الأمريكية الشاملة المربكة على أنها عقيمة، ويرى الشركاء الإقليميون والحلفاء الأوروبيون والآسيويون سياسة أمريكية متقلبة، ويراها غيرهم من أعداء أمريكا، مثل كوريا الشمالية، على أنها تمثل فرصة لإحداث الأذى.

وبالنسبة لأولئك الذين يتساءلون ما إذا كان الهجوم الصاروخي الذي شنه الجيش الإيراني على قواعد أمريكية في العراق هو رد إيران النهائي على مقتل "سليماني"، فلنكن واضحين؛ فعلى الرغم من أن توقيت وهدف أي إجراء في المستقبل غير مؤكد، فلا يجب أن يكون هناك شك في أن المزيد من الرد الإيراني قادم.

ووصلنا إلى نهاية بداية هذه الدورة التصاعدية. وقد يتخذ هذا الرد شكل هجمات من قبل وكلاء لإيران مثل "حزب الله" اللبناني ضد أهداف سهلة يرتادها أفراد عسكريون أمريكيون، أو مباشرة ضد أفراد دبلوماسيين أو مدنيين أمريكيين عبر الخليج أو بلاد الشام، على سبيل المثال.

ويظهر القول إن إيران قد ترد برد عسكري رسمي آخر عن جهل كبير بإيران؛ فهذه ليست الميزة النسبية لطهران، ولن تمثل مطلقا فحوى انتقامها؛ نظرا للوكلاء المتطورين أصحاب القدرة الذين بنتهم حول المنطقة.

2-ويسير الشرق الأوسط في مسار يميل لصالح طهران بشكل متزايد. وفي سوريا، تمكنت إيران، بدعم كبير من روسيا و"حزب الله"، من بين أمور أخرى، من إبقاء الزعيم المستبد "بشار الأسد"، في السلطة.

وفي لبنان، تعمل الحكومة الجديدة على تعزيز نفوذ "حزب الله" ودمشق، ومن غير المرجح أن تتخذ خطوات حقيقية لمنع الاقتصاد من مزيد من الانهيار أو مواجهة الإحباط الحقيقي للمتظاهرين.

وفي العراق، تعيد الدوائر الانتخابية الرئيسية النظر بشكل جدي في الوجود العسكري الأمريكي.

وفي اليمن، قضى السعوديون والإماراتيون أعواما يقاتلون "الحوثيين"، مع القليل من المكاسب، إلى جانب الخسائر اليمنية المروعة.

وفي جميع أنحاء المنطقة، تنمو قدرات عملاء ووكلاء إيران. وتجدر الإشارة إلى أن النظام الإيراني وجد دائما طرقا لتمويل أولوياته، مثل بناء "حزب الله" في خضم حرب إيران التي استمرت 8 أعوام مع العراق، وسيواصل القيام بذلك.

ومن المؤكد أن الاستياء داخل إيران، وفي أماكن مثل لبنان، ليس مفيدا للنظام في طهران، وكذلك الأمر بالنسبة للعقوبات التي تستنزف الاقتصاد الإيراني، ولكن بشكل عام، لا يزال المسار إيجابيا بشكل متزايد بالنسبة لإيران.

ومع ذلك، توجد خطوات يمكن للولايات المتحدة اتخاذها لضبط هذا المسار واستعادة النفوذ، خاصة فيما يتعلق بلبنان والخليج. وسيكون "حزب الله" وإيران سعداء إذا تخلت الولايات المتحدة عن لبنان. ويجب أن تحافظ الولايات المتحدة على مشاركتها هناك، خاصة العلاقة مع الجيش اللبناني، ولكن يجب أن تدرك أن الحكومة اللبنانية الجديدة سيئة للغاية.

ومن الضروري أن تراقب واشنطن عن كثب التقارب الجديد بين الجيش اللبناني والحكومة، لضمان استمرار الجيش في معالجة التهديدات ذات الاهتمام المشترك، وزيادة حماية المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين في لبنان. ويجب أن تكون الولايات المتحدة على استعداد لمواجهة الزعماء اللبنانيين الذين يقوضون السيادة اللبنانية، واتخاذ إجراءات مثل معاقبة وزير الخارجية "جبران باسيل"، الذي سهّل شخصيا المكاسب السياسية المتزايدة لـ"حزب الله".

وفي جميع أنحاء الخليج، يعد تخفيف حدة التوترات خطوة ذكية. وتسعى دول الخليج الرئيسية، مثل الإمارات والسعودية إلى التواصل مع الإيرانيين. ويجب على الولايات المتحدة أيضا تشجيع وضع حد للخلاف السعودي مع قطر، وحث السعوديين على إيجاد طريق للخروج من حرب اليمن.

وقبل كل شيء، يجب على الولايات المتحدة تطبيع العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بدلا من تضييق أولوياتها، الأمر الذي يتطلب نظرة فاحصة على المصالح الأمريكية تجاه الرياض، والنظر بجدية في أفضل السبل لتشجيع السلوك الإيجابي مع معاقبة السلوك الإشكالي. وسوف تقلل كل هذه الخطوات من الضغوط العالية بشكل خطير، مع تمكين الولايات المتحدة من التركيز على التحديات الأساسية.

3. ويجب على الولايات المتحدة إيجاد طريقة لإعادة النظر في الشرق الأوسط كأولوية. وعلى الرغم من أن التحدي الجيوسياسي الحقيقي الذي تفرضه الصين، فإن الولايات المتحدة لا تزال محاصرة في مستنقع الشرق الأوسط. وعلى قبر مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، ستتم كتابة مزيج من العبارات المحيرة حول سبب استمرارها لفترة طويلة ضبابية التركيز، يكتنفها الغموض والقلق، رغم تأثيرها على lميزانية البلاد، دون تحقيق أي شيء تقريبا.

ومع ذلك، فإن النهج الأمريكي المفرط في التعامل مع المنطقة مستمر. وتم إرسال ما لا يقل عن 20 ألفا من القوات العسكرية الأمريكية الجديدة في الأشهر الأخيرة، وبذلك يصل إجمالي عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين في الشرق الأوسط إلى 80 ألفا. وتأتي هذه الزيادة بشكل ملحوظ في وقت ينخفض ​​فيه الوجود الدبلوماسي الأمريكي في أماكن مثل العراق.

وتؤدي حملة "أقصى ضغط"، التي تتبعها الإدارة، إلى التركيز بأقصى قدر على إيران، مما يؤثر على التحدي الجيوسياسي الذي تفرضه الصين، وهو التهديد الأساسي للنظام العالمي، والذي يجب أن يستحوذ على الكثير من الوقت والاهتمام والموارد.

وفي حين أن الولايات المتحدة يجب أن تغادر الشرق الأوسط، فيجب عليها ألا تفعل ذلك بطريقة تعود بالفائدة على الروس. وقد تعهد الروس بتحركات دبلوماسية ثابتة في جميع أنحاء المنطقة.

ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تقلل من تورطها للمنطقة دون أن تؤدي إلى تفاقم النفوذ الروسي، عبر تعميق موقفها الدبلوماسي، وعقد تحالفات متقاربة التفكير ومثمرة، لتجعل من الصعب على روسيا الاعتماد على فوائد نظام الأمن الإقليمي الذي تديره الولايات المتحدة.

  • الانعكاسات على السياسة الأمريكية

وترتبط ديناميات العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران ارتباطا وثيقا بالاستقرار والأمن الإقليميين. ويجب على الحكومة الأمريكية فحص المجالات التالية.

أولا: الاستراتيجية والتنفيذ.

بالنظر إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران والشرق الأوسط كانت معقدة، فينبغي للإدارة أن توضح ما تحاول تحقيقه، ولماذا تحاول القيام بذلك، وقبل كل شيء، كيف ستفعل ذلك.

ويجب أن يكون من بين الأسئلة التي يجب مراعاتها ما الذي تسعى الإدارة لتحقيقه في سياستها تجاه إيران والشرق الأوسط الكبير؟ وكيف تخطط لتنفيذ هذه الاستراتيجية، خاصة مع تكاليف الفرص البديلة الضائعة في ضوء ارتفاع ثمن المنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا؟ وكيف تدعم تنفيذ الاستراتيجية بشكل فعال؟

ثانيا: توضيح الموقف بالنسبة لحملة التحالف ضد "الدولة الإسلامية".

فقد أدى الصراع بين الولايات المتحدة وإيران إلى تعريض الحرب ضد "الدولة الإسلامية" للخطر، وأثار استياء بعض العراقيين.

ومن بين الأسئلة التي يجب مراعاتها أيضا، كيف تدهورت حملة التحالف ضد "الدولة الإسلامية" بسبب التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وإيران؟ وما هو الدور الذي قد يلعبه الكونجرس لتعميق مشاركة الولايات المتحدة والتشاور مع أعضاء التحالف الرئيسيين، وقبل كل شيء، الحكومة العراقية؟

ثالثا: معالجة الصفقة التي أصبحت في حالة من الفوضى.

وقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، بدلا من التفكير في طرق لتحسين شروطه، إلى فصل الولايات المتحدة عن باقي الموقعين، بينما تتابع إيران أجندتها الخاصة.

وتشمل الأسئلة التي يجب مراعاتها هنا ما هي المسارات التي قد تنجح في بناء مستوى من الاتفاق بين إيران والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية للحد من برنامجها النووي إلى الحد الأدنى؟

رابعا: الوجود الإقليمي للولايات المتحدة والغرض منه.

وعلى مدى عقدين من الزمان، اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على مقاربة عسكرية للشرق الأوسط. ورغم الحديث عن العكس، تضاعف الإدارة الأمريكية من هذا النهج مع ارتفاع عدد القوات في المنطقة، على الرغم من الأدلة القليلة على أن الأعداد الكبيرة من القوات الأمريكية تمنع التهديدات فعليا.

وإذا تم إجبار الجيش الأمريكي على المغادرة فجأة من العراق، فإن قدرة الحكومة الأمريكية على التأثير والعمل ستكون مقيدة بشدة، فضلا عن الترحيب بهذا الأمر من قبل كل من "الدولة الإسلامية" وإيران.

وفي الأماكن الحرجة مثل سوريا، تكون مهمة الجيش الأمريكي مبهمة ومقلقة من خلال الإعلانات المفاجئة عن عمليات إعادة الانتشار وتنفيذها دون التشاور الجاد مع الهيئات ذات الصلة أو أعضاء التحالف الرئيسيين.

وقبل كل شيء، جاء هذا التركيز على النهج العسكري على حساب النهج الدبلوماسي في حين تدهور الوجود الدبلوماسي الأمريكي على المستوى الإقليمي، خاصة في العراق. ويجب تبسيط الموقف العسكري الأمريكي في المنطقة، لا سيما القوات عبر الخليج في أماكن مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، والاعتماد بشكل متزايد على القواعد "الدافئة" بدلا من "الساخنة"، ويجب تقليص المقرات المختلفة بشكل كبير.

وتشمل الأسئلة التي يجب مراعاتها ما يلي، ما هي الشروط التي تخطط الإدارة الأمريكية على أساسها نشر 20 ألف جندي أمريكي جديد في الشرق الأوسط؟ وما هي شروط الإدارة للانسحاب؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تحدد حجم موقفها العسكري الإقليمي وتصممه بشكل مناسب لمواجهة التهديدات المحتملة؟ وكيف قد تبسط بشكل فعال موقفها العسكري في الشرق الأوسط في ضوء السياق العالمي؟ وكيف يمكنها الاعتماد على وجود دبلوماسي أكثر قوة في المنطقة؟

باختصار، يهدد انعدام الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بإهدار موارد الأمن القومي الأمريكي. ولا توجد حلول بسيطة. ومع ذلك، فقد تأخرت بعض الخطوات اللازمة لقيادة الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في اتجاه أكثر تماسكا واستدامة.

المصدر | مارا كارلين/ بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني الإدارة الأمريكية الشرق الأوسط

إيران: لن نجري محادثات ثنائية مع أمريكا

شمخاني: سنهزم المثلث العبري العربي الغربي