هل تتدخل الجزائر أخيرا في ليبيا؟

الاثنين 16 مارس 2020 07:22 م

بالرغم من موجة النشاط التي أعقبت إعلان تركيا أنها ستتدخل في ليبيا، والتي بلغت ذروتها في مؤتمر برلين حول ليبيا في 19 يناير/كانون الثاني، لم يحدث الكثير منذ ذلك الحين.

وربما يكون سبب التباطؤ في النشاط الدبلوماسي حول ليبيا هو نية الجزائر في لعب دورها السياسي المفترض لتوجيه ليبيا للخروج من مستنقعها الحالي.

وحتى مع وجود الكثير من الضغط من الأتراك، رفضت الجزائر تقديم المساعدة اللوجستية لتركيا، وأصرت تصريحات متنوعة من جميع مستويات الحكومة على أن الجزائر ترفض أي تدخل خارجي في ليبيا.

علاوة على ذلك، سعت الجزائر إلى الاتحاد الأفريقي كجزء من مبادرة دبلوماسية أوسع نطاقا لإشراك رفاقها الأفارقة في إخراج ليبيا من دائرة النفوذ الأوروبي إلى العالم الأفريقي، حيث تقل المصالح الفردية للدول.

وتعتقد الجزائر أن الكثير من عدم الاستقرار الحالي في ليبيا نابع من تنافس الدول الأوروبية بشكل متزايد على موارد ليبيا.

وفي حين تعتقد إيطاليا أنه يجب أن تكون لها الأولوية في أرضها الاستعمارية القديمة، تعتقد فرنسا أنها تستحق التعويض، والمكافأة إلى حد ما، لدفع "الناتو" للتدخل الذي أطاح بـ"معمر القذافي".

ولهذا السبب، دعت الجزائر وزراء خارجية الدول المجاورة لليبيا، تشاد ومالي والسودان ومصر وتونس والنيجر، في فبراير/شباط، لمناقشة الأزمة الليبية.

وتكمن أهمية الدعوة في حقيقة أن كل من هذه البلدان متأثرة بشكل مباشر أو مشاركة في النزاع، ولكن تم تجاهل معظمها في مبادرات السلام التي استضافتها الدول الأوروبية.

وفي حين تضغط الجزائر من أجل جبهة أفريقية أكثر توحدا، ودور أكبر للاتحاد الأفريقي في ليبيا، فإن فعالية هذه التدابير لا تزال موضع شك، وليس هذا لأن الاتحاد الأفريقي يفتقر إلى القدرات أو النفوذ لإجراء مفاوضات جادة حول مستقبل ليبيا؛ ولكن لأن هذه الدول الأفريقية المشاركة ليست متأكدة تماما من الحل السياسي الذي يناسب استقرار المنطقة.

ويكمن أصل هذه المعضلة في تورط الإمارات في ليبيا ونوايا أمير الحرب الليبي "خليفة حفتر"، بكل بساطة، تشك الجزائر بشدة في أهداف الإمارات في المنطقة، والتي تضمنت التدخل في الانتخابات في تونس، وتعميق العلاقات مع خصمها المغرب، وتفاقم التوترات عبر شمال أفريقيا نتيجة حرب أبوظبي الواسعة ضد "الإخوان المسلمون".

بعبارة أخرى، تخشى الجزائر أن تكون الضحية القادمة بعد ليبيا، وليس للجزائر علاقات خاصة مع رئيس الوزراء الليبي "فايز السراج"، وقد ظهر هذا طوال الصراع حيث فضلت الجزائر تجنب توفير الدعم اللازم لـ"السراج" لدفع "حفتر" بشكل فعال تماشيا مع سياستها الخارجية غير التدخلية.

ومع ذلك، ولكن الجزائر ليس لديها حل يضع حدا للصراع وينجح في احتواء التوسع والتدخل الإماراتيين.

ويدرك "حفتر" نفسه حساسيات الجزائر، وقبل هجومه على طرابلس، في 4 أبريل/نيسان 2019، توقف "حفتر" لأسابيع لمراقبة الوضع الداخلي المتصاعد في الجزائر، حيث انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد ولاية خامسة للرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة"، فيما أصبح يعرف باسم حركة "حراك".

وفقط عندما أصيبت الجزائر بالشلل بسبب الفوضى الداخلية والاقتتال السياسي، الذي شهد تغير رؤساء المخابرات والأمن مرتين على الأقل، شن "حفتر" هجومه الواسع ضد طرابلس.

بعبارة أخرى، كان "حفتر" على علم جيد بنفور الجزائر من قيادته لليبيا، وكان يخشى أن تقرر الجزائر دعم "السراج" بالموارد والقدرات.

ونتيجة لهجوم "حفتر"، قدمت الجزائر مساعدة من وراء الكواليس لـ"السراج" للمساعدة في صدّ هجوم "حفتر"، وفي حين أن هذا الدعم لا يزال محدودا، فقد أثبت أنه كان كافيا عندما اقترن بدعم تركيا الواسع لمنع "حفتر" من الاستيلاء على العاصمة.

علاوة على ذلك، سعت الجزائر إلى زعزعة ثقة أنصار "حفتر"  من خلال دعوة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لزيارة البلاد حيث أبدى الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" عاطفة حارة تجاه "أردوغان"، في إشارة واضحة إلى دول أخرى متورطة في ليبيا مفادها أنه إذا تم إجبارها على الاختيار، فإن الجزائر ستلقى بكثير من الثقل خلف "السراج".

وتم تلقي الرسالة المقصودة، وهي استعداد الجزائر للتدخل ولعب دور في ليبيا، وعلى الفور أرسلت الإمارات وزير خارجيتها إلى الجزائر وتونس لإجراء محادثات.

وبعد هذه الغزوة الدبلوماسية، أكثرت الجزائر من الشائعات حول تعاونها مع تركيا، ومنذ ذلك الحين أرسلت وفود إلى الطرفين المتنافسين في ليبيا، كما التقى "تبون" الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بشكل خاص في قمة الاتحاد الأفريقي في أوائل فبراير/شباط، ما أظهر استعدادا واضحا لدى الجزائر لإشراك جميع أطراف الصراع.

وبالرغم من أن هذه التحركات قد أثارت في بعض الأحيان غضب كل من "حفتر" و"السراج"، لكن رسالة الجزائر المقصودة هي أنها الآن تعمل بكامل طاقتها وجاهزة لممارسة دورها، وهي الرسالة التي تم تلقيها بشكل واضح من قبل جميع الأطراف.

ويبقى السؤال عن مدى تأثير الجزائر على الأحداث في ليبيا، ويتضح من الطريقة التي استجابت بها القوى الدولية لمبادرات الجزائر أن الرئيس "تبون" لديه ما يكفي من النفوذ للفت الانتباه والاهتمام. 

وقد تأتي محاولات الجزائر لإشراك الاتحاد الأفريقي بنتائج عكسية، حيث تتمتع دولة الإمارات الآن بنفوذ كبير على السودان، وسعت بثبات للفوز بالنفوذ في دول شرق أفريقيا، كما أن فرنسا لا تزال تقف بقوة وراء "حفتر".

وبالرغم من أن الوضع الداخلي في الجزائر أكثر استقرارا بشكل ملحوظ، لكنها لا تزال في مرحلة انتقالية، حيث تستمر احتجاجات "حراك" أسبوعيا، بالرغم من انخفاض الأعداد بشكل كبير، ويستمر الجدل حول توقيت الانتخابات البرلمانية المتوقعة.

ومع ذلك، تقدم التحركات الدبلوماسية الجزائرية بعدا جديدا للنزاع الليبي، وإمكانية إخراج ليبيا من دائرة التنافس الأوروبي وإدخال ليبيا ضمن اختصاص الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والدول المجاورة.

كما تحتفظ الجزائر بقدرات عالية قد توفر المساعدة اللوجستية لـ"السراج" عبر حدودها الطويلة مع ليبيا في حال تجاوز "حفتر" محاولته لفرض انتصار عسكري.

بعبارة أخرى، يوفر خروج الجزائر عن صمتها ديناميكيات جديدة على الصعيدين السياسي والعسكري قد تكون مواتية على المدى الطويل لإيجاد حل سياسي في ليبيا.

المصدر | سامي حمدي | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب الليبية خليفة حفتر فايز السراج العلاقات الجزائرية الليبية

حفتر ووزير الخارجية الجزائري يبحثان الأوضاع في ليبيا

رئيس أركان الجزائر الجديد يتفقد وحدات عسكرية محاذية لليبيا

السعودية: ملتزمون بالتنسيق مع الجزائر لتسوية الأزمة الليبية