هجرة الأطباء المصريين.. نزيف كفاءات يهدد القطاع الصحي

الأربعاء 22 أبريل 2020 03:06 م

لم يكن إطلاق الحكومة المصرية مبادرة "خليك مستعد"؛ لتدريب أطباء الامتياز وطلاب كليات الطب بالجامعات المصرية، لمواجهة فيروس "كورونا "، سوى صافرة إنذار بشأن النقص الحاد، والمعرض للتفاقم، في صفوف الأطباء المصريين.

ويتراكم النقص العددي في صفوف الأطباء المصريين، منذ سنوات، لكن أزمة "كورونا" سلطت الأضواء بقوة على احتمالية انهيار القطاع الصحي، حال تواصل نزيف الكفاءات والعقول المصرية في هذا المجال.

وعلى الرغم من الصرخات التي أطلقتها نقابة الأطباء المصرية، لتحسين بيئة العمل للأطباء، والتعجيل بزيادة الرواتب بهدف الحفاظ على الأطباء، فإن مسلسل هجرة الأطباء تواصل، بشكل مكثف، خلال السنوات الأخيرة.

استقالات بالجملة

تفيد دراسة حكومية، أن القوة الحالية للأطباء داخل مصر، لا تتجاوز نسبة 38% من القوى الأساسية المرخص لها بمزاولة المهنة، بواقع 82 ألف طبيب من كافة التخصصات من أصل 213 ألف طبيب حاصلين على تصريح سار لمزاولة المهنة.

ويعمل نحو 62% من الأطباء المصريين، خارج مصر، أو استقالوا من العمل الحكومي للتفرغ للعمل في مستشفيات خاصة، أو في عياداتهم الخاصة.

ويبلغ عدد الأطباء المسجلين في وزارة الصحة المصرية 57 ألف طبيب، في حين أن قطاعات الوزارة تتطلب 110 آلاف طبيب لتغطية كافة احتياجاتها.

ووفق أمين صندوق نقابة أطباء مصر، "محمد عبدالحميد"، فإن عدد الأطباء الذين استقالوا من وزارة الصحة خلال عام 2019 بلغ 3507 أطباء، مقابل 2397 طبيبا عام 2018، و2049 طبيبا في 2017، و1044 طبيبا خلال عام 2016.

هجرات متواصلة

ويبلغ المعدل العالمي لعدد الأطباء مقارنة بالسكان، 32 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، لكن العدد في مصر يبلغ بالكاد 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن (أقل ثلث المعدل المطلوب)، بحسب المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة".

ويبلغ إجمالي عدد الأطباء المصريين العاملين بالخارج 100 ألف طبيب، بينما يدخل أكثر من 10 آلاف طبيب سوق العمل سنويا.

وتعتبر الهجرة العامل الرئيسي وراء هذا النقص الحاد في عدد الأطباء، حيث يبلغ عدد الأطباء المصريين العاملين في السعودية فقط 65 ألف طبيب العام 2017، بحسب الملحق الطبي بالسفارة المصرية بالسعودية سابقا، الدكتور "هشام شيحة".

اللافت أن معظم الأطباء المهاجرين من التخصصات الحرجة والنادرة، وكذلك من ذوي الكفاءة والخبرة، حيث قضوا سنوات في العمل بمستشفيات حكومية وجامعية وخاصة، واكتسبوا خبرات كبيرة.

وتشهد تخصصات بعينها هجرة جماعية، أبرزها أطباء الطوارئ والعناية المركزة والتخدير، حيث الطلب المتزايد عليهم في الخليج، حيث يتقاضوت رواتب كبيرة تتراوح بين 3 إلى 10 آلاف دولار.

رواتب متدنية

وتعيد أزمة "كورونا" تسليط الضوء من جديد على أسباب هجرة الأطباء في مصر، بالنظر إلى أن الأطباء المصريين من المشهود لهم بالكفاءة خاصة على المستوى العربي.

ويأتي تدني الرواتب على رأس قائمة الأسباب، وراء هجرة الأطباء، سواء إلى الخارج، أو في الداخل عبر الاستقالة من العمل الحكومي، وفتح عيادات خاصة لتحسين الدخل.

ولا يزيد راتب الطبيب عند بداية التعيين عن 2500 جنيه (155 دولارا)، يزيد عند الحصول على درجة الماجستير إلى 4 آلاف جنيه (250 دولارا)، بينما يحصل بعد حصوله على درجة الدكتوراه على نحو 5000 جنيه مصري (315 دولارا).

وفي مارس/آذار الماضي، طالبت النقابة العامة للأطباء، الحكومة برفع قيمة بدل العدوى للأطباء، خاصة أنهم الأكثر عرضة لعدوى "كورونا"، لكن دون استجابة.

ويتقاضي الطبيب المصري بدل العدوى 19 جنيها شهريا (1.2 دولار)، بينما تقرر مؤخرا صرف زيادة لهم تحت مسمى "بدل المهن الطبية" بقيمة 500 جنيه (نحو 30 دولارا).

وإضافة إلى تدني الرواتب، يعاني الكادر الطبي من ضعف كبير في الإمكانات، خاصة المستشفيات الحكومية، ويزداد الأمر تدهورا حال العمل بمستشفيات الصعيد (جنوبي البلاد)، أو في الوحدات الصحية الريفية.

اعتداءات وإهانات

أما الأسوأ، فهو تعرض حياة الأطباء للخطر، مع تزايد وقائع الإهانات والتعدي عليهم بالضرب، من قبل ذوي المرضى وعائلاتهم، إما بسبب أخطاء طبية، أو بسبب قصور في الخدمة؛ لنقص الإمكانيات، أو حتى بسبب سوء فهم ذوي المرضى لمهام الأطباء وأولويات الرعاية الطبية في ظل غياب التأمين للأطباء في المستشفيات.

ولم ينج ذوو الثياب البيضاء من براثن الإهمال الحكومي، ففي يناير/كانون الثاني الماضي، لقي 3 طبيبات حديثات التخرج، مصرعهن، عقب إجبارهن على السفر فجأة من قنا إلى القاهرة بوسيلة غير آمنة لحضور تدريب روتيني.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تسبب الإجهاد في وفاة طبيب التخدير المصري "أحمد برج"، داخل غرفة العمليات، بعد عمله بشكل متواصل لمدة 36 ساعة.

وفي 11 يوليو/تموز من العام ذاته، فارق الحياة، الطبيب "حسام حمدي"، أثناء إجرائه عملية جراحية في غرفة العمليات، بعد إصابته بسكتة قلبية، جراء ضغط العمل.

مسكنات وحلول

وتسعى الحكومة المصرية، لمواجهة أزمة النقص الحاد في الأطباء، من خلال استراتيجية تتضمن تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب، والتوسع في إنشاء كليات طب بشري جديدة، وزيادة أعداد الطلاب المقبولين في كليات الطب.

وتوجد في مصر 30 كلية طب بشري، منها 27 كلية حكومية موزعة بين 20 جامعة حكومية، و6 كليات تابعة لجامعة الأزهر، إضافة إلى كلية الطب العسكري و3 كليات طب خاصة.

برلمانيا، جرى تداول مشروع قانون في العام 2016، يحظر سفر الأطباء إلى الخارج إلا بعد العمل 10 سنوات في المستشفيات الحكومية، لكنه لاقى انتقادات واسعة، ولم ير النور.

لكن في العام 2018، جرى تمرير قانون التأمين الصحي الشامل (منظومة جديدة تطبق تجريبيا في 5 محافظات فقط)، وأقر رواتب للأطباء تبدأ من 11500 (نحو 700 دولار)، إلى 25300 (نحو 1500 دولار)، مقابل 42 ساعة عمل منفصلة أو متصلة.

نقابيا، تطالب نقابة الأطباء، بتحسين بيئة العمل للأطباء، وتوفير التأمين اللازم للمنشآت الطبية، والتعجيل بزيادة الرواتب لوقف الهجرة، وتوفير المستلزمات والأجهزة الطبية، ووضع قوانين تحمي أعضاء الفريق الطبي أثناء عمله، ورفع بدل العدوى للأطباء من 19 جنيها (1.1 دولار) إلى 3 آلاف جنيه (180 دولارا).

بموازاة ذلك، تبدو الحاجة ماسة لإصلاح منظومة العمل الطبية في مصر، وزيادة الإمكانات في المستشفيات الحكومية، وتقليل ساعات العمل، وتطوير برامج التدريب والابتعاث للخارج، ومعايير قياس الأداء والإنتاجية والتميز.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر.. استقالة 4621 طبيبا من المستشفيات الحكومية خلال 2022