هل تقترب طالبان من إيران بعد اتفاق السلام مع أمريكا؟

الأربعاء 22 أبريل 2020 10:16 م

كثيرا ما يقال إن أول ضحية للحرب هي الحقيقة، ولا يمكن أن يكون هناك مثال أفضل على مسرح الصراع الذي يبلور هذا القول أكثر من أفغانستان.

وفي 29 فبراير/شباط، وقعت الولايات المتحدة وحركة "طالبان" اتفاقية تهدف لإنهاء أطول عمل عسكري للولايات المتحدة هناك، والذي كلفها ما يقرب من تريليون دولار و2400 قتيل.

ويرسم الاتفاق جدولا زمنيا للقوات الأمريكية لمغادرة أفغانستان مقابل التزامات أمنية مختلفة، مع تعهد أكثر غموضا بإجراء محادثات بشأن تسوية سياسية مع الحكومة الأفغانية في كابل، التي رفضت حتى الآن إبرام تسوية.

ويعد هذا الاتفاق غير مسبوق، لأنه لا ينهي فقط أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه يهدد بإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، ويمنح "طالبان" وضعا على المسرح العالمي لم يسبق له مثيل.

وهناك مسألة أخرى تدور حول ما إذا كان من الممكن استخدام هذا الوضع الجديد للاستفادة من الحكومة الأفغانية لتصبح الشريك الثالث والحاسم في التوقيع على الاتفاق الذي سيحدد جدولا زمنيا للانسحاب الأمريكي.

ثم هناك مسألة العلاقات مع إيران.

وتبقى مسألة إيران مهمة، خاصة لإدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". وكما هو واضح، سيتم النظر إلى الاتفاق على أنه انتحار إذا كان له نتائج عكسية باقتراب إيران من "طالبان" وتشكيل قوة كبيرة مناهضة للولايات المتحدة في المنطقة.

ولم تكن إيران أبدا شريكا حقيقيا لـ"طالبان"، بالرغم من انهيار ولاء الحركة للسعودية بعد إعلان مسؤولية تنظيم "القاعدة" عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ما أجبر الرياض على إعادة تقييم قربها من الحركة الأفغانية.

ويُعتقد أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانت السبب الوحيد الذي دفع القوات الأمريكية إلى الإطاحة بهما (القاعدة وطالبان) في النهاية.

ومع ذلك، بالرغم من ابتعاد السعوديين عن الحركة في تلك المرحلة، فلم يدفعها ذلك تلقائيا لتكون أقرب إلى إيران. وتبقى النقطة الشائكة في الاتفاقية التي تم إبرامها هي تأثيرها على العلاقة بين "طالبان" وإيران، والتي قد تنمو بمجرد أن تسيطر "طالبان" على البلاد مرة أخرى.

وقد تثبت إيران أنها شريك جيد لـ"طالبان" في المستقبل، إذا كان فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان طموحا قليلا في أهدافه السياسية.

ويعد سيطرة حركة "طالبان" على السلطة مرة أخرى أمرا سلبيا للولايات المتحدة، لذا يعتبر ترتيب تقاسم السلطة، الذي قد يمنع ذلك، أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن.

وخلال فترة حكم "طالبان" تعرض الشيعة، متمثلين في جماعة "الهزارة" العرقية في أفغانستان، للاضطهاد، كما هو الحال اليوم في السعودية. ورأينا في الأعوام الأخيرة قصفا مستمرا للمساجد الشيعية.

وتلوم الحكومة الأفغانية "طالبان" بشكل منتظم على هذه الهجمات، ولكن الحركة تنكر ذلك. وفي الواقع، مع دخول تنظيم "الدولة الإسلامية" الصراع في البلاد، واستهدافه لبؤر "الهزارة"، يرى الكثيرون بأن دورهم كان مفيدا لـ"طالبان" في الإنكار المعقول للمسؤولية عن التفجيرات.

فهل كانت "طالبان" تخطط طوال الوقت للتوصل إلى اتفاق مع إيران؟ ومن ثم كانت تنكر مثل هذه الهجمات على الأقليات؟

وتعد إحدى المناطق الرمادية التي يكافح المحللون من أجل إزالة الغموض عنها هو حقيقة ما حدث بالفعل في عام 2001 بعد الغزو الأمريكي، الذي كان يعتمد على تدفق ثابت من المعلومات الكاذبة.

هل كان السبب حقا وراء قصف "جورج بوش" لأفغانستان والإطاحة بحركة "طالبان" هو أنها كانت تحمي "أسامة بن لادن"؟ في الحقيقة، لم يكن لتفجيرات 11 سبتمبر/أيلول علاقة تذكر بالقرار الذي اتخذه "بوش".

كان الأمر يتعلق أكثر بصفقة خط أنابيب تمتد من قندهار إلى كراتشي، التي كانت شركة النفط الأمريكية "يونوكال" حريصة على بنائها، حيث تم حظرها لمدة عقد من قبل "طالبان".

وقد شعر "بوش" بالحاجة إلى تلقين درس لـ"طالبان". وبالرغم أن شركة النفط الأمريكية دعت "طالبان" إلى الولايات المتحدة عام 1997، إلا أن "بيل كلينتون" لم يكن لديه بالفعل ما يلزمه للتعامل مع "طالبان" مباشرة بعد فشله المذهل في الصومال ورواندا، الأمر الذي تركه مترددا للتشابك من جديد مع نزاعات دولية.

وانهارت المفاوضات بشأن خط الأنابيب عام 1998، عندما قصفت "القاعدة" سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في شرق أفريقيا.

وبحلول ذلك الوقت، كانت "القاعدة"، بقيادة "أسامة بن لادن"، قد انتقلت من السودان إلى أفغانستان، حيث عرضت عليها "طالبان" ملاذا آمنا.

وكان قصف أفغانستان يتعلق حقا بتسوية حسابات قديمة بشأن صفقات الطاقة التي حظرتها "طالبان"، والتي أبرمها "بوش الأب" خلال وجوده في منصبه.

ولكن بعد 18 عاما، أصبحت "طالبان" اليوم علامة عالمية ترتبط بفشل السياسة الخارجية الأمريكية والفوضى والارتباك واليأس من قبل الجنود الأمريكيين الذين يخوضون حربا لا يمكنهم الفوز فيها أبدا.

ويبقى البعد الإيراني في الاتفاق المبرم أمرا بالغ الأهمية، وستحدد حكومة كابول الآن مدى أهمية طهران في الأشهر والأعوام المقبلة في أفغانستان بدون الأمريكيين، الذين لم يتمكنوا أنفسهم من فهم ما كانوا يفعلون هناك.

ولمحاولة فهم حماقة السياسة الخارجية الأمريكية، ولماذا تذهب إلى الحرب ضد أعداء لا تفهمهم أو تفهم أيديولوجياتهم، ربما نحتاج لقراءة الرواية الاستثنائية لـ"مايكل هير": "الرسائل"، التي تأخذ القارئ إلى جحيم الجنود الذين قاتلوا في فيتنام، وبالتأكيد قرأ الكثير من الضباط الأمريكيين تلك الرواية خلال خدمتهم في أفغانستان.

ومن نواح عديدة، واجه "أوباما" و"ترامب" تحديات للتعامل مع الوضع الذي خلفه قرار "بوش" بغزو أفغانستان، حيث ضاعت القوات الأمريكية هناك مما شجع "طالبان" وساعد في تعزيز قوتها.

وسوف يخفض "ترامب" القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 8 آلاف و600 جندي في غضون 135 يوما، ويبدو أن ذلك مرتبط بشكل كبير بالأسابيع الأخيرة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، بينما تعد "طالبان" بعدم السماح لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو "القاعدة" بدخول الأراضي التي يسيطرون عليها بالفعل.

ويعتبر الاعتماد على أن "طالبان" لن تطور علاقتها مع إيران من أبرز المغالطات التي يرتكبها رئيس أمريكي يكافح من أجل فهم الصورة الأكبر. فهل يعرف "ترامب" حتى أن القوات الأمريكية كانت وما زالت تقاتل "طالبان"؟

ووفقا لـ"بي بي سي"، فقد قال "ترامب" إن "القوات الأمريكية كانت تقتل الإرهابيين في أفغانستان بالآلاف، والآن حان وقت قيام جهة أخرى بهذا العمل، وستكون طالبان أو الدول المحيطة بها".

وقد يذهل هذا الكلام الجنود الأمريكيين، إن لم يكن الجميع. وبالتأكيد فإن الضباط في أفغانستان يتابعون الأخبار ويتساءلون حول فرص الالتزام بالاتفاق الذي وقعته بلادهم مع "طالبان" لمدة 14 شهرا، وهو الأمر الذي يبدو مستبعدا.

وبالنسبة للصفقة نفسها، فهناك أشياء كثيرة يمكن أن تفشل، بما في ذلك حتى إعادة انتخاب "ترامب".

وإذا حدث ذلك، فيمكن لـ"طالبان" وإيران أن تسمي الاتفاق بـ"صفقة ترامب"، وتكرر ما فعله عام 2017 بتمزيق ما سماها "ترامب" بالصفقة الإيرانية، التي أبرمها الرئيس "أوباما".

المصدر | مارتين جاي - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حركة طالبان الانسحاب من أفغانستان طالبان أفغانستان

طالبان ترفض دعوة كابول وقف إطلاق النار خلال رمضان